ازدهرت في العراق عموماً، وفي بغداد خصوصاً، منذ اطاحة النظام، مهنة تجارة المخدرات والحشيش و"الكبسلة" كبسولات المخدرات وتجارة الرقيق الابيض، إلى جانب تفشي ظاهرة السلب والنهب والسطو المسلح في رابعة النهار، وانتشرت هذه الظاهرة في أهم مناطق بغداد وأشهرها، كونها المركز المدني والتجاري والاقتصادي للعاصمة بل وللعراق كله. ويذكر العراقيون، ان اكثر المناطق أمناً في كل ساعات الليل والنهار هي هذه المناطق التي تعاني الآن انفلاتاً امنياً لا مثيل له. فما ان تعلن دقات الساعة في بغداد الرابعة عصراً حتى تلتقط شوارع الخلفاء والرشيد والسعدون والكفاح والشيخ عمر ومنطقتا باب المعظم وباب الشرقي وحي البتاوين والاحياء المحصورة بين الرشيد والخلفاء، نماذج واشكالاً وحكايات كانت إلى ما قبل 9 نيسان ابريل ضرباً من ضروب المستحيل ان لم نقل المحال، بحسب قول الحاج عبدالحميد خضر النوري، صاحب محالات السعدون لبيع السلع الكهربائية. ويضيف النوري: "كانت هذه المنطقة شارع السعدون وساحة الباب الشرقي من اشهر مناطق بغداد، واكثرها ازدهاراً، فإلى جانب كونها مركزاً تجارياً، فهي مركز سياحي تجد فيه المتعة البريئة اينما طلبتها وفي أي وقت. الآن الأمر مختلف، فالموبقات وجدت فيها ملجأ. وفرضت العصابات المجال واسعاً لارتكاب ابشع واسوأ الجرائم". ويقول آخر، رافضاً ذكر اسمه، لانه يخاف عواقب ذلك، ان "حملة وزارة الداخلية الاخيرة، لم تنجز سوى 50 في المئة من موضوع محاربة الفساد والمفسدين، فما زال المجرمون المحترفون يعبثون بالأمن. يقتلون وينهبون من دون رادع ومن دون رقيب". ومنذ الساعة الرابعة عصراً كل شيء في هذه المنطقة معرض للسرقة والخطف والقتل. كل ذلك، والمدينة في صمت الموتى، عالم بدا غريباً، حاولنا اختراقه مع ساعات الغروب... والتمثال البديل للشخصية الوطنية المرموقة محسن السعدون بعدما سرق تمثاله الاصلي، من زجاج نصبه عدد من المواطنين. دخلنا الازقة والاسواق القريبة وتفاصيل الحياة. وكان واضحاً ان سلطة الدولة استعادت بعض هيبتها، ومع ذلك الباعة يفترشون اسواق البتاوين وأزقتها وشارع السعدون. ولكن عليك ان تحافظ على جيبك وانت تسير بين المارة. فالاسواق كما قال أحد الباعة هي: "سوق الحرامية". مجيد علي نائب ضابط في الجيش المنحل يعمل في اصلاح أجهزة التلفزيون والفيديو ويقول انه حرم من فرصة استمراره في الجيش بعدما تم حله. والراتب لا يكفيه، فامتهن هذه المهنة، بيد انه غير راض عن عمله، فهو يرى ان معظم الاجهزة التي تصل اليه للتصليح مسروقة. ويؤكد ان معظم العاملين في هذه السوق من حملة الشهادات الجامعية. وبين ضياع الامس وفوضى اليوم، ورمادية المستقبل تتفاقم مشاكلهم وتختلط الاوراق في عيونهم، يحملون حقائبهم التي تحوي بعض متطلبات السوق يتوجهون اليه ليعلنوا عن بعض الخيبة وهم يرون كل حين صوراً لا تمت الى بغداد وتاريخها بأدنى صلة. ونمضي في عالم المجهول. ويبدي زياد وليد، اشهر "القفاصين" القفاص كلمة تطلق على الشخص الذي يبيع سلعته بأكثر مما تستحق بوسيلة الخداع والكذب والغش أسفه لأننا جئنا في الوقت غير المناسب. ويضيف: "كان السوق مزدهراً، حيث كان "الاسطوات" والشقاوات يملؤنها حيوية ونشاطاً، ولكن مع الاسف، القي القبض عليهم". واستدرك: "لن يطول المقام بهم، سيخرجون وسيعاود السوق نشاطه"، ثم رمقنا بنظره أراد بها ان يسبر اغوارنا، ولكن لا يعني ذلك ان السوق خالية من "الاسطوات" و"الشقاوات"، نحن ب"الخدمة". واخذ يعدد ما لديه من بضائع من "كبسله" الى "طوز" الى "عصارات" الى "حشيشة" الى "افيون وترياك". واردف: "نحن لا نخاف من احد، فقط نخاف من الله، ونستغل الفرصة لشن هجوم مؤجل نحن لا نجبر أحداً على شراء أي شيء. واذا تركنا العمل هنا. فسيأتي غيرنا". لم نشأ الاستمرار معه في الحديث، بل حاولنا التملص منه الى غيره. فاستقبلنا ابو سلوان بالترحيب، بعد ان اوصاه بنا ابو وجدان الذي اشترينا منه كاميرا يابانية Djtl سعرها في الاسواق مئة دولار واشتريناها ب45 دولاراً وهو يقسم بكتاب الله انها ليست مسروقة. عرض علينا ابو سلوان كل ما لديه من بضائع وكلها كما يؤكد "فريش" طازجة صور مع افلام، مع سيديات وكاسيتات ومجلات "بلاي بوي" وصور بالاحجام الطبيعية وكتب جنسية... وعرض أيضاً أفلاماً اباحية لفنانات عراقيات وعربيات واجنبيات وجلسات مجون لفنانين وشعراء عرب وعراقيين. واكد ان لديه افلاماً لليالي "الدخلة" ليلة الزواج وافلام اغتصاب لفتيات صغيرات ومراهقات، بيد انه ابدى ضجره من كثرة عصابات السلب والنهب التي تمنع السوق من الاستمرار في عملها. وأكد لنا أحد الباعة المتجولين ان لا أحد يبقى في السوق بعد الساعة الرابعة مساءً. حيث تنتشر عصابات النهب والسلب والسرقات. مشيراً الى وجود دوريات للشرطة بيد انها غير مؤثرة. الا انه اعترف بتأثير "الكبسة" التي قامت بها وزارة الداخلية قبل أيام. وتمنى ان تتكرر وذكر ان القوات الاميركية دخلت هذه الاماكن مرات، واعتقلت عدداً كبيراً، بيد انها سرعان ما اطلقت سراحهم.