في حين تعاني غالبية دور السينما في الصيف الساخن هجرة روادها نحو الشواطئ وليالي المهرجانات، ويعمد اصحابها لاستغلال فترة الركود لإنجاز اصلاحات أو تغييرات، فإن قاعات السينما في العاصمة الاماراتية أبو ظبي أو شقيقتها الطافحة بالحياة دبي، لا تعرف التكاسل أو التثاؤب ولا انخفاضاً في روادها بل تشهد حضوراً متزايداً من السياح العرب والأجانب. ربما بدا الأمر مدهشاً، ولكننا بعد متابعة لرحلة الشتاء والصيف في حياة دور السينما في العاصمة أبو ظبي، يمكننا الجزم بلا ارتباك بأن طقس الذهاب الى السينما ومتابعة آخر اصدارات هذه الصناعة العالمية، يعد الأكثر نمواً في المدائن العربية، مقارنة بعدد السكان، باستثناء بعض معاقله التقليدية كالقاهرة. لا يزال السفر والتجوال الرياضة الوطنية الأولى للشباب الاماراتين، ولم تصبح المقاهي بعد مرحلة محببة الى قلوبهم، خصوصاً اذا غاب عنها الركن الخاص بالانترنت. المهرجانات لم تترسخ في الذهن الشعبي. بدأت جلسات النرجيلة، تزاحم المجالس التقليدية في البيوت التي كانت الفضاء الأول للقاء الاجتماعي. حياة الليل ثرية في المدينة، في المطاعم الراقية، والملاهي وتلاقح الثقافات والأجناس. ولكنها محاطة بالأسئلة والشبهات في مجتمع لا يزال محافظاً في اعماق اعماقه. ويطرح السؤال "ما العمل، لقضاء أوقات الفراغ والترويح عن النفس في مجتمع غالبيته لا تشكو من صعوبات اجتماعية ولا أرق التفكير في مستقبل مجهول؟". يبدو ان الاماراتيين، اكتشفوا طريقاً جديداً الى حب الحياة، الا وهو الذهاب الى السينما. وإذا كانت صناعة الأفلام لم تغادر بعد دائرة التوثيق أو محاولات الهواة، فإن القاعات الأولى للسينما في المدائن الاماراتية ارتبطت بلحظة بناء الاتحاد بين الامارات السبع، وتزامن ازدهار النشاط السينمائي مع طفرة التسعينات وخصوصاً تشييد المراكز التجارية الكبرى. فالقائمون على "المولات" أدركوا حاجة المتسوقين ورغباتهم المختلفة، فبنوا دور العبادة، ومراكز التسلية والألعاب للأطفال، والمطاعم والمقاهي بمختلف أنواعها وقاعات السينما. ويبدو ان هذه القاعات الجديدة في مراكز التسوق الضخمة من حيث رفاهية فضائها الداخلي ونوعية الأفلام التي تعرضها والتي عادة ما تكون، آخر نتاجات السينما العالمية، وطبيعة الخدمات المرافقة التي تقدمها لروادها، أحدثت انقساماً اجتماعياً في دور السينما. القديمة أو العربية منها في وسط المدينة أصبحت "محصورة" في الجالية الهندية الكثيفة هنا. اما الحديثة ففي "المولات"، وهي مرتبطة بالحضور القوي للشباب المواطنين والجاليات الاجنبية الغربية. ويرتبط طقس ارتياد السينما عموماً، بالأمسيات أو سهرات الليل، لكنك هنا لن تجد صعوبة في مشاهدة فيلمك المفضل ابتداء من الساعة العاشرة صباحاً وحتى منتصف الليل. وإذا كانت السينما القديمة في وسط المدينة، تحفل بآخر ابداعات السينما الهندية فإن أفلام هوليوود تمثل الخيار الأبرز لدى المشاهدين في سينما المولات. ولعل ما يميز مشاهدة السينما في الامارات، تفردها بعرض آخر انتاجات السينما العالمية في تزامن مع عرضها في شقيقاتها الأوروبية، لئلا نقول الأميركية، والطريف، ان مظاهر التفرد أو "الكشخة" ما بين الشباب الاماراتي تجاوزت آخر صرعات الموبايلات، والساعات والأحذية والسيارات، لتخترق شأناً ثقافياً. إذ بدأ بعضهم يتباهى بأنه سبق صاحبه في مشاهدة هذا الفيلم أو ذاك. ويوفر تعدد القاعات في المول الواحد، اختيارات متعددة للمشاهد. وتحتل أفلام الاكشن قائمة الاهتمامات، متقاربة مع أفلام الخيال العلمي خلال السنوات الأخيرة. كما بدا حضور الكوميديا قوياً ايضاً. ولا تزال الأفلام المصرية تلقى رواجاً لدى الشباب المواطنين. فيما الافلام الاميركية تفرض على مشاهديها قراءة الترجمة العربية، اضافة الى ان الرقابة تمنع المخيلة الشبابية من الذهاب بعيداً. وتتميز القاعات برفاهيتها إذ ان الشاشة وأبواق الصوت من آخر الابداعات الرقمية. نظافة القاعة ووثارة الكراسي تليق بالمستوى المعيشي للمواطنين الأكثر دخلاً في العالم. والسينما هي نفسها في أبو ظبي وغيرها من المدن مع فارق غياب الطوابير الطويلة هنا وانسياب حركة الدخول والخروج على رغم كثافة الحضور. ولا تعبأ السينما بالتفرقة بين الجنسين، يمكنك اصطحاب زوجتك أو رفيقتك يوم العطلة لمشاهدة فيلم في حميمية لن تكلفك سوى 25 دولاراً، ولكن نادراً ما ترى الفتاة المواطنة، فصخب الحياة وظلمتها لا يزالان حكراً على الرجال.