تقول المعاجم ان اوقيانوس Okeanos إله اغريقي، اشتقاقه غير معروف، وان الأدلة تشير الى انه كان في الأصل يعتبر إلهاً نهرياً، وليس إلهاً للبحر المالح. وبذلك يذكرنا بأبسو، الماء العذب في أساطير وادي الرافدين. وفي بانثيون هزيود، يعتبر اوقيانوس ابناً لأورانوس Ouranos السماء وغايا Gaia الأرض، ومن ثم لجنس الجبابرة Titans، ومن بينهم كرونوس أبو زيوس Zeus كبير آلهة اليونان. وتقول الأسطورة ان اوقيانوس تزوج من شقيقته تيثس وأنجب ذرية كبيرة من الاوقيانوسيين، وهم أرواح من الأنهار والجداول. وفي وصف درع آخيل، وكذلك هرقل، يشغل اوقيانوس محيط الدرع، كما ان النصوص الواردة في الإلياذة، وكذلك عند افلاطون، وفرجيل، والنصوص الأورفية، وسواها، تحدد اوقيانوس وتيثس باعتبارهما مصدراً أصلاً للآلهة أو الكون. واعتبر اوقيانوس مصدر الأنهار التحتية، ومن بينها ستكس Styx، التي كانت ابنته، بحسب ثيوغونيا هزيود الثيوغونيا: بحث أصل الآلهة وتحدرهم. ومع ان أوقيانوس كان يصوّر في المنحوتات والنحوت النافرة، إلا انه لم يُقدس. فالبحر الذي كان يُعبد في اليونان القديمة وتلتمس مغفرته هو بوسيدون Poseidon، الذي يماثله نبتون عند الرومان. وتحدرت الفكرة القائلة بالمياه المحيطة بالأرض الى المفاهيم الجغرافية في القرون الوسطى، كما نرى في الخريطة المرفقة بمقدمة ابن خلدون، التي يرد فيها اسم "اوقيانوس". وكانت الأرض عند الكتاب المسلمين تعوم فوق البحر كحبة عنب أو بيضة. ولم يشر الشعراء اليونانيون الأوائل الى الشكل الذي يتصورونه عن السماء أو الأرض، سوى الى نهر اوقيانوس الكبير الذي يجري حول محيط الأرض. وانه لمن نافل القول ان هذا المجرى يتخذ شكلاً دائرياً. فدرع آخيل مزخرف بخريطة تصور الأرض والسماء والبحر، مع اوقيانوس وهو يجري حول اطار الدرع الدائري، كما مر بنا. وفي ما بعد هزأ هيرودوتس بالذين يصنعون خرائط العالم ويرسمون اوقيانوس وهو يجري حوله في دائرة كاملة المقاييس وكأنها مرسومة بفرجال، هذا مع انه هو نفسه تحدث عن "دائرة السماء الكاملة"، كما ان التراجيديين كانوا يستعملون مصطلح "دائرة الأثير"، و"دائرة الليل"، و"الدائرة التي فوقنا". وفي اللغة الأكدية تعني كلمة Kippatu "انشوطة، تنورة مطوقة، دائرة، محيط". ولعلها تقابل كلمة "قبة" العربية. وتستعمل هذه الكلمة، الأكدية في مضامين مماثلة: "قبة السماء، قبة السماء والأرض". جاء في ترتيلة شماش العظيم: "أنت تمسك بدائرة اليابسة المدلاة من داخل السماء". وفي ما يشبه ذلك يصف آشور بانيبال الإله مردوك. وفي الأساطير اليونانية يُعتبر بونتوس Pontos البحر موازياً لاوقيانوس. ومن ذريته جاء الغرغونات 1 Gorgons، اللواتي كن يُقمن قرب مياه اوقيانوس. ومن ذريته ايضاً، الهايدرا Hydra أفعوان خرافي ذو تسعة رؤوس قتله هرقل، في الاسطورة اليونانية، فكان كلما قطع رأساً من رؤوسه نبت محله رأسان جديدان، لكن تعامت كانت هولة ايضاً وهي