من البيرو إلى الولاياتالمتحدة الأميركية، فالخليج العربي وأستراليا والزمبابوي وغيرها من البلدان... مصيرهن واحد ومعاناتهن مشتركة وأسبابها متشابهة. لا يختلفن سوى في لغة وصفها والجزء القليل القليل من وسائل معالجتها أو ايجاد حل لها. إنهن نساء يعانين من العنف الجسدي والنفسي تجاههن لأنهن الحلقة الأضعف في المجتمع. قد يحميهن القانون ظاهراً لكنه يلقي عليهن اللوم ضمناً... ولن يقف إلى جانبهن حتماً حماية منه لأعراف إجتماعية رثّة، تفترض اليوم مواجهتها بالمجاهرة بال"لا" للعنف الذكوري من أساسه وبإقناع المرأة بعدم القبول به أيضاً. هي الحلقة الأضعف العنف تجاه المرأة فصل واسع من الحياة العصرية ينفتح على سلسلة من المآسي قد لا تكون لها اي نهاية. تتمثل في قصص مخيفة تتكرر أينما كان فين العالم، وتنبع من مجموعة من الأسباب الإجتماعية المتوافرة أينما كان. فالعنف كما عرّفت عنه الأممالمتحدة هو "الفعل القائم على سلوك عنيف ينجم عنه الإيذاء أو المعاناة أو الحرمان النفسي من الحرية في الحياة العامة أو الخاصة". وهو يأخذ أشكالاً متعددة ومتداخلة لا توجد أي حدود فاصلة بينها أو بين ما يسمى العنف الأسري أو المجتمعي لأن الإثنين يتمّان بالتحريض من بعضهما. والمرأة التي كانت منذ القدم الحلقة الأضعف في المجتمع، تستقطب تلقائياً أكبر نسبة من العنف خصوصاً أن الرجل كان تاريخياً يقوم بدور حماية الأسرة، مما خلق لديه الشعور بالأحقيّة لتقرير مصير المرأة معه مفترضاً سلفاً أنها ستكون خاضعة ومستسلمة لما يريده منها وتتقبل قساوته بطيبة خاطر. وهو بالالي نشأ على هذه الفكرة شاهداً على معاملة والده العنيفة لوالدته... فيكرر التصرف نفسه في ما بعد مندمجاً في ما يشكل مرضاً تربوياً إجتماعياً عاماً. لا يُغسل إلا بالدم أما أسوأ مظاهر العنف فهي ما تسمى "جرائم الشرف" التي تحميها غالبية القوانين بطريقة أو بأخرى والتي تعتبر أكثر انتشاراً في المجتمعات العربية حيث يجوز لأي فرد من العائلة أن يقتل أو يؤذي أو يهدد أي فتاة من العائلة نفسها بحجة حماية شرفها من العار. ويبدو أنها في تصاعد مستمر عالمياً وفق ما كشفت أسماء جاهانغير، مندوبة الأممالمتحدة للكشف عن جرائم القتل الخارجة على القانون. فأوردت في تقريرها السنوي للعام 2000 أن هذه الجرائم سُجِّلت في بنغلادش والبرازيل والإكوادور ومصر والهند وإسرائيل وإيطاليا والأردن والمغرب وباكستان والسويد وتركيا وأوغندا وبريطانيا. وقد أظهرت مصادر اليونيسف العام 1997 أن اليمن سجلت 40 جريمة قتل ضد فتيات ونساء "بسبب الشرف"، فيما كشفت دراسة أردنية نشرت العام 1998 أن القتل على خلفية الشرف يمثل 55 في المئة من نسبة جرائم العنف الموجه ضد المرأة. لاؤهن مجبولة بالعار والعنف هو الخبز اليومي لكثير من النساء ولا يخرج إلى العلن إلا لدى شموله شخصية معروفة أو "حادثة فريدة". وقد أكد المؤتمر الإقليمي الخاص ب"العنف ضد المرأة، ابعاده وعواقبه" الذي عقد في القاهرة العام الماضي ضامّا مندوبات من 15 بلداً عربياً، أن هذه الظاهرة منتشرة بقوة في العالم العربي. وقال باحثون أميركيون إن العبارات التي تستخدمها النساء لوصف العنف ومخاوفهن والأعذار التي يقدمها الرجال متشابهة بصورة مذهلة... مع العلم أن كل الدول التي أجريت فيها دراسات لا تزال تلقي اللوم على الضحية، خصوصاً أن وصمة العار تلحق بالنساء المجاهرات بالتعرض للعنف والمقاومات له لأن الإعتقاد مترسّخ بأنهنّ يتحملن المسؤولية عن العنف المرتكب ضدهن. وعلى رغم أن غالبية القوانين تحمي "إفتراضاً" النساء إلا أن أفراد السلطات يتصرفون على غير هذا الأساس، فلا يساعدون النساء المعنفّات بحجة عدم التدخل في الشؤون العائلية، كما يتغاضون عن إلقاء القبض على الجلاّد فيما الضحية غالباً ما تجهل حقوقها ووسائل إثبات العنف رسمياً تجاهها... ناهيك بأن بعض القوانين مجحفة بشكل جذري تجاه المرأة بحيث أن الجلاّد- المغتصب في البيرو مثلاً يفلت من العقاب متى يتزوج ضحيته القاصر. إعترضوا على إدانة العنف وعلى رغم أن المنظمات العالمية بدأت منذ التسعينات من القرن الماضي تعمل على توعية النساء على وضعهن وإيجاد حلول قانونية ورسمية له قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 444، لا يزال الوضع الدولي يتحرك كالسلحفاة فيما العنف يحصد في كل ثانية ملايين الضحايا. وقد لعبت الحركات النسائية العالمية دوراً مهمّاً للتعريف بمشاكل المرأة. فخصصت هيئة الأممالمتحدة سنة 1975 كسنة المرأة. وعقدت خمسة مؤتمرات دولية لهذه الغاية في كل من المكسيك 1975 وكوبنهاغن 1980 ونايروبي 1985 وبيجينغ 1995 و2000. أما في العالم العربي فنشطت الهيئات النسائية لتأمين حقوق المرأة قانوناً في عدد كبير من الدول الكويت، البحرين، الأردن.... واستحدثت دوراً لإيواء النساء المعنفات، وافتتحت موقع "أمان" الإلكتروني 2001 الذي بلغ عدد زواره اربعة ملايين، كما أرست مشاريع عربية مشتركة لحماية المرأة سلمى... وفي المقابل، بقيت الأعراف الإجتماعية سائدة بقوة وعرقل مندوبو إيران ومصر والسودان ودول أخرى توصّل اللجنة المعنيّة بوضع المرأة التابعة للأمم المتحدة إلى أي توصيات ملموسة، بعدما وقف مندوب إيران ويؤيده المندوبان الآخران، مسجّلين اعتراض حكوماتهم على الفقرة صفر التي تنص على "أن على الدول أن تدين العنف ضد المرأة وألا تتذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبارات دينية لتتنصّل من التزامها بالقضاء عليه". ... وإذا كانت الدول عاجزة عن مقاومة الأعراف الإجتماعية، فالحل قد يكون في ما قالته عضو المجلس الثقافي الإجتماعي الإيراني زهراء أملشي، زوجة أحمد المنتظري إبن المعارض الإيراني المعروف: "يلزم أن نقول للرجال المغرورين وضيقي الأفق: لا... ثم نفهم النساء اللواتي يعانين من الظلم، ألاّ يقبلن الظلم".