بات من شبه المؤكد أن تطرح شركة محرك البحث"غوغل"أسهمها للتداول، صباح اليوم الأربعاء، معلنةً بداية تحولها من كيان خاص تنحصر ملكيته، علاوة على أسرار وضعيه المالي والتنافسي، في المؤسّسين وحفنة من مؤسسات الاستثمار الخاص المحلية، إلى شركة ذات ملكية عامة. تُعتبر عملية الاكتتاب المنتظرة في"غوغل"، التي يأمل القائمون عليها أن تصل حصيلتها إلى زهاء ثلاثة بلايين دولار، الأكبر من نوعها. وستكشف كيف سيتعامل المستثمرون، باستثناء الاستثمار الدولي الخاص الذي حُرم من المشاركة، مع شركة انترنت في فترة ما بعد انفجار فقاعة التكنولوجيا. لكن غالبية المحلّلين التي تعتقد ان الانترنت انتقلت، وبفضل الفقاعة المشار إليها، من مرحلة رومانسية لا تعترف بدور المقاييس التقليدية في تحديد المؤهلات الاستثمارية لشركاتها، وفي مقدمها معيار نسبة الربح لسعر السهم، إلى مرحلة أكثر واقعية يمكن أن تسمح باسقاط بعض هذه المقاييس وليس كلها، استبعدت احتمال تحمس المستثمرين لتملك أسهم"غوغل""بأي سعر". وتساءلت عن الحكمة في التوقيت الذي اختارته الشركة لطرح أسهمها، بينما أسواق المال الأميركية، خصوصاً أسهم التكنولوجيا، تمر بمرحلة مثيرة من التخبط، عزا اقتصاديون أسبابها الرئيسية الى اداء الاقتصاد الأميركي وأسعار النفط. وأشارت مؤسسة"ستاندرد اند بورز"إلى ان أسواق المال العالمية شهدت أياماً صعبة في تموز يوليو الماضي، حيث خسرت الجزء الأعظم من مكاسب ضخمة حقّقتها منذ مطلع السنة الجارية وحتى نهاية حزيران يونيو، وبلغ مقدارها 4.14 في المئة، أو ما يعادل نحو تريليون دولار من قيمتها السوقية الإجمالية. ثلاث أسواق عربية وتضمّن مؤشر"ستاندرد اند بورز - سيتي غروب للأسهم العالمية"العشرات من الاستثناءات، بينها ثلاث أسواق عربية حقّقت مكاسب كبيرة نسبياً هي مصر والأردن والمغرب. إلا ان أسواق المال الأميركية التي تنفرد بنحو 50 في المئة من القيمة السوقية للأسواق العالمية ساهمت في تضخيم حجم المكاسب الضائعة. وحقّقت أسواق المال الأميركية مكاسب قوية في اليوم الأول لأسبوع التداول الحالي. إلا ان هذه المكاسب التي وصفها محلّلون ب"الهشة"، لم تعوّض سوى جزء صغير من الخسائر الضخمة التي لحقت بها منذ مطلع الفصل الجاري تموز، وبلغ مقدارها حسب مؤشر"ستاندرد اند بورز 500"، نحو 5.5 في المئة، أي 550 بليون دولار من قيمتها السوقية. وفيما رفع مؤشر"داو جونز"الصناعي خسائره في الفترة نفسها إلى 5.8 في المئة، انخفض مؤشر"ناسداك"الذي سيستضيف أسهم"غوغل"ضمن تشكيلته من أسهم شركات التكنولوجيا والاتصالات، بنسبة 12 في المئة. فنزويلا وعزا المحلّلون مكاسب أول من أمس إلى فشل المعارضة الفنزويلية في استفتاء الأحد الماضي في كسب تأييد شعبي كاف لوضع نهاية مبكرة لفترة حكم الرئيس هوغو شافيز، وانحسار مخاطر حدوث انقطاع في امدادات النفط الفنزويلي التي توفر للسوق الأميركية 12.4 في المئة من وارداتها. لكن فنزويلا ليست في رأي المراقبين سوى واحد فقط في مجموعة من العوامل التي تقف وراء ارتفاع أسعار النفط، ما أثار الشكوك في قدرة حي المال على الاحتفاظ بمكاسبه الجديدة، إن لم يكن تعزيزها، سيما في حال لم تحدث تطورات ذات أهمية في أسواق النفط في الأيام والأسابيع المقبلة. ولاحظ كبير مستشاري الاستثمار في دار الوساطة العالمية"ميريل لينش"، بوب دول، ان عامل النفط، الذي استقرت أسعار صفقاته الآجلة الخام الأميركي الخفيف عند 46.05 دولار للبرميل، منخفضة 58 سنتاً بتأثير العامل الفنزويلي، أصبح أحد هموم المستثمرين بسبب تأثيره في النشاط الاقتصادي، ولكونه مؤشراً محتملاً للمخاطر الجيوسياسية والغموض المحيط بنتيجة الانتخابات الرئاسية. لكنه شدّد في تعليقه الأسبوعي، أول من أمس، على أن انخفاض أسعار الأسهم في الأسابيع القليلة