يرى الغربيون في الإسلام دين صلابة وهوية دينامية، ويشاطرهم هذه الرؤية المسلمون المتشددون عندما يفاخرون بإعادة أسلمة المجتمعات والأفراد المسلمين. الا ان أوليفييه روا يشكك جذرياً في هذه النظرية، ويعتبر انه سواء أكان النقاش عن اشكال عنيفة أم معتدلة، فالغرب والعولمة والفردانية تقع حتماً في صلب اعادة الأسلمة. في مقدمة الكتاب يتحدث أوليفييه روا عن مسألة ولادة الديانة في الغرب، وموضوعة الإسلام والتحول الديني والتغريب في العنف، فيرى ان انتقال الإسلام الى الغرب لم يكن يهدف الى الغزو أو نشر الإسلام، وإنما كان بفعل نزوح طوعي للمسلمين، سعياً وراء العمل او بحثاً عن ظروف معيشية أفضل، لذا فإن ظاهرة الأقلية المسلمة ليست جديدة، لكنها اكتسبت أهمية كبيرة مع بروز ظاهرة الإسلام. من هنا نرى ان الاسئلة التي طرحها المؤلف في كتابه تدور حول ماهية الاسلام وكيفية اعادة بناء مجتمع ديني مثالي، أساسه حفظ القواعد الدينية، والالتزام الشخصي مع عدم اتباع تقاليد وثقافة بلد ما، او موقع جغرافي معين، ومطالبة دول عدة بالاعتراف بهوية المجموعة الاسلامية الى انها كيان قائم في حد ذاته، لأن ظاهرة الأسلمة التي انتشرت في الفترة الاخيرة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من عملية المثاقفة، وهي مرتبطة بارادة انشاء دين إسلامي عالمي يتخطى حدود الثقافات التي اثبتت فجأة انها ثقافات هشة. وفي اي حال يطالبنا الكاتب اذا ما أردنا فهم حقيقة الاسلام فعلينا ان ندع تفسير القرآن لفقهاء الدين، وننظر الى المسلمين والى ممارساتهم العملية. فمن البديهي ان يعزو المحاربون الاسلاميون اعمالهم الى استمرارية القرآن، الا ان الكاتب يصر على اننا لم نفهم العالم الاسلامي المعاصر الا بطريقة عرضية لأن الاسلام يترافق مع سلسلة من الانقطاعات والاستمراريات مع مجمل الأديان والمجتمعات المعاصرة، فدين مسلمي اليوم ليس بالعزلة الثقافية كما يتصوره البعض بل هو ظاهرة شاملة تخضع للعولمة وترافقها، لكن الجديد في اسلام الغرب هو التشديد على مفهوم القيم على حساب القانون. اذ يحاول المسلمون ان يحددوا ايمانهم من طريق خطاب عرقي، وليس من خلال احترام المعايير التي ارساها القانون. ويبقى الظن عند بعض المتثاقفين ان تغريب الاسلام يؤدي بالضرورة الى تحريره، والواقع ان التغريب برأي الكاتب لا يتماشى مع خطاب متطرف جديد فحسب، بل يمكنه ان يروج له، وان يتبنى في الوقت نفسه، نظرة غربية الى القيم. كما ان لا علاقة لتغريب الاسلام باعادة تقويم العقائد، اذ يلحق التغيير بالتدين لا بالدين. بعيداً من المساس بجوهر العقيدة. ثم يلحظ الكاتب مشكلة حقيقية يعاني منها الفكر الاسلامي وهي ظاهرة غياب المفكرين المسلمين المصلحين ونقص القراء من جهة، وأزمة السلطة والتشرذم التي تصبغ الاسلام اليوم، غير ملائمة لنشر نظرية دينية جديدة من جهة ثانية. لذا فإن الكاتب يرى ان انتقال الاسلام الى الغرب ولّد ظاهرة جديدة، وهي انفصال الدين الاسلامي عن الثقافة الاسلامية الحسية، مما اضطر الفاعليات الاسلامية الى اعادة صوغ دين بعيد من الانتماء الاجتماعي، واقتصرت هذه المحاولات على مبادرات فردية! الامر الذي أدى الى اعتبار المسلمين اليوم محوراً لمعظم الصراعات الدائرة في عصرنا هذا، بيد ان مقاربة اكثر دقة تظهر ان الاسلام لا يدخل بالاجمال في معادلة الصراعات القائمة. ما بين القومية والبرلمانية وتبسيط الحركات الاسلامية نشأت