ما هي السلع التي تشهد نمواً لافتاً وإقبالاً متزايداً في اوساط الشبيبة الإماراتية ولم تعصف بها الرياح القلقة التي عاشتها المنطقة اخيراً؟ يحتل الهاتف النقال والخدمات الاتصالية الجديدة المرتبة الأولى. وأصبحت الزهور ومحلات بيع الورود تمثل جزءاً مهماً في المشهد العام للشارع الإماراتي، وأغرقت السوق بتشكيلات من الشوكولا تختلف ألوانها ومذاق حلاوتها من الصناعة المصرية الناشئة الى الإبداعات السويسرية المحترفة. وإذا علمنا بأن 14 شباط فبراير من كل عام عيد الحب العالمي، يشهد في الأعوام الأخيرة تزاىداً لافتاً في الإعلان عنه والاحتفاء به في الصحف والمجلات المحلية، ندرك أن قيماً وتقاليد جديدة بدأت تتسلل الى العائلة... ولا شك في ان ابجديات العالم القديم، لا تزال تمثل موقع الريادة في آليات اوساط التنشئة الاجتماعية من العائلة الى المدرسة. وتؤسس هذه الأوساط رسائلها الى الشبيبة الصاعدة على قيم المحافظة والفصل التام بين الجنسين، وتسعى الى تثبيت مؤسسة الزواج كإطار شرعي ووحيد للتعارف ما بين الذكر والأنثى... إلا ان مخيلة الأجيال الجديدة التي تفتحت على عادات الأجانب المقيمين في الدولة، واكتشفت ثقافات مغايرة عبر إجازاتها الصيفية السنوية في الضفاف الأخرى، وتفاعلت مع تقنيات الحداثة من النقال الى الإنترنت اصبحت تنشد معاني جديدة في الحياة، وتشكو من مأزق حاد ما بين ثقافة الأجداد والآباء وثقافة المستقبل. ما زالت السينما الإماراتية في بداياتها، إلا أن دور العرض شهدت في الأعوام الأخيرة طفرة هائلة، ففي العاصمة ابو ظبي 4 دور للسينما ومعدل الإقبال عليها يسجل نسبة تزيد على 50 في المئة. ويعرض اصحاب القاعات آخر الأفلام العربية والعالمية. ابواب السينما مفتوحة صباحاً ومساء، ولكنها تشهد ذروتها يومي الخميس والجمعة والعطلة الأسبوعية. ويبدو اقبال الشابة الإماراتية محدوداً، إلا ان السينما اصبحت فضاء اسبوعياً للتلاقي وجسراً مفتوحاً للتعارف للجاليات المختلفة. تمر كلمة السر بسرعة ما بين صفوف الشبيبة في المدرسة، يبدأ وصولهم الى المكان بعد السادسة عصراً، تنطلق الدردشات والضحكات عالية في المقهى، يتفق معظمهم على الذهاب الى مطعم ماك دونالدز... تلتهم الأطباق بسرعة، ثم يتفرق الجمع لاقتطاع تذكرة السينما. لا وجود لحواجز ما بين الجنسين، ولم تجد الشبيبة العربية او الأجنبية الآتية من وراء البحار، صعوبات في المحافظة على عاداتها... تضاء الأنوار من جديد معلنة نهاية الفيلم، لينطلق الجميع نحو محلات "الآيس كريم" لمكافحة حرارة الطقس العالية في الخارج. لا يعرف الإماراتيون والأجانب المقيمون اسئلة عن تفاصيل حياتهم اليومية سوى سؤال تلك المتعلقة بالطقس الحار. يخلد الجميع الى قيلولة مطولة، وما بعد الساعة التاسعة ليلاً تدب الحياة من جديد في المدينة. لا شك في أن مراكز التسوق المنتشرة هنا وهناك في المدينة، تشكل فرصاً حقيقية للتعارف ما بين الشبيبة، ولكن طابع المحافظة السائد وأعين الآباء والأمهات المتيقظة