والهايدرا تذكراننا بالتنين لادون في الأساطير الكنعانية، الذي يقابله اللوياتان في الأساطير العبرية، ويبدو ان جذور ذلك كله ترجع الى وادي الرافدين. وطبقاً لهوميروس فإن أوقيانوس هو المنبع "الذي تجري منه كل الأنهار وكل البحار وكل الينابيع والآبار العميقة". وهذا يذكرنا بالأبسو في وادي الرافدين، و"تيهوم" عند العبريين. فهنا، ايضاً، يعتبر الأبسو وتيهوم مصدرين للأنهار والينابيع الأرضية. والفارق هو ان اوقيانوس لم يُنظر اليه في موقع تحت الأرض، وفي مقابل ذلك لم ينظر الى أبسو وتيهوم كنهرين يجريان حول الأرض. على ان هناك وثيقة بابلية تصور الأرض بما لا يدع مجالاً للشك على انها محاطة بنهر. وهي الخريطة الشهيرة المنقوشة في لوح محفوظ في المتحف البريطاني، وقد عثر عليها في بورسيبا العراقية. وهي نسخة متأخرة من اخرى أصلية قد تعود الى القرن الثامن أو السابع ق.م. ورسم فيها النهر بفرجال، كدائرتين متراكزتين متحدتي المركز، وكتب في أربعة مواضع منها كلمة مراتم مرّ، مع اشارة واحدة على الأقل الى العلامة الدالة على "النهر"، وهي ID. وهذا الاسم ثبت أول مرة في القرن التاسع ق.م.، كمصطلح كلداني على الخليج الفارسي. وبعد ذلك بقرن اطلق سارغون على نفسه حاكم النهر المر الأعلى والنهر المر الأسفل، أي شرقي البحر المتوسط والخليج، اللذين باتا يُدعيان تقليدياً بالبحر الأعلى والبحر الأدنى. ولم يظهرا على الخريطة كبحرين مفصولين، بل كفرعين من بحر واحد على شكل حلقة أو نهر مر يُحدق بالأرض التي تضم بلاد بابل، وآشور، وعيلام، وأورارتو أرمينيا، والزاغروس. وعلى طول المنطقة الخارجية للمراتوم النهر المر هناك عدة ربما في الأصل ثمانٍ مناطق مثلثة الشكل بالأكدية nagu. وهي أراض بعيدة يوصل اليها عبر البحر. وما تبقى من النص المرفق يشير الى انها بالنسبة للجغرافي البابلي ذات صفة خرافية. والإشارات على العديد منها تذكرنا الى حد يدعو للدهشة، كما يقول مارتخاويست، بالمناطق النائية التي يرد ذكرها في الأوذيسه. ان الناغو المنطقة التي في أقصى الجهة العليا كتب عليها في الخريطة: "حيث لا ُترى الشمس": وهذا يذكرنا بالسيمريين Cimmerians في الأساطير اليونانية، الذين تقع بلادهم في الجانب القصي من الأوقيانوس، والذين لا تشرق عليهم الشمس الاوذيسه: 11، 15. وعلى الناغو الثالثة هناك "الطير المجنح الذي لا يستطيع انجاز رحلته بأمان": حيث يذكرنا برحلة منيلاوس شقيق اغاممنون في الإلياذة عبر مدى بحري مخيف "حتى الطيور لا تعود منه في السنة نفسها" الاوذيسه: 3، 321. وفي الناغو السابعة هناك "قطيع مزود بقرون يجري بسرعة كافية ل..."