سلم الزعيم الشيعي مقتدى الصدر رسمياً مفاتيح مسجد الإمام علي الى المرجعية في النجف، وانسحبت قواته. وذاب "جيش المهدي" بين الزوار الذين أموا المسجد الذي دخلته الشرطة العراقية. وانسحب الجيش الاميركي من المدينة القديمة، معلناً انه لن يطلق النار إلا دفاعاً عن النفس. وأعلنت الشرطة العثور على 25 جثة في قبو محكمة شرعية وقالت ان أنصار الصدر مثلوا بها. وفيما هدأت المعارك في النجف، بقي الوضع الأمني متوتراً في بقية المناطق وأصيب 12 جندياً اميركياً بشظايا قنابل يدوية أطلقها مجهولون على احدى الدوريات في بغداد. ودخل "اتفاق السلام"، الذي تقدم به السيستاني ووافقت عليه الحكومة العراقية الموقتة والصدر، حيز التنفيذ أمس من دون عقبات تذكر. وتنص الوثيقة التي وقعها ممثل الصدر على نزع السلاح من مدينتي النجف والكوفة ورحيل كل العناصر المسلحة وعدم العودة اليهما نهائيا، وعلى ان تتولى الشرطة العراقية مسؤولية الامن وحفظ النظام في مدينتي النجف والكوفة. كما تحرص على رحيل القوات المتعددة الجنسية وعلى رأسها القوات الاميركية من المدينتين. وتتمثل النقطة الوحيدة التي تتجاوب تماماً مع مطالب الحكومة في رحيل انصار مقتدى الصدر عن الضريح. اما انخراط الصدر في العملية السياسية فلا يبدو مضموناً وان كانت الحكومة ترغب في ذلك. ولا ينص الاتفاق على تغيير استراتيجية الصدر القائمة على استخدام القوة. وعثرت عناصر الشرطة والحرس الوطني على ما لا يقل عن 25 جثة في قبو المحكمة الشرعية التابعة للصدر بوسط النجف، ووضع هؤلاء كمامات على انوفهم لاخراجها الى ساحة المحكمة القريبة من الصحن الحيدري في المدينة القديمة. وقال احد عناصر الحرس الوطني بعد عثوره على عدد من علب البيرة الفارغة "انظروا بأم اعينكم، انهم يشربون البيرة وبعدها يقومون بالقتل". وقال عامر حمزة الدعمي معاون قائد شرطة النجف للصحافيين: "لقد دخلنا الى المحكمة الشرعية التي اقامها مقتدى الصدر فاكتشفنا في قبوها عددا كبيرا من جثث رجال الشرطة والناس العاديين المدنيين". واضاف ان "عدداً منهم تم إعدامه وآخرين تعرضوا للتعذيب وبعضهم تم احراقه". واكد الشاهد راهي حسين انه كان واقفا قريباً من ضريح الامام علي صباح هذا اليوم امس عندما "جاء رجل شاب وطلب من الناس المجيء الى المحكمة الشرعية لانه كان قد عذب فيها وانه متأكد أنه لا يزال هناك سجناء بداخلها". واضاف: "عندما وصلنا الى هناك لم نجد الا شخصين على قيد الحياة هما عم قائد الشرطة وصبي والباقي كانوا جثثا". وكانت عناصر "جيش المهدي" التابعة لرجل الدين المتشدد مقتدى الصدر اختطفت في 8 الجاري عادل الجزائري سائق قائد شرطة النجف وعمه. غير ان بعض اتباع الصدر نفوا هذه التهم وقالوا ان الجثث تعود لمقاتلين من "جيش المهدي" لم يتسن دفنها بسبب شدة المعارك. ويعزز الاتفاق والنجاح في تطبيقه نفوذ السيستاني ودوره المعنوي الكبيرين اصلاً، سواء على صعيد الطائفة الشيعية او على الصعيد الوطني العراقي، بعدما اثبت انه الوحيد القادر على فرض حل للنزاع. ونجح المرجع في تجنيب مرقد الامام علي دماراً، كما نجح في المحافظة على كرامة الصدر وأمن رجاله الذين خرجوا مع الزوار الذين أدخلهم السيستاني الى المرقد. وشكل الاتفاق ايضا مخرجاً للحكومة من الاحراج الذي ازداد مع احكام الطوق الاميركي على الصحن الحيدري ومجزرتي الكوفة اول من امس. والسيستاني الذي يعارض تدخل المرجعيات الدينية في السياسة انتقد منذ البداية اعتماد العنف وسيلة لمقاومة الاحتلال الاميركي، لكنه استطاع ان يفرض على الحاكم الاميركي السابق بول بريمر تعديل خطته لمستقبل البلاد بعدما طالب واصر على اجراء انتخابات حرة في اقرب وقت ليختار العراقيون حكومتهم. وفي طهران، شبه الرئيس الايراني السابق علي اكبر هاشمي رفسنجاني عودة السيستاني الى العراق بعودة الامام الخميني الى ايران قبل 25 عاما. واشاد في خطبة الجمعة بالسيستاني وبمسلحي الصدر الذي قال ان مقاومته "تخطت تلك التي شهدتها ستالينغراد". ودعا الاميركيين الى "التعلم من درس أيام المقاومة الاحدى والعشرين لشبان مسلمين بأسلحة خفيفة في مواجهة جيش متطور استخدم الوسائل كافة من طائرات وطوافات ودبابات وقذائف انشطارية وحتى غازات بالغة الخطورة". و"نصح" الاميركيين بتغيير موقفهم من العالم الاسلامي كي "تمتد نحوهم الايادي ولن يعرفوا بعدها طالبان ولا القاعدة ولا هجمات 11 ايلول سبتمبر". وقال: "كل ذلك نتيجة جرائمكم التي تدفع بالحانقين الى المقاومة". ورحب الامين العام للامم المتحدة كوفي انان بجهود السيستاني، واصدر الناطق باسمه بيانا وصف انباء حل النزاع في النجف بأنها "مشجعة". ودعا كل الاطراف الى "احترام حرمة مرقد الامام علي الذي يعتبر من اكثر المواقع الدينية قداسة لدى مسلمي العالم". واعرب عن استيائه من حوادث العنف في جنوبالعراق، وقال انه "قلق على الوضع الانساني ويذكر جميع الاطراف بمسؤولياتهم بموجب القانون الانساني الدولي، بما في ذلك ضمان حرية وصول الموظفين والمساعدات الطبية والانسانية بلا عرقلة الى كل المناطق التي تحتاجها".