الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    البثور.. قد تكون قاتلة    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة يرحب باعتماد الجمعية العامة قرار سيادة الفلسطينيين على مواردهم الطبيعية    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    هيئتا "السوق المالية" و"العقار " توقعان مذكرة تفاهم لتنظيم المساهمات العقارية    الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يدعو الدول الأعضاء إلى نشر مفهوم الحلال الأخضر    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الخضر جنوب بيت لحم    «خدعة» العملاء!    جرائم بلا دماء !    الخرائط الذهنية    الرياض تستضيف النسخة الرابعة لمنتدى مبادرة السعودية الخضراء    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الحكم سلب فرحتنا    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    احتفال أسرتي الصباح والحجاب بزواج خالد    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    6 ساعات من المنافسات على حلبة كورنيش جدة    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    عاد هيرفي رينارد    لماذا فاز ترمب؟    علاقات حسن الجوار    الصين تتغلب على البحرين بهدف في الوقت القاتل    فريق الرؤية الواعية يحتفي باليوم العالمي للسكري بمبادرة توعوية لتعزيز الوعي الصحي    هاتفياً.. ولي العهد ورئيس فرنسا يستعرضان تطورات الأوضاع الإقليمية وجهود تحقيق الأمن    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    مركز صحي الحرجة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للسكري"    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    انعقاد المؤتمر الصحفي للجمعية العمومية للاتحاد الدولي للخماسي الحديث    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    198 موقعاً أثرياً جديداً في السجل الوطني للآثار    أفراح النوب والجش    استعادة التنوع الأحيائي    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عام على تدمير "المتحف الوطني العراقي" ونهب الآلاف من محتوياته . التنقيبات غير الشرعية تغطي مختلف المواقع الأثرية العراقية والمساعدات الدولية تقتصر حتى الآن على المتاحف وتأهيل الموظفين
نشر في الحياة يوم 12 - 04 - 2004

شهد العراقيون الدمار والتغيير والتقلبات على جميع الأصعدة خلال العام الماضي. وفي شهر نيسان أبريل 2003، انتشرت بانوراما من الصور المعبرة على شاشات التلفزة في جميع أقطار العالم حين شغل العراق تفكير الملايين. وأصبح بعض هذه الصور رموزاً لتغيير مسار التاريخ العراقي المعاصر، فبدأ العد التنازلي للحرب بخطاب الرئيس الأميركي جورج بوش الذي بثته القنوات الفضائية. كما تحول مشهد سقوط تمثال الرئيس العراقي السابق صدام حسين رمزاً لانهيار نظام استمر حكمه الحديدي ثلاثة عقود.
وربما كان أكثر هذه المشاهد تعبيراً صور نهب "المتحف الوطني العراقي" الذي ضم بصمات لتاريخ البشرية كلها. وطالت الفوضى وعمليات التخريب جميع نواحي الحياة في العراق العام الماضي، إلا ان انباء سلب المتحف وتحطيم ما لم ينهب من ثرواته هزت المجتمع الدولي. وربما زاد حجم هذه الكارثة أن المتحف كان رمزاً للانسانية وليس للسياسة، وهو يخص بلاد ما بين النهرين مهد الحضارات وليس ملكاً لنظام يقتصر تاريخه على بضع سنوات. وللوهلة الأولى، تصور المراقبون ان جميع محتويات المتحف سرق أو دمر، وهي أكثر من 200 ألف تحفة يعود تاريخ بعضها الى بداية تاريخ البشرية كما نعرفها اليوم. وأدت الصدمة آنذاك الى لفت انتباه العالم نحو ثروة العراق الحقيقية... الحضارة وآثارها الخالدة بدلاً من النفط والغاز والسلع الاستهلاكية.
