التداعيات المترتبة على المعارك الدائرة في مدينة النجف بين "جيش المهدي" بقيادة مقتدى الصدر وبين قوى التحالف والشرطة العراقية كانت حاضرة أمس بكل أبعادها في الاجتماع الطارئ للمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في لبنان بهيئتيه الشرعية والتنفيذية برئاسة نائب رئيس المجلس الشيخ عبدالأمير قبلان، وكادت تفجر خلافاً على المرجعية الشيعية في النجف بين رجال دين ونواب من حركة "أمل"، وبين نائب "حزب الله" علي عمار، لو لم يبادر رئيس الكتلة النيابية التي ينتمي اليها الأخير، النائب محمد رعد الى استيعاب الاحتقان بدعوته الى الاتفاق على العناوين المشتركة التي طرحها الشيخ قبلان وتتمحور حول كيفية حماية العتبات المقدسة وانهاء الاحتلال الأميركي لها. وعلمت "الحياة" ان الاختلاف حول المرجعية في النجف بدأ بطريقة غير مباشرة بعدما تحدث عضو الشورى في "حزب الله" الوكيل الشرعي العام للسيد علي خامنئي في لبنان الشيخ محمد يزبك، عن أهمية النجف بالنسبة الى الشيعة في العالم وضرورة الدفاع عن العتبات المقدسة وحمايتها، معتبراً ان المرجعيات الشيعية مسؤولة عنها، ومتمنياً "ان يعود مرجعنا الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني حفظه الله من لندن، للعب دور قوي في حماية النجف والمقدسات". وتبعه النائب عمار غامزاً من قناة السيستاني، بقوله "ان المرجعية يجب ان تبقى بين أهلها وأن تناضل الى جانب العراقيين في النجف ضد الاحتلال"، منتقداً المبادرة التي أطلقها السيد حسين الصدر، واصفاً إياها بأنها "غطاء للاحتلال وتتناغم مع الحكومة العراقية الموقتة"، ولافتاً الى "ظاهرة اسمها السيد مقتدى الصدر تذكّرنا بظاهرة اسمها حركة "أمل"، في انطلاقتها الأولى قبل ان تتحول الى حركة موجودة في الشارع اللبناني". وقاطع نائب "أمل" علي خريس زميله في البرلمان عمار، مؤكداً "عدم السماح بمثل هذا الكلام عن المرجعية الشيعية في النجف". وتبعه النائب في "أمل" الوزير علي حسن خليل الذي أيد ما قاله خريس، مضيفاً ان السيستاني "هو وحده الذي يقدّر الوضع ويعود له ان يرشدنا الى كيفية التصرف في هذا الظرف الدقيق"، منتقداً "حملات التشكيك بالمرجعية التي تسوّق حالياً في لبنان"، ومشدداً على وجوب "التسليم بدور المرجعية عندما نتحدث عنها ويعود لها التقدير في كل شيء من خلفية دينية، ونحن لنا ثقة بادارتها لأن التشكيك يضعف الموقف الشيعي ولا يقويه ويخدم من يروج للحملات ضد السيستاني". وتدخل رئيس المحاكم الجعفرية في لبنان الشيخ حسن عواد، مشدداً على "ان المرجعية كانت وستبقى فوق كل الشبهات، والنجف هي المرجعية الأولى للشيعة في لبنان والعالم، ويعود لها تقدير الظروف، وهي وحدها التي تقول لنا ماذا نعمل ولا اظن انها تخطئ، وفي حال اخطأت لا سمح الله وهذا غير صحيح فإن خطأها ليس متعمداً، والتشكيك بالمرجعية امر مرفوض ولا نسمح باستمرار الحملات ضدها كما هو حاصل في بعض احياء الضاحية الجنوبية من بيروت، ونحن من جهتنا نتواصل معها، وترشدنا باستمرار الى ما يجب القيام به". إلا أن النائب رعد تقدم بمداخلة اعتبر بعضهم انه اراد من خلالها القفز فوق ما صدر عن زميله عمار، داعياً "الى ضرورة الاتفاق على القواسم المشتركة وان لا نستحضر اموراً يمكن ان تضعف موقفنا بدلاً من ان نتفق على العناوين الكبرى التي طرحها الشيخ قبلان في مستهل اللقاء". وأكد ان "لا جدوى من الحديث عن أمور يمكن ان تفسح في المجال أمام خلاف نحن في غنى عنه، وخصوصاً ان الغاية من الاجتماع معروفة". وصدر عن المجتمعين بيان أعربوا فيه عن خشيتهم من "ان ترتكب المجازر بحق شعبنا وأمتنا في العراق اذا لم تصل المبادرات المطروحة الى صيغة حل تجنب سفك الدماء والتعرض لمقام أمير المؤمنين ومدينته المقدسة"، مطالبين العراقيين "ببذل كل الجهود لحقن الدماء ومنع الاحتلال من تدمير النجف وبث فتنة في العراق وعليهم ان يقفوا بالمرصاد ضد كل معتد يريد النيل من حرمة النجف وانتهاكها". وأكد المجتمعون "ضرورة المحافظة على المرجعية ونهجها التاريخي الحكيم، الذي كان ولا يزال صمام الأمان والضمانة الرئيسة لما هو خير لهذه الأمة وشعوبها". وأفاد المجتمعون بأن "هذه المرجعية الأمينة على الأمة تبذل ما بوسعها في سبيل تذليل الأزمات والصعوبات العاصفة بالأمة العربية والاسلامية وتاريخها الحافل يؤكد طابع المواجهة الفاعلة في وضع وتوظيف كل الامكانات والقدرات في الموقع الدفاعي المناسب، ولا بد من وقفة مسؤولة في مواجهة ما تتعرض له هذه المرجعية من محاصرة ومزايدة في المواقف التي يراد منها النيل من نقائها وموقفها الحكيم ونهجها السليم. ونتوجه بالدعاء بالشفاء العاجل لآية الله العظمى السيد علي السيستاني". وطالب المجتمعون العراقيين "بحفظ بلدهم وإخوانهم وعليهم التعاون مع المرجعية الدينية العاقلة والحكيمة التي تضع الأمور في نصابها، فالمرجعية ضمانة للعراق وشاطئ الأمان لأمتنا وأهلنا في العراق وخارجه ونحذر من الغزو الثقافي الذي يشكل خطراً اكبر من الاحتلال العسكري للعراق". اجتماع اليوم الى ذلك، يعقد اليوم في صور لقاء شيعي موسع هو الأول من نوعه دعا اليه مفتي صور السيد علي الأمين ويفترض ان يشارك فيه رئيس المجلس النيابي نبيه بري والعلامة السيد محمد حسين فضل الله، وقيادات من "حزب الله" اضافة الى نواب ووزراء حاليين وسابقين. ويغيب عن الاجتماع الشيخ قبلان، ولم تذكر اسباب هذا الغياب. غير ان قبلان اطلق اشارة في هذا الشأن في مستهل اجتماع المجلس أمس، عندما قال ان "المجلس هو الحاضنة لكل القوى الشيعية من سياسية ودينية، وهو البيت الذي تبحث فيه هموم الطائفة التي هي جزء من هموم الوطن ككل". واعتبر كلامه بمثابة "اعتذار" عن عدم تلبية الدعوة الى صور. وعلمت "الحياة" من مصادر شيعية انه لن يكون للقاء اليوم أي طابع سياسي، وان الدعوة اليه جاءت لمناسبة اقامة مأدبة غداء تكريماً للعلامة فضل الله. وأكدت المصادر ان الاختلاف بين قبلان وفضل الله، كان وراء عزوف الأول عن حضور اللقاء، خصوصاً ان لا صلة للأخير بالمجلس الشيعي. ولفتت الى عدم تحميل اللقاء اي طابع سياسي طالما ان أبرز الرموز الشيعية تشارك فيه، مشيرة الى ان التحرك من أجله بدأ منذ اكثر من شهرين، وان موعده تحدد قبل اندلاع المعارك في مدينة النجف "لكن هذا لا يمنع التطرق الى الوضع المتدهور فيها على قاعدة التأكيد على وحدة الموقف الشيعي".