والخوف من حديث الناس، لا تسمح إلا بإلقاء نظرة إعجاب او بتبادل ارقام النقال كحد اقصى. تسعى العائلات الى الهروب من حرارة الطقس ودرجات الرطوبة العالية نحو الحدائق العامة او الأندية. وفي وسط المدينة اقيمت حديقة "العاصمة" الفسيحة. ألغيت رسوم الدخول التقليدية ولا موانع. تقدم قليلاً في الحديقة، حيث يخيم جو حميمي على الجلسة وتلتصق الأجساد الغضة وتتفاعل في الحوار من الهمس الى البوح. عفواً ليست هذه بحديقة شبيهة بحديقة الحب في بعض العواصم المغاربية او الغربية، ولكنها فضاءات اخترقتها إرادة الشبيبة الباحثة عن عالم حميمي يعبق بالنرجسية ويعشق التواصل الذي لا تقطعه سوى صفارة حارس الحديقة المدوية معلنة موعد الإقفال. جنسيات مختلطة اجمل ما في ابو ظبي، انها لم تقمع المقيمين الأجانب في الحفاظ على عاداتهم وثقافاتهم. مساء الجمعة يمكنك اكتشاف الأجيال الجديدة الهندية التي ولدت وترعرعت هنا مجتمعة بلباسها التقليدي على طاولة البيتزا هات. مجموعات من الشبان والشابات الصينيين يتجاذبون الحديث والأغاني في احد المطاعم الصينية. رسوم الدخول الى الأندية تبدو مرتفعة ولا تقل عن 50 درهماً، إلا ان غالبية الشباب من الجنسيات العربية وخصوصاً المصرية واللبنانية منها تجد في الاشتراكات السنوية التي يدفعها آباؤهم في مؤسسات القطاعين العام والخاص جسراً حقيقياً للتعارف في اجواء تجمع بين الموسيقى والأطعمة المختلفة على شاطئ البحر الجميل. يعود تأسيس جمعية بيوت الشباب في الإمارات الى بداية الثمانينات من القرن الماضي، وعلى رغم ان تصميمها يجعلها ترتقي الى مصاف فنادق الأربعة نجوم وانتشارها الجغرافي من بر دبي الى خورفكان، إلا ان عدد اعضائها لم يتجاوز بعد ال15 ألف عضو ما بين مواطنين ومقيمين. ولكن ذلك لم يمنع هذه البيوت - الفنادق من ان تستقبل عام 2001 اكثر من 22 ألف ضيف من شباب كل العالم، ولدت بينهم قصص جميلة وأخرى عابرة حملتها نسائم الصيف وأمواج البحر الكاسرة. يقال أن المستثمر في الإمارات، لا يقطع إجازته الصيفية ويعود الى الوطن إلا لحدث طارئ ويوم توزيع عائدات اسهمه في شركة الاتصالات، فهذه المؤسسة الحكومية تشهد طفرة متنامية وتوسعاً لافتاً . ففي بداية عام 1999 كان عدد المشتركين في خدمة "ج اس ام" لا يتجاوز ال23 ألفاً، ليصبح اليوم 5،2 مليون مشترك. ستعرف اياماً جميلة لو فتحت محلاً لبيع اجهزة الهاتف الخلوي. وتعد الإمارات من اكثر بلدان المنطقة ارتباطاً بشبكة الإنترنت قياساً الى عدد السكان. هناك مجتمع جديد ينمو ويتفاعل عبر ثنايا الشبكة وتعرف المواقع الشخصية والمنتديات الإلكترونية نمواً هائلاً. هناك جدل داخلي في اخلاقيات الفتاة المشاركة في بعض المنتديات. ويشعر البعض بخوف من تداعيات تقنيات الحداثة على اخلاقيات الشبيبة، وخصوصاً الرسائل النصية القصيرة وكاميرات النقال والحواسيب... هنا عالم جديد للقاء والتعارف بلا حدود... ولا ضوابط، ولكن الجميع يدرك ان بعد الطفرة لا بد من ان يعود الابن ويحن الى الجذور...