أفسحت "هدنة" في النجف بعد ثمانية أيام من المعارك الطاحنة بين "جيش المهدي" التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر وبين القوات الأميركية، المجال لمفاوضات أجراها وزراء في حكومة اياد علاوي ومستشار الأمن القومي العراقي موفق الربيعي مع ممثلين للصدر، لايجاد حل، بعد ارتفاع حصيلة القتلى والجرحى. وفي حين أكدت القوات الأميركية وقف عملياتها في النجف ضد عناصر "جيش المهدي" المحاصرين في مرقد الإمام علي بن ابي طالب، تضاربت المعلومات حول جرح الصدر بشظايا، ثم أعلِن عن عشرة شروط طرحها لايجاد حل سلمي، أبرزها سحب القوات الأميركية وميليشياه من المدينة، على أن تتولى المرجعية الشيعية إدارتها، وكذلك حماية النجف القديمة. راجع ص2 و3 و4 ويُفهم من صيغة الشروط العشرة قبول الصدر ضمناً نزع الأسلحة الثقيلة من أيدي أنصاره وقبولهم العمل السياسي. وتعهدت الحكومة العراقية عدم المس بالزعيم الشيعي إذا غادر مرقد الإمام علي، في حين كشف ممثل للمرجع الشيعي آية الله علي السيستاني الذي خضع أمس لعملية قسطرة في القلب في مستشفى في بريطانيا، أن شخصية كلّفها التوسط لانهاء أزمة النجف، تعرضت لإطلاق نار. في غضون ذلك، تعهد وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد مواصلة العمليات العسكرية ضد المسلحين في النجف، وقال بعد لقائه زعماء أوكرانيين في منتجع بارتينت على البحر الأسود: "العمليات منسقة بين قوات التحالف والقيادة العراقية وفقاً لتسلسل القيادة... حررنا 25 مليون عراقي بإطاحة النظام السابق يسيرون باتجاه نظام حر وديموقراطي، وسنوقف من يحاول استخدام العنف لمنع ذلك". وقبل ساعات من افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في أثينا أمس، كسرت واشنطن للمرة الأولى تقليداً يتعلق بالهدنة التي تطبق عادة خلال الدورة، مؤكدة أن عملياتها العسكرية في العراق لن تراعي هذه الهدنة، ومشددة على أنها لا تخرق "مبادئ الأولمبياد بسبب ما يحدث في هذا البلد". وكالعادة، تزامنت المهمة الجديدة للأمم المتحدة التي باشرها أمس المبعوث الخاص للأمين العام أشرف جهنجير قاظي، مع التأزم في الوضع الأمني، علماً أنه سيحضر المؤتمر الوطني المتوقع افتتاحه في بغداد غداً. وأعلن الناطق باسم حكومة اياد علاوي في وقت سابق، ان اتفاقاً لوقف المعارك في النجف بات وشيكاً، وكشف عن وجود وزراء في المدينة يبذلون جهوداً في هذا المجال. وترددت أنباء عن وصول وزير الدفاع حازم الشعلان إلى المدينة للقاء ممثلين عن الصدر الذي نفت وزارة الدفاع العراقية اصابته، في حين أكد الشيخ أكرم الكعبي أحد المقربين إلى الزعيم الشيعي أن "جروحه طفيفة". جاء ذلك بعد نفي وزير الداخلية فلاح النقيب، اصابة الصدر، وتأكيده أن الأخير يتفاوض مع الحكومة لمغادرة مرقد الإمام علي بن ابي طالب في النجف. وأبلغ النقيب وكالة "رويترز" ان الصدر "لن يُمس إذا غادر المرقد بسلام"، مشيراً إلى هدنة طبقت منذ ليل الخميس. وشدد على أن الحكومة "ستتعقب العناصر الاجرامية التي اخترقت حركة الصدر، وليس الصدر نفسه". النقاط العشر وفي بيان تلاه أمس الناطق باسم الصدر، الشيخ علي سميسم، حدد الزعيم الشيعي عشرة شروط لوقف النار في النجف، على النحو الآتي: - "سحب قوات الاحتلال والشرطة والجيش" من المدينة. - أن تكون النجف القديمة محمية من المرجعية، إلا في حال رفضت المرجعية. - إعادة كل الخدمات إلى النجف وتشكيل هيئة تشرف على المدينة. - إعلان جيش المهدي تياراً عقائدياً، ونعلن عدم حمله السلاح الشخصي إلا في حال الدفاع عن النفس، كالحمايات الشخصية والعامة. - سحب قوات جيش المهدي من المدينة، بعد أن تتسلمها المرجعية، إلا إذا رفضت ببيان رسمي. - الافراج عن المقاومين