لا تخفي زيادة الاتهامات لسورية وايران بالتدخل في العراق ودعم الاعمال المسلحة المناهضة للاحتلال، ان الولاياتالمتحدة ترغب بإبقاء أقصى أشكال الضغط على البلدين. وكما الحال في الملفات النووية واسلحة الدمار الشامل وحقوق الانسان والديموقراطية، تطالب الادارة الاميركية طهرانودمشق ان تثبتا براءتهما بدل ان تقدم الدليل على الاتهام. في مقابل ذلك، لا توفر سورية وايران مناسبة لتأكيد الرغبة باقامة حوار مع الولاياتالمتحدة، شرط التكافؤ والأخذ في الاعتبار للمصالح المشروعة لجانبيه. ولعل الوجود الاميركي في العراق، وما نتج عنه من تغيير في البنية السياسية الداخلية، من العناصر التي ينبغي ان تدخل في هذا الحوار. وربما هنا يكمن التعارض الاساسي بين واشنطن وكل من طهرانودمشق. اذ ان المطالبة برحيل الاحتلال، من دون ارساء معادلة مغايرة عن تلك التي اوجدها، تتساوى مع المطالبات المماثلة الصادرة عن دول بعيدة عن العراق. الضرر من الاحتلال الاميركي للعراق، وتركيب سلطة جديدة فيه غير متحمسة للنظر في مصالح جيرانها وحاجاتهم، الداخلية والاقليمية، تتشارك سورية وايران في تلقيه. وباستثناء تركيا التي تهتم كثيرا بالملف الكردي، يبدو ان الدول الاخرى في الجوار العراقي لا تملك النظرة ذاتها الى طبيعة هذا الضرر. وقد يغري مثل هذه الواقع الجاران الشرقي والغربي للعراق بتركيب تحالف يعيد الى الاذهان ذلك الذي قلب يوماً المعادلة في لبنان إثر الغزو الاسرائيلي واحتلال بيروت. في مطلع الثمانينات، تمكنت سورية، بدعم مباشر من ايران، ان تمتص المواجهة الكبيرة مع اسرائيل المدعومة دعماً كاملاً من ادارة الرئيس السابق رونالد ريغن ووزير خارجيته الكسندر هيغ. واتاح هذا الدعم لوزير الدفاع الاسرائيلي آنذاك ارييل شارون ان يضرب القوات السورية في لبنان ويخرجها من بيروت. كما أتاح له، وبرعاية مباشرة ووثيقة للموفد الاميركي فيليب حبيب، وصول بشير الجميل، الخصم السوري الرقم واحد في لبنان، الى الرئاسة، مع ما استتبع ذلك من مناخ عام كاد ان ينهي ما تعتبره دمشق مصالحها الحيوية في هذه البلد، خصوصا لجهة حقها في الاعتراض على النفوذ الاسرائيلي الذي لم يكن يشك احد في تمدده الكبير على حسابها. لكن هذه المعادلة التي رأت فيها دمشق ضربة كبيرة، لم تستمر كثيرا، لان دمشق عمدت الى سياسة النفس الطويل واعادة تجميع الاوراق، واحدة تلوى الاخرى. فلم تهمل ايا من العناصر، السياسية والميدانية والتحالفية. فلم تنقض سنوات قليلة حتى عادت القوات السورية الى بيروت، مدعومة بتحالف داخلي واسع، وحتى بات وجود الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب تحت ضربات المقاومة التي راحت شيئاً فشيئاً تلتصق بالتحالف السوري - الايراني. والسؤال هو عن مدى امكان الاستفادة من العوامل العراقية من اجل اعادة تركيب تحالف مماثل يقف في وجه الاحتلال الاميركي ونفوذه، وذلك استنادا الى ما يمكن ان توفره البيئة العراقية من عناصر تدعم هذا التوجه؟ اذا كان مشروعا مثل هذا التساؤل، يمكن الاستنتاج ان دمشقوطهران غير معنيتين برد الضربات التي تتلقاها قوات الاحتلال في العراق او حتى السلطة العراقية الموقتة، مع تشديدهما على الانخراط في المعركة العامة ضد الارهاب. كما يمكن الاستنتاج ان كلا من دمشقوطهران لن يهمل علاقاته مع الاطراف العراقية التي احتضنها طويلا في ظل الحكم السابق، ولن يرفض توظيف هذه العلاقة للتأثير على الخيارات الاقليمية لبغداد. لكن ثمة تبدلا جوهريا بين المعادلة اللبنانية السابقة والعراقية الحالية. اذ ان في الاولى تحول التعارض السوري - الاميركي تحالفا مع غزو الكويت، مما سهل مهمة دمشق في لبنان. في حين ان الهجومية السياسية الاميركية الحالية، في المنطقة والعالم، مرشحة لمزيد من التصعيد.