حقيقة "نهب" المتحف
تضاربت الأخبار حول حقيقة وقائع نهب "المتحف الوطني" والدور الذي لعبه موظفو المتحف وقوات التحالف. وعلى رغم مرور عام على وقوع هذا الحادث، فإن الصورة لم تتضح بعد وربما تختفي الحقيقة مع أسرار أخرى كثيرة في العراق. ومن المعروف ان قوات التحالف لم تتدخل لحماية المتحف بحجة أنها ترفض ان تقوم بدور "الشرطة" للحفاظ على أمنه. ولذلك تعرض للسرقة يوم 12 نسيان ابريل 2003 أي بعد ثلاثة أيام فقط على سقوط النظام البعثي عندما اندلعت فوضى عارمة في البلاد. ودخلت مجموعات متفرقة الى المتحف الذي ظل من دون أي حراسة، لتأخذ آلاف القطع الأثرية في حين قام بعضهم بتهشيم وتحطيم القطع التي لم يستطيعوا نقلها من مكانها، كما كسروا خزائن العرض الزجاجية.
وأعلن مدير الأبحاث في متحف بغداد الدكتور دوني جورج آنذاك أن قطعاً نادرة سرقت ولن تعوض، وشارك في ندوة طارئة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو في لندن للحديث عن القطع النادرة المسروقة والخطوات المتخذة لاسترجاعها. وتناولت وسائل الاعلام العالمية أنباء عن سرقة 170 ألف قطعة أثرية من المتحف ليظهر لاحقاً ان العدد الحقيقي أقرب الى 14 ألف قطعة، بعدما تبين ان المسؤولين في المتحف حافظوا على أهم محتوياته وخزنوها في أماكن مختلفة قبل اندلاع الحرب.
والتقت "الحياة" مع خبير آثار عراقي يعمل الآن مع المسؤولين عن المتحف الوطني وعلمت أن من بين القطع التي كانت معروضة في المتحف لم يسرق إلا 40 قطعة لأن غالبية محتويات المتحف كانت مخزونة. ولكن سُرقت 14 ألف قطعة من خزائن المتحف منها 4800 ختم اسطواني وهي من "أهم الآثار العراقية على رغم صغر حجمها".
وأجرت مجموعة من المحققين الأميركيين تحقيقاً لمعرفة من كان وراء السرقة، لكن "كان من غير الممكن تحديد السارق". وحدد الخبير العراقي ثلاثة أنواع من "اللصوص": أولاً اللص الذي كان يبحث عن شيء معين وعلى الأرجح زار المعرض قبل الحرب وحدّد بعض القطع للسرقة لكنه فوجئ بعدم وجودها إذ أن معظم الآثار خُزن قبل اندلاع الحرب. والنوع الثاني هو اللص غير المحترف "حتى أن هؤلاء دخلوا صالات عرض تحتوي على قطع مزيفة وأخذوها كلها عن جهل". وعرف أحد اللصوص أو مجموعات اللصوص مكان خزن الأختام الاسطوانية وهذا يدفع الى تساؤلات عدة: "هل كان أحد الموظفين السابقين في المتحف متورطاً، أم كان يعلم بهذا المخبأ؟" لا أحد يعلم، وأصبح من غير المجزي محاولة معرفة هوية اللصوص بعد مرور سنة على السرقة، ومن المؤكد أن المسروقات وصلت إلى مجموعات مختلفة من تجار الآثار المسروقة.
أضرار المتحف
وعلى رغم مرور عام على نهب المتحف، فإن خسائر المتحف الحقيقية لم تعلن بعد. فمثل كل جوانب الحياة في العراق، من الضروري البدء من نقطة الصفر وذلك يستغرق وقتاً. ويعمل موظفو المتحف حالياً على مقارنة محتويات المتحف الحالية مع سجلاتهم قبل الحرب، وعليهم كذلك استرجاع القطع التي عثرت عليها سلطات أجنبية للتأكد منها.
ومن أهم القطع المسروقة تمثال لملك سومري، وتمثال عاجي اثري توقع الخبير عدم رجوعه بسبب أهميته وصغر حجمه، وتمثال "انتيمينا" الذي يعود الى 2430 عام قبل الميلاد. كما ان 4 آلاف من الأختام الاسطوانية سرقت ومن الصعب العثور عليها لأنها سهلة التهريب.