نزعة راديكالية جديدة، أعلنت الحرب على الغرب، والتي كان من نتيجتها تخلي الحركات الاسلامية الكلاسيكية عن سعيها الى العالمية، وعن ايديولوجيتها واضعة برنامجاً يهدف الى محاربة الفساد والى التحفظ والوطنية. ولم يعد الاسلاميون يركزون على الرسالة الاجتماعية والثورية، بل انصب جل تركيزهم على الشريعة. حيث باتوا لا يأبهون لموضوعة العدالة الاجتماعية ولكن الملاحظ ان هذه الحركة لم تتخل عن دورها الفاعل في هيكلة المسرح السياسي في بلدانها، وذلك من خلال تعبئة الشرائح الاجتماعية التي غيبت عن اللعبة السياسية، وتقديم ايديولوجيا بديلة، تحل محل الانتماءات العشائرية والحزبية، ويطرح المؤلف مثالاً على ذلك الثورة الاسلامية في ايران التي دعمت الحكومة من خلال تسييس الشعب واشراك عدد غير محدود من الجماهير في اللعبة السياسية. اذ ان اعتمادها سياسة تبسيط الاسلام ولد نتائج تتعارض والاسلاموية: مثل ظهور نزعة علمانية لا تهدف الى نقص الدين بقدر ما تشير الى أسلمة المجتمع التي قد تتم خارج النظام السياسي، وتتبع منطقاً خاصاً بها، يستحيل معه اتباع شمولية بالاسلمة على الصعيد الاجتماعي، ويرى الباحث ان الاسلمة الجديدة، تخفف من حدة المرجع الاسلامي، وتزيد من تنوعه على حساب تصورات اسلامية مركبة. وقد استقلت عن كل مشروع سياسي، وانتشرت في محيط يتناقض في جوهره مع المشروع الاسلامي. فلم تعد الدولة القومية هي علة وجود المجتمع، وإن كانت مفتاح الاستراتيجيا، فثمة منطقان مختلفان: أولهما، تعزيز الدولة - باشراك الاسلاميين في السياسة من جهة، وفصل المجتمع المتنوع عن الدولة من جهة اخرى. وفي الفصل الثاني يتحدث عن واقع الجالية الاسلامية في الغرب والتي ترتب عليها ان تتعلم العيش بصفتها اقلية. وهو ينفي مقولة ان الاسلام دين ودولة ولا يجوز فصل احكام القضاء عن القانون الديني، فلا يمكن للمسلم ان يعيش ايمانه الحقيقي الا في مجتمع اسلامي، او على الاقل، في مجتمع يحكمه المسلمون. لكن وجود الاسلام ذي الاقلية الديموغرافية، وغير المهيمن سياسياً ليس بالواقع الجديد. لكن الجديد هو ان ما بين العامين 1960-1970 شهدنا نزوحاً كثيفاً وارادياً للشعوب الاسلامية نحو دول غير اسلامية. واذا رصدنا كل الحالات البارزة فسنرى ان ثلث المسلمين في العالم يعيشون في دول يشكلون فيها أقلية. واستعرض الباحث مجموعة من الامثلة التاريخية عن النماذج التي اعتمدت لتصور الاسلام أقلية كدراسة ميكيل دي إبالزا عن ردود الفعل الخاصة بالمسلمين في اسبانيا. وكذلك الامر بالنسبة الى بعض الاسلاميين الاتراك. ويرى الكاتب ان استعمال النماذج التاريخية يتيح تصور استراتيجيات الدمج وشرعنتها او شرح لماذا الاسلام غير قابل للاستيعاب في الغرب، فهو لا يفسر تماماً التطور الفعلي لأشكال التدين عند مسلمي الغرب. وهذا بالتالي ينعكس على مسألة التثاقف والهوية التي لم تعد امراً مسلماً به، فهي تتجسد في فئات متغيرة عرقية او دينية، وهي في الغالب ليست سوى معلم كغيره من المعالم، ويطرح الكاتب مثالاً ان في حالة نشوب النزاعات غالباً ما يشار الى الطابع الديني للنزاع مع انه لا يفسره بالضرورة! ولكن المهم هو طريقة تحديد الاشخاص المعنيين، وبالتالي تحديدهم لأنفسهم في لعبة الهوية العرقية والهوية الدينية. ويصر الكاتب على مسألة العرقية العرقية الجديدة تحديداً لأنها بحسب رأيه هي تبني فئة ذات طابع عرقي، ويقصد بذلك، مجموعة تنتمي الى اصل