للمرة الثانية في الأسابيع الأخيرة من عام 2001 نجحت مؤشرات أسواق المال الأميركية في تخطي حواجز ذات دلالات "نفسية". لكن على رغم احتفاظها بالمكاسب التي حققتها في فترة وجيزة نسبيا بعد انهيارها تحت ضغط صدمة هجمات 11 أيلول سبتمبر، الا أن المستثمرين تحملوا خسائر فادحة للعام الثاني على التوالي، فيما ربط المحللون آمال العام الجديد بقدرة الاقتصاد الأميركي على الخروج من ركوده قريباً. وقد حققت الأسواق مفاجأة في 6 الشهر الجاري عندما تخطى مؤشر "داو جونز" لأسهم الشركات الصناعية الكبرى حاجز 10.000 نقطة، فيما تجاوز مؤشر أسهم التكنولوجيا "ناسداك" حاجز 2.000 نقطة وارتفع مؤشر أكبر 500 شركة أميركية "ستاندرد آند بورز 500" الى 1167 نقطة، وتمثلت المحصلة في ان هذه المؤشرات الرئيسية عوضت كل الخسائر التي لحقت بها بفعل صدمة الهجمات، وارتفعت بنسبة العشرين في المئة التي تشكل في عرف الأسواق نقطة تحول من مسار هابط الى مسار صاعد. ولا يمكن التقليل من أهمية المكاسب المحققة سيما ان الهجمات جاءت بينما المؤشرات في تراجع مستمر منذ أشهر عدة. وفي غضون الاسبوع الأول من اعادة فتح الأسواق سجل "داو جونز" أكبر خسارة له في تاريخه، منخفضا 1370 نقطة 14 في المئة ليستقر عند 8236 نقطة، كما أن "ناسداك" الذي انزلق تحت 2000 نقطة في 8 آب أغسطس الماضي، لحقت به خسائر اضافية بمقدار 272 نقطة 16 في المئة لينخفض الى 1423 نقطة، فيما فقد "ستاندرد اند بورز" 128 نقطة 11.6 في المئة الى 965 نقطة. وبالنسبة لغير المحظوظين من المستثمرين حملة أسهم الشركات الأميركية حصراً، ستعتبر الهجمات وتداعياتها بمثابة كارثة، حيث ان خسائر مؤشر "ناسداك" بلغت في شهر أيلول فقط 438 بليون دولار. كما بلغت خسائر مؤشر "بورصة نيويورك" NYSE الذي يمثل أسهم 2800 شركة أميركية و80 في المئة من شركات مؤشر "ستاندرد اند بورز" 760 بليون دولار، علاوة على خسائر ملموسة لحقت بحملة أسهم الشركات المدرجة في البورصة الأميركية AMEX. وساهم شهر أيلول، حسب الاتحاد الدولي لأسواق المال، في رفع قيمة الخسائر التي لحقت بمؤشر "ناسداك" منذ مطلع السنة الجارية الى 1.7 تريليون دولار وخسائر مؤشر بورصة نيويورك الى 1.3 تريليون دولار، فيما بلغت خسائر البورصة الأميركية 53 بليون دولار. الا أن كارثة حملة الأسهم "غير المحظوظين" لم تنته عند هذا الحد، لا سيما بالنسبة لمؤشر "ناسداك" الذي خسر العام الماضي وكنتيجة مباشرة لانفجار "فقاعة التكنولوجيا" 31.2 في المئة من قيمته السوقية، أي زهاء 1.6 بليون دولار. وقد يجد حملة الأسهم الأميركية بعض العزاء في ان اسواقهم التي استأثرت بنحو 42 في المئة 375 بليون دولار من اجمالي الاستثمارات العالمية في الأسهم العام الماضي، صدّرت أزمتها الى عدد كبير من الأسواق الرئيسية، حيث بلغت خسائر بورصة لندن في عام 2000 نحو 378 بليون دولار، وقدرت خسائرها منذ مطلع السنة الجارية وحتى نهاية الشهر الماضي بنحو 339 بليون دولار. كما خسرت البورصة الألمانية في الفترتين المذكورتين 162 و135 بليون دولار على التوالي. لكن المكاسب التي حققتها أسواق المال الأميركية منذ 21 أيلول خفضت خسائر مؤشر "ناسداك" للسنة الجارية الى 1.068 تريليون دولار، ما يعادل 23 في المئة من قيمته السوقية التي استقرت في نهاية تشرين الثاني نوفمبر عند 2.762 تريليون دولار. وقلصت