ودُمرت باحة المتحف وكسرت نوافذه وأبوابه. وحطم الدرج المرمري المؤدي الى مدخل المتحف اذ سُرقت تماثيل كبيرة من المتحف وأخرجها اللصوص بسحبها على الأرض ما أدى إلى تلف الدرج وعلى الأرجح الاضرار بالتماثيل. وقال الخبير العراقي ان "المتحف الوطني دمر ونهب مثل أي دائرة حكومية بحيث لم يبق فيه أي كرسي".
ووجهت انتقادات إلى بعض موظفي المتحف لعدم حماية جميع محتوياته وعدم تحديد ما سرق منه حتى الآن. لكن الحقيقة أنهم، في الوقت نفسه، بذلوا جهوداً كبيرة لخزن أغلبية الآثار، كما قاموا بالحفاظ على سجلاته كلها في مكان آمن مع المخطوطات الاسلامية. وقال الخبير انه من الضروري الاعتراف بدور الموظفين، "فعلى عكس بقية موظفي الدولة، عادوا الى المتحف بعد ثلاثة أيام فقط من تدهور الأمن في العراق، بينما خاف كثير من سكان العاصمة مجرد التجول فيها، واستطاعوا انقاذ مكتبة المتحف التي تحتوي على أهم الكتب والمنشورات في العراق".
حملة لاستعادة المسروقات
وتحدث خبير الآثار عن الطرق المختلفة لاستعادة المسروقات. فعلى رغم تهريب كثير من القطع إلى خارج العراق، خصوصاً مع انفلات الأمن، فإن عدداً منها ما زال داخل البلد. وتبيّن ان معظم الذين أخذوا قطعاً انما فعلوا ذلك بقصد الحفاظ عليها وليس لسرقتها، وأعادوها الى المتحف بعد أيام قليلة. وقال الخبير ان أحد المتطوعين الايطاليين ذهب الى الأسواق الشعبية في بغداد واستطاع شراء 800 قطعة أثرية، منها 600 ختم اسطواني، بأسعار رخيصة جداً ما يدل على جهل بائعها لقيمتها الحقيقية. وتوقع الخبير ان ما بين ألفين وثلاثة آلاف قطعة مسروقة أعيدت الى المتحف الآن ولكن لم يجر جرد كامل لمعرفة العدد الفعلي. وقال: "من حسن الحظ ان معظم القطع التي أعيدت كانت من دون اضرار، علماً ان كثيراً منها قطع حجرية مثل تمثال فتاة الوركاء الذي أعيد سالماً الى المتحف".
ولكن الخبير أشار الى المشاكل التي يواجهها الحريصون على الآثار في العراق في السيطرة على خروجها من البلاد. وقال ان عدم مراقبة الحدود العراقية جعل تجار الآثار يستغلون الفرصة لتهريب الآثار بكل بساطة. وأضاف: "ان العتب يقع على الدول المجاورة التي لم تمنع دخول هذه القطع الى أراضيها... باستثناء الأردن الذي بذل كل جهده لمساعدتنا، وبقي مسؤولو الآثار على اتصال دائم معنا". ووصل هذا التعاون الى حد العثور على أكثر من 700 قطعة أثرية عراقية في الأردن ستعاد الى المتحف قريباً. واطلع الخبير مع مجموعة من الخبراء العراقيين على صور بعض هذه القطع فتأكد أنها من ضمن المسروقات. وذكر ان مسؤولين سوريين بعثوا أخيراً لائحة ببعض الآثار العراقية التي وجدت في سورية ووعدوا بإعادتها قريباً. وقال ان دولاً عربية كثيرة لديها خبرة في الآثار ومع ذلك لم تقدم مساعدة فعالة "فالمسؤولون يتكلمون عن مجالات عدة يستطيعون المساعدة من خلالها ولكن حتى الآن لم يتحقق شيء".
