هل وصل الجسد الرياضي الى الحدود القصوى من قدراته؟ هل وصلت الارقام القياسية الى حدها "القياسي" الأخير؟ هل نشهد اولمبياداً ما، ربما في المستقبل القريب، لا يتحقق فيه اي رقم اولمبي جديد، فيقتصر شأنه على التنافس بين رياضيين متفوقين للحصول على ميداليات الذهب؟ هل يدخل الاولمبياد الأثيني التاريخ الطبي باعتباره اول اولمبياد تتكرس فيه "ظاهرة هبوط الاداء غير المُفسر" unexplained underperformance syndrome او UPS، باعتباره الوجه الآخر لإشكالية وصول الأجساد الرياضية الى حدودها القصوى؟ تدور مثل هذه الاسئلة، وما يشبهها، في اوساط الطب الرياضي، منذ فترة ليست بالقصيرة. ويرى بعضهم ان ثمة خيطاً يربط بين تلك الاسئلة وامور مثل انتشار ظاهرة تعاطي المنشطات، بل ودخولها مرحلة الهرمونات، وخصوصاً هرمون النمو، فيما التلاعب الجيني المخيف يلوح في أفق الرياضة. ماذا تعني الارقام؟ في دورة الألعاب الأولمبية في مكسيكو، تمكّن الاميركي بوب بيمون من تحقيق انجاز تاريخي خارق. ففي مسابقة الوثب الطويل، طار بيمون في الهواء الصفيق لمسافة 90،8 متر، فحقق رقماً بدا خرافياً، وظل صامداً لمدة 23 عاماً. ماذا يعني ان يبقى رقم ما صامداً لمدة ربع قرن من الزمان تقريباً؟ كم يمكن ان يقفز الانسان في الحد الاقصى؟ هل في امكان رياضي ما ان يقفز عشرين متراً؟ ثلاثين متراً؟ هل يمكن الوصول الى حد مئة متر مثلاً؟ في دورة اتلانتا، انتزع رباع روسي الذهبية لوزن ما فوق الثقيل برفع ما يزيد على ربع طن. ما هو الحد الاقصى لقدرة عضلات البشر على رفع الاثقال؟ نصف طن؟ طن؟ يعتبر سباق المئة متر جرياً، قلب العاب القوى، واحد اشد رياضاتها اختباراً لقدرات الانسان. وراهناً، يركض العدّاؤون هذه المسافة بأقل من عشر ثوان. مجدداً، ما هو الرقم القياسي الممكن في هذا المجال؟ هل سيخترق الانسان حاجز الصوت عدواً، على سبيل المثال؟ في الركض، تنقبض العضلات ثم تسترخي. وهنالك فترة من الانقباض لا تستجيب فيها العضلات لأي محرض خارجي، أي انها تمثل الحد الاقصى لقدرة العضلات على الاستجابة لأوامر الإنسان في الركض. وايضاً، لا بد لها من زمن للاسترخاء قبل الركض مجدداً. ثمة سرعة محددة تتم فيها عمليات حرق السكر، وتحويله الى طاقة، لا يمكن تجاوزها ايضاً. كيف يمكن حل هذه المعضلة، او بالأحرى، هل هي قابلة للحل؟ يعرف كثير من العلماء، أن رياضيي القرن الحادي والعشرين باتوا قريبين جداً من الحدود القصوى لقدرات جسد الجنس الانساني عموماً. فالحال ان التدريب المستمر، المستند الى علوم الطب، ينتج راهناً أجيالاً من الرياضيين، تتمتع اجسادها بطاقات تقف على الحدود القصوى للكائن الانساني. ويصرح عالم الرياضة جون هاولي، الذي يعمل في جامعة "ريمت" الاسترالية بالقول: "يمثل الرياضي الاولمبي وحشاً حقيقياً، اذا ما قورن بغيره من الرياضيين، وليس فقط اذا ما قورن ببقية البشر"! ويستخدم اختصاصيو التدريب وسائل متطورة لقياس اداء العضلات، والتآزر بين الجهاز العضلي- الحركي، والجهاز العصبي - النفسي في الانسان. ويستعمل الاطباء طرقاً لا حصر لها، ربما أشهرها التدريب في المرتفعات، لرفع الأداء "الطبيعي" للرياضي، اي من دون استخدام المنشطات او غيرها. ويتدخل الطب النفسي المتخصص في الرياضة لدعم الاداء. ومع ذلك، فهناك حدود للانسان! ونعيش راهناً مرحلة استخدام هرمون النمو كمنشط. ماذا بعد الهرمونات، التي تعتبر من اقوى المواد البيولوجية التي يمكن ان يستخدمها الانسان؟ "ظاهرة هبوط الأداء غير المُفسر" في الصورة الأسطورية للأشياء، يتخيل بعضهم مرحلة استخدام الجينات لإنتاج ابطال الاولمبياد. مثلاً، يُعتبر الفهد الأبيض "الشيتا" اسرع الحيوانات جرياً على الارض. وتصل سرعته الى مئتي كيلومتر في الساعة. ماذا لو استخرجت "جينات الركض" من الفهد الابيض وزرعت في بويضة انسان؟ هل سيولد الانسان الخرافي الهجين، كما "سنتور" الميثيولوجيا اليونانية، وهو مزيج من حصان مجنح وانسان؟ لنعد الى اثينا. بعد نيلها ذهبية السباحة لمئتي متر حرة، صرحت الرومانية كاميليا بوتيك بأنها تنوي الإعتزال! وفي نفس مشابه، تحدثت لاعبة الجودو البريطانية كيت هوي عن رغبتها بترك الرياضة، بعد خسارتها في الدور الثاني من منافسات الجودو تحت سبعين كيلوغراماً. وسبق لها الفوز بفضية في دورة سيدني وبرونزية في اولمبياد برشلونة. هل انهما تعانيان من "ظاهرة هبوط الاداء غير المُفسر"؟ يرى اختصاصيو الطب الرياضي في هذه الظاهرة، اي حين يعاند الجسد كل محاولات دفعه الى اعطاء المزيد، أدلة على ان اجسام الرياضيين باتت على الحدود القصوى للقدرات البيولوجية، بل وحتى النفسية، للإنسان، بحيث ان بعضها يتراجع، وكأنه يدافع عن نفسه. ويرى كريغ وايت، الاختصاصي من "الجمعية البريطانية للرياضة" في مانشستر، انه اذا نظرنا الى "ظاهرة هبوط الاداء غير المُفسر"، من وجهة تطورية، لبدت شبيهة بنداء تحد من الجسد الانساني بأنه يوجد حد للجنس البشري وقدراته في الرياضة. هل بتنا فعلاً عند هذا الحد؟ ربما.