"هربت من العذاب في بيت أهلي، فوقعت في عذاب أكبر في بيت زوجي"، لم يكن العنف الذي تعرّضت له زينة في منزلها من والدها بل من والدتها أوّلاً، مما مهّد الطريق أمام شقيقها بمباركة والدتها. هذه الأخيرة التي ظلمتها التقاليد البطركيّة بدورها، فكانت ابنتها الحلقة الاضعف لممارسة عنفها عليها وتنفيس غضبها على مجتمع لا يفقه سوى استعراض عضلاته على المرأة. في مقابلة مع غيدا عناني، المساعدة الصحّية الاجتماعية في مركز الاستماع والارشاد التابع "للهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة"، قالت: "لا تتوافر إحصاءات رسمية عن حالات العنف ضد المرأة. لكنّ الدراسة التي أجراها صندوق الأممالمتحدة في لبنان عام 2002، أظهر أنّ 33،33 في المئة من نساء العينة موضوع الدراسة يتعرّضن للعنف". في مجتمع حيث الشرف ذو المفهوم المطّاط يلتصق التصاقاً حميماً بالمرأة، تعاني المعنّفة من العقبات في طلب المساعدة، فهل تخطّت عقدة الخوف وحواجز التقاليد؟ تقول عناني: "من خلال تجربتنا العمليّة، يمكن القول إنّ المرأة أصبحت أكثر معرفة بحقوقها وبوجود موارد اجتماعية تلجأ اليها للمساعدة". لكنّ الحواجز التي تقف في وجهها يغلب عليها العامل النفسي وهذا هو الأصعب، فهذا الطابع يتشكّل لديها من جملة قيم وموروثات اجتماعية منها، وفق عناني، "الخوف من الهجرة والعزلة ونبذ اسرتها ومجتمعها، التبعيّة الاقتصادية والنفسية للزوج واعتقادها أنّها لا تستطيع بناء حياتها والشعور بالولاء للمعتدي". أمّا الأسباب التي تؤسس للسلوك العنيف فتندرج ضمن العادات والتقاليد الموروثة التي تكرّس القوّة والعدوانية كعلامة من علامات الرجولة، إضافة إلى الإجحاف الحاصل في الأنظمة السياسية والقضائية منها مثلا المادّة 522 من قانون العقوبات اللبناني الذي ينصّ على زواج المغتصب من المغتصبة: "إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى هذه الجرائم الاغتصاب وبين المعتدى عليها أوقفت الملاحقة"، أو مثلاً المادة 562 التي تنص على أنه "يستفيد الرجل من العذر المخفّف إذا فاجأ زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في حالة الجماع غير المشروع فأقدم على قتل أحدهما من غير قصد". أضف إلى هذه القوانين الذكوريّة، أنّ المرأة تتكيّف معها بطريقة تصبح بديهيّة بالنسبة اليها، بل أنّها وفق عناني، "تلوم ذاتها وتشعر بالذنب لأنها تشعر أنّها استحقّت العنف أو العقاب وهي غالباً ما ترضخ للرجل". بعد أن تربّت على التضحية والشعور بالذنب لأنها "صبي ناقص"، باتت تسامح العدوانية والعنف مغلوبة بالشعور بالعجز والنقصان في غياب الرجل. هنا، لا يقتصر العنف على الأذى الجسدي بالطبع، فهناك المطلّقة التي ينظر إليها المجتمع نظرة "ريبة" والخارجة عن سرب القبيلة فيما العازبة تنتهي حياتها لانّ مجتمعها لا يعترف بوجودها إلا من خلال الأب والزوج لاحقاً، وهذا قمة العنف المعنوي والنفسي. ماذا عن وظيفة مركز الاستماع والارشاد التابع للهيئة اللبنانية؟ تقول عناني إنّه "يقدّم الارشادات الاجتماعية والنفسية والقانونية المجانية وتحيل الحالات الى المؤسسات المختصّة، وهذا ما فعلته مع زينة التي ولدت في عائلة فقيرة وجاهلة فكان أن هربت منها الى الزواج متعرّضة لعنف أكبر". بالطبع، يقّدم مركز الإرشاد الدواء الجسدي والنفسي للمريضة، لكنّ هذا الأذى النفسي لا يمكن أن يندمل بسهولة، وزينة التي قرّرت ألا تخضع للعنف بعد اليوم ما زالت تتخوّف "من عودة الجلاّد" الذي ما زال يلاحقها. لكنّها عرفت أنّ الطريقة الوحيدة للخروج من دائرة العنف ترتبط بها أوّلا لانّها المعنّفة والضحية. وعرفت أنّ لا أحد سيناصرها إن هي لم تقف في وجه جلاّدها، وإن هي لم تقرّر "أنّها ليس المذنبة وانّها اذا سكتت عن العنف تجاهها فهي أيضاً متواطئة في جرائم وتشريع ممارسات ضدّ الأجيال اللاحقة".