ولفت الخبير العراقي، الذي يعمل بين العراق وأوروبا، الى ان منظمة "اليونسكو" تبذل جهوداً واسعة لجمع المعلومات عن المسروقات، وقد نظمت مؤتمرات عدة حول الآثار العراقية، كما قامت بعثة منها بزيارة تفقدية الى العراق في شهر آيار مايو الماضي. وهي تعمل على تجميع المعلومات عن المسروقات من "المتحف الوطني" وتدوينها في سجل علمي بالتعاون مع الشرطة الدولية "الانتربول". وأشاد الخبير بجنديين ايطاليين عملا لأشهر عدة في المتحف لجرد القطع التي سرقت والحصول على صور لها. وقال ان "الضجة التي ثارت حول الآثار العراقية ستجعل من الصعب بيعها ما ساعد في ارجاع بعضها، وبالتالي سيقل احتمال بيع ما بقي منها في الخارج".
الوضع الآن
يعمل المسؤولون عن المتحف حالياً على اعادة تأهيله لافتتاحه مجدداً. فبعد كسر أبوابه وخزائن العرض فيه، رُمم بعض أجزائه بتبرعات جمعتها هيئات أميركية وبعثتها عن طريق وزارة الخارجية الأميركية بحسب الخبير العراقي. وأعلنت سلطة التحالف عن مناقصة لاعمار المتحف كلياً وتأمين منافذه وآثاره. وقد انتهت فترة تقديم العروض يوم 9 الشهر الحالي، وستعلن قريباً تفاصيل المشروع والشركة التي فازت بالعقد.
وأكد الخبير العراقي ان "المتحف أمين نسبياً" في الوقت الحالي، تحرسه الشرطة العراقية بعد أن كانت وحدة حماية المتحف في طليعة الوحدات التي دربت. وحل رجال الأمن العراقيون محل الجنود الأميركيين منذ آب اغسطس الماضي.
ويعمل موظفو المتحف على ترتيب محتوياته استعداداً لافتتاحه في المستقبل القريب. ومن المقرر ان يفتتح لفترة قصيرة لعرض بعض تحفه للزوار العراقيين قبل ان تنتقل في جولة الى متاحف أميركية عدة. وتعطى الأولوية الحالية لجرد القطع الآثرية وادخال لائحة متكاملة على برامج كومبيوتر للحفاظ عليها. وسيرتبط المتحف بشبكة الانترنت عبر الأقمار الاصطناعية ليظل على اتصال دائم مع متاحف أخرى في أنحاء العالم.
وكان "المتحف الوطني" في بغداد الأكثر تعرضاً للضرر خلال الحرب، إلا ان متاحف أخرى مثل متحف الموصل ومتحف بعقوبة تضررت خلال الأيام الأولى بعد سقوط النظام العراقي السابق. وخصصت موازنة معينة لها، وبات كل فرع من سلطة الاحتلال يقوم بترميم المتحف الذي يقع تحت سيطرته. وأعيد ترميم متحفي كركوك والموصل إلا أنهما لا يعرضان أية آثار إذ خزنت محتوياتهما إلى أن تستقر الأوضاع الأمنية ويعاد فتح المتاحف للزوار.
المشكلة الحقيقية: السرقات المستمرة
يواجه العراق الآن مشكلة حقيقية تتمثل في سرقة ثرواته التاريخية بشكل مستمر عن طريق التنقيب غير الشرعي. وتزداد خطورة هذا النوع من السرقة لأن القطع المنهوبة لا يراها أحد غير اللصوص والتجار. وتتردد أنباء عن التنقيب غير الشرعي في مختلف المواقع الأثرية العراقية "وكلها غير أمينة" بحسب الخبير العراقي الذي قال ان مجموعات كبيرة من اللصوص يتجهون الى موقع معين ويعملون عليه في آن واحد: "أحيانا هناك 300 شخص يعملون على موقع واحد، وحتى عندما كنا ننقب شرعياً لم يكن يعمل معنا 300 عامل". وتوجد مواقع لم يتفقدها علماء الآثار بعد ما يعني ان اجزاء من تاريخ البشرية لم تعرف حتى اليوم، ومن الممكن ان تفقد حلقات وصل كاملة في هذا التاريخ قد لا تعوض بعد سرقتها لأغراض مادية بحتة. فاللصوص ينقبون في المناطق الأثرية بمختلف الوسائل ويخرجون القطع الأثرية ويبيعونها للمهربين بقيمة بسيطة تتضاعف كلما تداولها تاجر جديد. وكثيراً ما تتكسر القطع التي تخرج من المناطق الأثرية، ما يعني تهشّم قطعة من التاريخ لا يمكن تعويضها.