وعلماء الدين والسجناء. - عدم ملاحقة المقاومين الشرفاء، من التيار الصدري أو غيره. - ان تكون لهذا التيار حرية العمل السياسي. - خضوع كل التيار الصدري للدستور الشرعي للحكومة المنتخبة الحرة النزيهة. - تضافر كل الجهود الخيّرة لبناء عراق حر، مستقل موحد. في الوقت ذاته قال الرئيس السابق لمجلس الحكم المنحل، محمد بحر العلوم، إن الأميركيين حوّلوا النجف إلى مدينة أشباح، وتساءل عن سبب إصرارهم على افتعال أزمة فيما "كان ممكناً التوصل إلى حل سلمي مع الصدر". وزاد ان ملايين من المعتدلين الذين رحبوا بالغزو الأميركي قبل سنة، باتوا يعتبرون واشنطن عدواً. وشدد على أن السيستاني لا يعلم وهو في لندن، كل تفاصيل الدمار والقتل في النجف، منتقداً غياب الحكمة في ما يفعله الأميركيون وعلاوي. ودعا عضو "هيئة علماء المسلمين" إمام مسجد أم القرى في بغداد الشيخ عبدالغفور السامرائي، إلى التبرع بأغذية وأدوية لأهالي النجف، معتبراً أن "قوات الاحتلال اتبعت هناك السياسة الشارونية، سياسة الأرض المحروقة والإبادة الجماعية". وبعد صلاة الجمعة تظاهر مئات منددين برئيس الحكومة الانتقالية اياد علاوي، ورددوا: "يا علاوي يا جبان، يا عميل الأميركان". تزامن ذلك مع معاودة الطائرات الحربية الأميركية قصف مدينة الفلوجة. وفيما كانت بغداد تشهد تظاهرات أخرى حاشدة تأييداً للصدر، أكد الشيخ عبدالمهدي الكربلائي، ممثل السيستاني، أن المرجع الشيعي يبذل جهوداً لتطويق أزمة النجف. وقال الكربلائي في خطبة صلاة الجمعة في ضريح الإمام الحسين وسط كربلاء: "المعلومات الواردة الينا من المشفى في لندن تفيد أن سماحة السيد علي السيستاني، ورغم اعتلال صحته، يبذل جهوداً شخصية لتطويق هذه الأزمة، ووقف نزيف الدم". وأشار إلى أن المرجع الشيعي يجري "اتصالات واسعة لعقد لقاء مباشر مع السيد مقتدى الصدر، وكلف شخصية سياسية مرموقة للتوصل إلى حل". وزاد ان "هذه الشخصية وصلت أمس أول من أمس إلى مدينة النجف، وتعرضت لإطلاق نار كثيف، لذلك لم تتمكن من لقاء الصدر مباشرة وغادرت النجف وعادت إلى كربلاء حيث التقيتها وسنحاول اليوم أمس تحقيق اللقاء". ونفى ممثل السيستاني التقارير التي تحدثت عن توقيت مغادرة المرجع الشيعي البلد لتتزامن مع الأحداث في مدينة النجف، وقال: "بعض الشخصيات ذات النيات المشبوهة تطلق تكهنات حول مغادرة السيد السيستاني إلى لندن، وهذه تكهنات باطلة، هدفها ايجاد شرخ بين الجماهير والمرجعية الحكيمة". وذكر الكربلائي ان "هذه الرحلة إلى لندن أعد لها قبل أسبوعين، بعدما شُخصت حال السيستاني أنه يحتاج إلى فحوص طبية خارج العراق". ودعا إلى مساعدة أهالي مدينة النجف النازحين إلى كربلاء، بسبب احتدام المعارك، مؤكداً أن عددهم كبير. وبعدما حض ناطق باسم زعيم "جيش المهدي" في بغداد، آلافاً من الشيعة على تنظيم مسيرة إلى النجف، شهدت خمس مدن عراقية احتجاجات على القتال في النجف، هتف خلالها المتظاهرون مطالبين باستقالة علاوي. وفي بلدة الديوانية اقتحم مواطنون مكاتب "حركة الوفاق" التي يتزعمها رئيس الحكومة، كما احرق عناصر من "جيش المهدي" مكاتب للحركة في العمارة، وقصفوا أحدها بقذائف. في طهران، تظاهر آلاف احتجاجاً على "الفظاعات الأميركية" في النجف، ورددوا: "سندافع عن ضريح الإمام"، وفي بيروت حذر السيد محمد حسين فضل الله من "ثورة إسلامية عربية" إذا اجتاحت القوات الأميركية الأماكن الدينية في النجف، ولو بموافقة حكومة علاوي، ودعا إلى حل سلمي، في حين أعربت جبهة العمل الإسلامي في الأردن عن "اعتزازها" بمقتدى الصدر، معتبرة اياه "قائداً مجاهداً" يتصدى ل"الآلة العسكرية الأميركية الاجرامية". كما شهدت المنامة مسيرة ضمت آلافاً، نددوا بالهجوم الأميركي.