يستعد الكاتب المصري جمال البنا لإصدار جزء ثالث من كتابه "نحو فقه جديد"، علماً أنه ثارت في القاهرة أخيراً ضجة حول الجزء الثاني من الكتاب، اطلقت شرارتها ندوة نظمها "مركز صالح كامل للاقتصاد الاسلامي"، في جامعة الازهر، لمناقشة مضمونه، في حضور المؤلف ولفيف من المتخصصين. ويلاحظ أن تسليط الضوء على مضمون الكتاب ارتبط الى حد كبير بتلك الندوة، إذ أن الجزء الأول صدر في كانون الأول ديسمبر 1995، وصدر الجزء الثاني في تشرين الاول أكتوبر 1997، عن دار "الفكر الاسلامي" التي يملكها جمال البنا من دون ان يلتفت أحد تقريباً الى مضمونهما. جمال البنا، هو شقيق مؤسس جماعة "الاخوان المسلمين" حسن البنا، يمارس التأليف منذ 1946، وبلغ عدد مؤلفاته نحو مئة كتاب تُعنى بمجالين أساسيين، هما على حد تعبيره "التجديد الاسلامي"، و"الفكر النقابي"، وتنشرها الدار التي أسسها قبل سنوات وهي حسب تعبيره "لا تستهدف الربح التجاري وقصارى ما تطمع فيه هو أن لا يتآكل رأسمالها فتضطر الى التوقف". ويرى البنا أن للعقيدة طبيعة وهدفاً وآليات تختلف عن طبيعة الشريعة وهدفها وآلياتها، وعالج في الجزء الأول من كتابه بعض المنطلقات المتعارف عليها، مثل "البراءة الأصلية"، و"دائرة الحلال والحرام"، و"التمييز بين العقيدة والشريعة"، و"أسباب تضخم فقه العبادات"، و"الاجتهاد هذا المعلوم المجهول". كما تطرق الى مواضيع أخرى مثل "فهم الخطاب القرآني أيام الرسول"، و"التفسيرات التقليدية والتفسيرات المجددة"، و"فهم الخطاب القرآني كما يجب أن يكون". وتضمن الجزء الثاني سبعة فصول في 280 صفحة فحمل عنواناً رئيسياً هو "السُنة ودورها في الفقه الجديد"، واتهم فيه القدامى بالتقوقع في العبادات وأنهم اتخذوا "سد الذرائع مبدأ للتضييق على الناس". كما رأى ان التقيد بالفقه القديم "كان سبباً في تخلف المجتمعات الاسلامية على غير صعيد"، ودعا الى "فقه جديد يواكب تطورات العصر". وفي حين رفض شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي التعليق على "اجتهادات" جمال البنا، انتقدها مفتي مصر نصر فريد واصل بشدة وطالب بمصادرة الكتاب، لأن مؤلفه "لا علاقة له بالفقه". وقال الدكتور واصل في تصريحات صحافية: "إن كل ما يستجد في حياة المسلمين هو مجرد حوادث فردية لا تحتاج إلى منهج فقهي جديد، فالمنهج قائم وثابت، ومن توافرت فيه شروط الاجتهاد فليبحث عن حكم في الأمور المتغيرة وليست الثابتة في الشريعة الاسلامية". أضاف أنه لاحظ أن المؤلف لا يفرق بين الفقه وأصوله وقواعده وبين المنفذين له والمقلدين، كما ان المصطلحات العلمية والشرعية الاصطلاحية والتخصصية الفقهية متداخلة وغير واضحة في ذهن المؤلف فهو لا يفرق بين الفقهاء من المقلدين المتعصبين لمذاهبهم أو الجهلاء الذين يدعون الفقه والعلم، كما نراه الآن بين الفئات التي تقتل الأبرياء وتنسب نفسها الى الاسلام، وتسمي نفسها "جماعات إسلامية". واستطرد الدكتور واصل قائلاً: "أنا لا أوافق على ما جاء في هذا الكتاب، فالغاء المذاهب الفقهية القديمة وترك هذا التراث الاسلامي سيعرض الأمة الإسلامية الى كارثة وسيترتب عليه الكثير من المفاسد". وقال استاذ أصول الفقه في كلية الدراسات الاسلامية في جامعة الأزهر علي جمعة ل"الحياة": إنه تنبغي التفرقة بين ثلاث مراحل، مرحلة الحكم وهذه يتولاها الفقيه مستنبطاً الحكم الشرعي من الدليل النقلي. ومرحلة الفتوى التي لا تتم بالحكم فقط وإنما تصحب معها فقه الواقع، أي أن تُعنى بالمواءمة بين الحكم والواقع. والمرحلة الثالثة هي مرحلة القضاء، فالمفتي لا يغير الواقع إنما يغيره القاضي الذي ينبغي له أن يسير على ثلاثة خطوط: معرفة حكم الله، ثم الفتوى، وأخيراً المواءمة بين الواقع والحكم. واضاف أنه في ضوء ذلك يتضح الفارق بين من يتحدث في الفقه ومن يتحدث عن الفقه، وأن الماضي كنز لا ينبغي هدمه، وإنما تُستنبط منه اللآلئ التي نتحلى بها أمام العالم. ورأى "أن اجتهادات تجديد الفقه عموماً يجب أن تؤخذ بشيء من الحذر وأن لا يتم الحكم عليها إلا بعد درسها من قبل فريق بحثي كامل حتى لا يُظلم صاحبها". واقترح في هذا الصدد أن يتولى "مجمع البحوث الاسلامية" في الأزهر أو "المجمع الفقهي" في جدة فحص اجتهادات البنا، ليكون الرأي الصادر عن أي منهما هو القول الفاصل في هذه القضية. وقال جمال البنا 70 سنة ل"الحياة": "إن الجزء الثالث من الكتاب سيصدر في ايلول سبتمبر المقبل، متضمناً قسمين رئيسيين يتناول الأول المستويات الثلاثة لمرجعية الفقه القرآن - الرسول - الفقهاء، وموقف كل مستوى من قضايا مثل الايمان بالله، حرية الفكر، المرأة، العدل. كما يتناول "الفقه بين المصلحة والمقاصد والارتفاقات"، و"الحدود المفترى عليها"، و"العوامل التي أعطت الفقه الاسلامي شخصيته". ويركز القسم الثاني على "أصول الشريعة"، التي يضع المؤلف العقل في صدارتها، كما يركز على "منظومة القيم الحاكمة في القرآن".