وركّز الخبير العراقي على نقطة رئيسية هي ان "هذه الظاهرة ليست جديدة، فقد بدأت منذ التسعينات حينما فقدت الحكومة المركزية سيطرتها على كثير من المناطق الجنوبية". وبعد العام 1996، بدأت الحكومة بإرسال بعثات تنقيب، إلا ان أعمال الحفر غير الشرعية استمرت حتى انفجرت وتكاثرت بشدة هذا العام. ولفت الى أن بعض رموز النظام السابق كان متورطاً بتهريب الآثار خارج العراق في السنوات السابقة، قائلاً: "كنا نعاني بعض الأحيان من استرجاع قطع هربت خارج البلاد وبيعت، فحين نطالب بها كان الرد ان شخصاً من الحكومة كُلف ببيعها ولذلك فالبيع يعتبر رسمياً".
وتوقع خبير الآثار ان "96 في المئة من الآثار العراقية لم يعثر عليها بعد". ولكنه أوضح ان الوضع الأمني المتدني في البلاد يمنع خبراء الآثار من العمل في مجال التنقيب الآن. كما ان حراسة المواقع أصبحت شبه مستحيلة بسبب الوضع الأمني العام ما لا يسمح بتأمين جنود للمواقع الأثرية. وتستغل "مؤسسة الآثار العراقية" الوقت الحالي للعمل على نشر معلومات حول التنقيبات العراقية الأخيرة التي لم تنشر سابقاً. كما تعمل على تجديد اصدار مجلة "سومر" المختصة بالآثار والتي كانت في الثمانينات من أهم المنشورات العربية الآثارية.
وتحدث الخبير عن مشروع لتسليم الشرطة العراقية حراسة المناطق الأثرية في الجنوب، وتزويد رجال الأمن بأسلحة ووسائل اتصال حديثة تربطهم بالشرطة المركزية. وقال انه من الضروري "رفع رواتبهم لمنعهم من التواطؤ مع المهربين للحصول على المال". وستبنى أبراج مراقبة للشرطة، وسيكون لهم الحق في القاء القبض على كل من ينقب عن الآثار بصورة غير شرعية. وتسلمت القوات الايطالية هذه المهمة، وأشاد الخبير بالتعاون الايطالي مع العراقيين في مجال الآثار "لأنهم يعانون أيضاً من سرقة الآثار في ايطاليا ويقدرون ما نمر به، كما ان لديهم الخبرة لمواجهة مهربي الآثار".
إلا انه من الصعب على شرطي أو شرطيين السيطرة على عصابات من اللصوص تقوى يوماً بعد آخر في ظل انفلات الوضع الأمني. فكلما تأمنت حراسة موقع آثري معين انتقلت العصابة الى مواقع أخرى لا حراسة فيها. ويبقى عامل الزمن ضرورياً لحماية الآثار العراقية. لكن مع تدهور الوضع العسكري والأمني، بات من الصعب اقناع قوات الاحتلال ورجال الأمن العراقيين بتأمين سلامة الآثار، خصوصاً وأنه أصبح من الصعب عليهم تأمين سلامتهم وسلامة المواطنين العراقيين في الأساس!
لندع الماضي ونبني المستقبل
لا شك في ان كارثة جسيمة وقعت على الآثار العراقية ومتاحفها، لكن هناك بعض معالم ايجابية تعطي مجالاً للتفاؤل. غير أن هذه الايجابيات تقتصر على المتاحف والآثار المحفوظة فيها، بينما تظل المواقع الخارجية معرضة للنهب والتخريب.