خسائر مؤشر بورصة نيويورك الى 600 بليون دولار، ما يعادل 2.3 في المئة من قيمته السوقية التي استقرت هي الأخرى عند 10.880 تريليون دولار، كذلك تراجعت خسائر البورصة الأميركية الى 30 بليون دولار 29 في المئة. وتراجعت كل المؤشرات الرئيسية عن الحواجز النفسية التي تجاوزتها في 6 كانون الأول الجاري بفعل الديناميات التقليدية للسوق، الا أنها احتفظت بزخمها الى أن اخترقت الحواجز نفسها ثانية في 19 الشهر المذكور فقط كي تتراجع عنها قليلا في اليوم التالي الذي شهد تعرض آمال المستثمرين للاحباط بسبب تضاؤل فرص توصل الكونغرس الى اتفاق قبل بداية الأعياد في شأن 75 بليون دولار من الحوافز التي اقترحها البيت الأبيض لمساعدة الاقتصاد على الخروج من ركوده الراهن. ويؤكد المحللون أهمية محفظة الحوافز كواحد من العوامل التي حمست المستثمرين في أسواق المال الأميركية وساهمت في تحقيق المؤشرات الرئيسية مكاسبها القوية في الأسابيع القليلة الماضية ومن ضمنها الخفوضات ال 11 التي أجراها مجلس الاحتياط الفيديرالي المصرف المركزي الأميركي على سعر الفائدة الرئيسي، ويفترض أن تعمل على دعم أسعار الأسهم، علاوة على انخفاض أسعار النفط وتوقع حدوث نهاية سريعة لمشكلة الكساد التي يعانيها قطاع الصناعات التحويلية وتعاظم الآمال بانتعاش الاقتصاد قريباً. ويجد المستثمرون المتحمسون بعض الدعم لآمالهم في العام الجديد من مؤسسات بحوث السوق المتخصصة مثل "فيرست كول" التي تشير توقعاتها الى أن ربحية الشركات الأميركية الكبرى، احدى الديناميات المهمة التي تتحكم بمسار أسعار الأسهم، ستحقق نموا بنسبة 15.5 في المئة السنة المقبلة بعدما تراجعت السنة الجارية بنسبة 15.9 في المئة، كاشفة أسوأ أداء لها نذ بدأ الاقتصاد الأميركي عام 1991 أطول فترة ازدهار في تاريخه الحديث. الا أن محللين عديدين يعتقدون أن آمال المستثمرين المتحمسين قد لات كون في محلها ويتوقعون ألا تكون السنة الجديدة أفضل من سابقتيها، مشيرين على وجه الخصوص الى استمرار نزعة الافراط في تقويم أسهم الشركات الكبيرة مثل شركات مؤشر "ستاندرد اند بورز" التي تتداول أسهمها في الوقت الراهن بأسعار تزيد بمقدار 31 ضعفا عن ربحيتها في السنة الجارية، ما يبرر توقع أن يكون أداء المؤشر المذكور ضعيفاً السنة المقبلة. وحذر كبير المحللين في دار الوساطة العالمية "ميريل لينش" في تقرير عن السنة الجديدة نشر على موقعها الاسبوع الماضي، من حمى المضاربة التي قال انها عادت في الفترة الأخيرة لتسيطر على أسواق المال وأدت الى رفع أسعار الأسهم المنخفضة الجودة على حساب الأسهم العالية الجودة. وأنحى باللائمة في ذلك على المستثمرين الذين يتجاهلون المبادئ الأساسية لعملية الاستثمار بدافع من رغبتهم في أن يكونوا أول المستفيدين من انتعاش الاقتصاد الأميركي. لكن أبرز ما ميز أداء أسواق المال الأميركية عام 2001 انه أخذ المحللين على حين غرة، وجاءت الخسائر الفادحة متناقضة بشكل صارخ مع الغالبية العظمى من التوقعات التي غلب عليها التفاؤل المفرط بعد سنة لم تسلم هي الأخرى من الخسائر الفادحة. ومع ذلك يشير اجماع المحللين الى أن أداء السنة الجديدة سيتوقف على الاجابة على سؤالين رئيسيين: هل بلغت المؤشرات القاع في 21 أيلول عندما انخفضت الى أدنى مستوياتها في ثلاثة أعوام، ومتى سيبدأ الاقتصاد انتعاشه المقبل؟