الماضية عكس اقتناع المستثمرين بتباطؤ الاقتصاد الأميركي. ولفت الفريق الاقتصادي لمؤسسة"طومسون فاينانشال"في هذا المجال إلى حال"التشاؤم"التي تسيطر على حي المال، منذ صدور بيانات مخيبة للآمال عن وضع سوق العمل في شهر تموز. وخرج قطاع شركات تقنيات المعلومات بأكبر الخسائر التي لحقت بأسواق المال الأميركية في الشهر الماضي والنصف الأول من الشهر الجاري، حيث ان مؤشره الفرعي الذي يشكّل أحد العناصر الرئيسية في مؤشر"ستاندرد آند بورز 500"ويضم 80 من كبريات شركات الكومبيوتر والبرامج والانترنت، انخفض بنسبة 14.5 في المئة، أو ما يعادل 235 بليون دولار من قيمته السوقية. وطاولت الخسائر كل القطاعات باستثناء شركات الطاقة التي ارتفع مؤشرها بنسبة 12 في المئة، وفي درجة أقل شركات خدمات الاتصالات وشركات الخدمات العامة. تأجيل طرح الأسهم ؟ ولم يستبعد محلّلون احتمال أن تلعب أسواق المال المضطربة دوراً ما في اقناع"غوغل"بتأجيل طرح أسهمها. لكن الشركة لم تعط أي مؤشر في هذا الاتجاه، بل أصدرت بياناً على موقعها على الانترنت، أول من أمس، أعلنت فيه انها تقدّمت بطلب إلى لجنة الأوراق المالية بإنفاذ بيان التسجيل المتعلق بعملية الاكتتاب اعتباراً من الساعة الرابعة من مساء أمس الثلثاء بتوقيت نيويورك. وذكرت ان ضامني وكلاء الاكتتاب سيكونون على استعداد لتلقي عروض الشراء في غضون ساعة من بدء سريان مفعول التسجيل، ملمحةً إلى احتمال طرح أسهمها للتداول صباح اليوم. وأعلنت"غوغل"كذلك انها والمؤسسات الاستثمارية الخاصة المشاركة في ملكيتها ستطرح 25.7 مليون سهم من أسهمها العمومية التي يصل عددها الإجمالي إلى أكثر من 271 مليون سهم. وأشارت إلى انها تتوقع أن يراوح سعر السهم الواحد بين 108 و135 دولاراً. وانطلاقاً من هذه الأرقام، ستراوح حصيلة عملية الاكتتاب بين 2.8 و3.4 بليون دولار، وستحصل"غوغل"الشركة ذات الملكية العامة على قيمة سوقية إجمالية يراوح حجمها بين 29 و37 بليون دولار، أي قاب قوسين أو أدنى من القيمة السوقية للمنافس الرئيسي في مجال محركات البحث، شركة"ياهو". وأوضحت"غوغل"ان السعر النهائي لأسهمها سيتحدّد بنتيجة"المزاد الهولندي"الذي أطلقته الأسبوع الماضي وحصرت المشاركة فيه بمشاركين مسجّلين. وتشكّل آلية المزاد التي لا تزال قيد التجربة، خروجاً على تقاليد حي المال، حيث درجت العادة على أن يتم طرح أسهم الشركات الجديدة عبر واحد أو أكثر من ضامني الاكتتاب الذين يحدّدون الأسعار ويختارون الجهات التي ستنتفع بالأسهم، وإن كانت هذه الآلية تضمن للشركة التي تطبّقها الحصول على أعلى سعر ممكن لأسهمها، علاوة على توفير قسم لا بأس به من أتعاب الوكلاء وعمولاتهم. لكن احتمال الحصول على أعلى سعر ممكن أصبح موضع جدل حاد ومثير بين المحلّلين، خصوصاً بعدما اعترفت"غوغل"بضخامة المنافسة التي تواجهها بشكل يومي في مجال تخصّصها ليس من جانب عمالقة مثل"مايكروسوفت"، التي أعلنت نيتها تطوير تقنية جديدة للبحث عن المعلومات في الانترنت ودمجها في نظام التشغيل"ويندوز"الأكثر استخداماً في العالم، وكذلك محرك البحث"ياهو"منافستها الرئيسية في الوقت الراهن، وحسب، بل من جانب المئات من محركات البحث التي تتيح خدماتها لمتصفحي الانترنت. وفي بيان من شأنه أن يُثير الرعب في صدور المستثمرين، خصوصاً في مرحلة الاضطراب الراهنة التي تعيشها أسواق المال، قالت"غوغل"، التي تنحصر مبيعاتها في رسوم الاعلان، محذّرةً:"إذا حدث أن نجحت مايكروسوفت أو ياهو بتقديم نتائج بحث مماثلة أو أفضل بالمقارنة مع نتائجنا أو نجح أي منهما بتطوير موقعه بما يجعل امكان الوصول إلى خدمات البحث التي يوفرها أسهل مما هي عليه في موقعنا، فإننا يمكن أن نواجه انخفاضاً حاداً في حركة الوصول إلى موقعنا، ما سيؤثّر سلباً في مبيعاتنا".