أما بالنسبة الى "المتحف الوطني العراقي"، فقد رتبت زمالات وزيارات لموظفي المتحف. وذهب وفد من 23 موظفاً، 10 من "المتحف الوطني" و13 من "مؤسسة الآثار العراقية"، الى الولايات المتحدة لستة أسابيع. وبعض هؤلاء لم يكن غادر العراق من قبل. وشرح الخبير العراقي أهمية التواصل مع العالم الخارجي واكتساب الخبرة المفيدة منه. وستنظم بعثات متعددة إلى فرنسا وألمانيا والأردن وغيرها في الأشهر القليلة المقبلة. وبالاضافة الى التعاون الرسمي بين الحكومات، تعمل جامعات عدة مع خبراء الآثار العراقيين، منها "ستوني بروك" في نيويورك و"هايدلبيرغ" في ألمانيا.
وتوجد رغبة لدى كثير من العلماء العراقيين في الخارج بالعمل في العراق إلا ان الوضع الأمني الحالي في وطنهم لا يشجع على عودتهم الآن. وقال خبير عراقي "لقد خرج الخبراء من العراق وثبتوا مواقعهم في بلدان جديدة ولذلك تصعب عليهم العودة". لكنه أضاف أن من الممكن الاستفادة من خبراتهم عن طريق استضافتهم لفترات قصيرة بهدف تدريب الموظفين المحليين.
وشدد الخبير على تغير مفهوم المتحف وفلسفته. وقال: "كان المتحف في السابق مكاناً للتعليم فقط ولكنه أصبح الآن مثل صالات العرض السينمائي، تعرض وتعلم وتسلي". ورأى انه من أجل توجه المتاحف العراقية الى هذا النوع من التغيير، على المسؤولين عنها استيعاب التغيير الجذري في مفهوم المتحف والغرض من انشائه. واضافة الى ذلك عليهم ان "يواكبوا القرن الحادي والعشرين وان يتعلموا ما فاتهم سابقاً".
وتوجد حركة واسعة النطاق من أجل الحفاظ على الآثار العراقية. وقام الايطاليون بتأثيث مختبر "المتحف الوطني" ويعمل خبيران ايطاليان في بغداد على ترميم بعض الآثار التي تعرضت للكسر أو الخدش، وفي الوقت نفسه يدربون موظفين في "مؤسسة الآثار العراقية" للعمل أيضاً على ترميم الآثار.
وقدمت اليابان زمالات وتبرعات للمتحف، واستضافت طوكيو دوني جورج بداية الشهر الحالي لالقاء محاضرة عن الآثار العراقية، وتعهد المسؤولون اليابانيون بالتعاون من أجل الحفاظ على الآثار.
وما زال "المتحف البريطاني" يتعاون مع "المتحف الوطني العراقي" ويتبادل معه المعلومات. وكان "المتحف البريطاني" أول من استضاف مؤتمراً عن الآثار العراقية وقدم زمالات للعراقيين.
وقال الخبير العراقي: "إن الذي جرى لا يمكننا تغييره لكن علينا التفكير بما يمكننا انقاذه". ولقد تجاوز الخبراء العراقيون الكارثة التي واجهوها بعد أن تضررت المتاحف والآثار لأسباب سياسية وعسكرية لا علاقة لهم بها. وهم يجدون نفسهم أمام فرصة لتطوير وضع الآثار العراقية خصوصاً أن أنظار العالم ما زالت مركّزة عليهم وبإمكانهم الاستفادة من تعاطف المجتمع الدولي مع المأساة التي حلت ببلدهم.
يذكر أن الدمار الذي أصاب الآثار العراقية لم يحصل في السنة الأخيرة فقط، وإنما هو نتاج سنوات من الاهمال والسرقات. ولذلك ستستغرق عملية إعادة أكبر عدد ممكن من المسروقات وتأهيل "مؤسسة الآثار العراقية" والمتاحف سنوات طويلة من العمل الجدي... لكن الواقع أن الخبراء العراقيين بدأوا بكتابة فصل جديد من تاريخ العراق العريق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.