وثقافة مشتركين، وهي قائمة قبل كل شيء على معايير جغرافية، لكنها لا ترادف انتقال ثقافة معينة الى الغرب، بل اعادة لتركيب مجموعة انطلاقاً من معالم مختارة، وفقاً لمنطق البلد المضيف الذي يفصل الدين عن بقية الأطر الرمزية. ويرى الأوروبيون فئة المسلمين كفئة عرقية جديدة لاسباب ثلاثة، اولها: ان كل شخص من أصول اسلامية يفترض ان يشارك في الحضارة الاسلامية، اياً كانت ثقافته الاصلية الفعلية اي ان الدين يعتبر مكوناً اساسياً لتلك الثقافات. ثانياً: تنسب هذه الثقافة الى الشخص اياً كان ايمانه، وهي غير مرتبطة بالتدين. ثالثاً: يكون مجموع تلك السمات هوية للمجموعة ويفرق إذاك المسلمين عن الآخرين والمقصود بالآخرين الفرنسيون الاصليون وليس المسيحيين المؤمنين. في الفصل الثالث ينتقل الباحث للحديث عن فردانية التدين فيرى ان موضوعة الفصل بين الدين والثقافة هو امر واقع، وليست اعادة التركيب العرقية الجديدة الا وسيلة مضللة لاقامة علاقة ضرورية بين الدين والثقافة من خلال تحديد مجتمع معاكس او ثقافة فرعية في بيئة عامة غير مسلمة. وهي مضللة لأن المجتمع الاكبر هو الذي يحدد ليس مكان الثقافة الفرعية وحسب، بل طبيعة ما يمكن ان نسميه "الجالية المسلمة" او "المجتمع الاسلامي". وتجربة الاقلية تؤدي حتماً الى اعتبار الاسلام تجربة دينية في نظر المؤمن. ولكن من دون ادراج هذه الشمولية في مجتمع قائم. وهذا في حد ذاته يعدل علاقة الانسان بالتدين السائد في بلده الأم، وذلك لثلاثة أسباب: انصهار الهوية والمجتمع العرقي الاصلي، وغياب السلطات الروحية الاسلامية الشرعية في البلد المضيف التي تحدد القواعد، واخيراً استحالة تطبيق الالزام القضائي والاجتماعي والمجتمعي والتقليدي الذي يضع الممارسة الدينية في مصاف الامور البديهية والتقليدية والاجتماعية، اذا على التدين ان يكون تعبيراً عن الخيار والايمان على حد سواء، وبالطبع، فإن الانتقال الى الغرب في حد ذاته ليس هو الذي يؤدي الى فردانية الممارسة الدينية: فطالما كان الخيار وإجبار الذات والروحية والباطنية عناصر اساسية في التدين الاسلامي. لكن الجديد في هذه الحالة هو وجوب تجدد الخيار باستمرار، وتقديمه والتصريح به في مجتمع عام لا يوجد فيه ما يشجع الاسلام السلبي والمجتمعي والتقليدي، ولا يمكن اعتبار القانون الديني معياراً خلقياً. اما عن إمكان الاسلام الانساني فيتحدث في الفصل الرابع منطلقاً من سؤال: كيف يمكن ان يكون المرء مسلماً صالحاً في صورة ملموسة في عالم غربي او متغرب؟ انه امر يتعلق بغائىة الخلاص والسعادة والاصرار على مواضيع الاخلاق والروحية من منظور النضج الشخصي والسعي الى الكمال والكرامة، فتوضع قيم الاستبطان في الواجهة، اي الصبر والامتحان ومقاومة التجارب، حيث تكون الممنوعات فرصاً للتطوير الروحي لأن عليها ان تعبر عن الايمان الخاص وليس عن التقليد الاجتماعي. وهناك اصرار على الانسان، وطبعاً، "انسان الواجبات لا انسان الحقوق" الذي يتمثل رهانه بالانجاز الذاتي في علاقته بالله لا بالاحترام الصارم لقوانين ترتكز على الحلال والحرام. وقد تكون اللغة المعتمدة في ذلك لغة فلسفية كلغة طارق رمضان في كتابه "الانسانية المسلمة" او متكلة على العبارات الفائضة الجياشة كما عند "كيشات" ويتعلق الرهان هنا برأي الباحث بالسعي الى اخلاق عملية وتحقيق الذات في الاسلام، وليس الى الاحترام البسيط، والصادق لأسس الاسلام بحسب رأي رمضان البوطي.