، حيث يذكرنا بليبيا، "التي تظهر القرون بسرعة على حملانها". وحيث تلد النعاج ثلاث مرات في السنة الاوذيسه 4، 85، اما الناغو الثامنة فهي تلك التي... لها علاقة بالفجر، على ما يبدو: حيث تذكرنا بجزيرة كيركة Circe قرب منزل "الغجر" وبزوغ الشمس الاوذيسه: 12، 3. ويختلف المراتوم عن الأوقيانوس في كونه نهراً وبحراً في وقت معاً. والأوقيانوس، في اليونانية الأركائية القديمة والكلاسيكية، يختلف عن البحر، الذي يحيط به ويتدفق منه، مع انه يمكن الوصول اليه من طريق البحر في اكثر من اتجاه. وكان اليونانيون يتحدثون عن نهر اسطوري محيط خارج البحار التي يعرفونها. والأوقيانوس يشبه المراتوم المرسوم في الخريطة البابلية ليس فقط في دائريته، بل وفي المواقع الخرافية المشار اليها، مثل جزر الغرغونات Gorgons، والهسبريدس 2 Hesperides، والبلست Blest المقدسين، الموضوعة الى الجهة القصوى من الخريطة. أما اشتقاق اسم اوقيانوس، فينطوي على شيء من غموض. فاليونانيون القدماء فكروا في Ocu naein "سريع الجريان" من بين اشتقاقات اخرى، لكنه يتعذر تفسيره اغريقياً. وهذا يدعو الى الاعتقاد بجذور مستعارة، على نحو ما اشار اليه فريسيدس من سيروس Pherecydes of Syros الذي استعمل صيغة Ogenos. ولم تحدد نماذج اجنبية مقنعة جداً. ومع هذا كان هناك اعتقاد بأن كلمة "Uginna" حلقة، السومرية، ربما كانت واعدة، بيد انها ليست كذلك، كما يقول مارتن ويست. على ان هناك كلمة سامية قد تصلح ان تكون جذراً مرشحاً لكلمة أوقيانوس اليونانية، تعني "زبدية، طاس، طست"، وتلفظ بالأكدية agannu، وبالأوغاريتية agn، وبالعبرية aggan، وبالآرامية aggana، وبالعربية "إجانة". وقد انتقلت الى اللغة الحثية في الأناضول. هناك اسطورة حول أصل النهار والليل. يذهب الإله ايل El "الى شاطئ البحر، الى شاطئ الأعماق ت ه م، ويشاهد امرأتين "تنهضان الى أعلى" من فوق طست إجانة، احداهما تنهض الى اسفل في حين تنهض الأخرى الى أعلى. وهي فكرة قد تصور امرأتين تغسلان ملابس وتغمران ذراعيهما بالتناوب في الماء. يتخذ ايل كلاً منهما زوجة له الى الأبد، وتنجبان له أبناء، احداهما تنجب ش ح ر السحر، والأخرى ش ل م المسالم، الغسق أو الليل... وهكذا ربما كان هذا رمزاً لظهور الفجر والغسق بالتناوب. وكان هذا يقترن ببزوغ الشمس وغيابها، من البحر واليه. وعند هوميروس تبزغ الشمس وتغيب من أوقيانوس، وبالنسبة الى النجوم هو موضع الاغتسال، فنجمة الشعرى اليمانية Sirius تنبع لماعة بعد اغتسالها في الأوقيانوس، ونجمة الدب القطبي وحدها لا تمارس مثل هذا الطقس. ولأوقيانوس عشير مؤنث، تدعى تيثس، كما مر بنا. في الشعر القديم كانت رمزاً ميثولوجيا يفتقر الى الأهمية، وتعيش مع أوقيانوس، وقد انجبت له أولاداً. على ان هناك بيتاً من الشعر في الإلياذة: "اوقيانوس أصل الآلهة والأم تيثس"، يوحي بأن هناك اسطورة تشير الى ان هذين الاثنين كانا والدي جميع الآلهة. واعتبر ذلك منذ زمن كمواز للثيوغونيا مبحث اصل الآلهة وتحدرهم في ملحمة "اينوما ايلش" البابلية، حيث يظهر أبسو Apsu وتعامت Tiamet كوالدين بدئيين. وكان رئيس الوزراء البريطاني غلادستون أول من اشار الى هذه المقارنة. وحديثاً اثير سؤال حول اسم Tethys الذي ربما يكون مشتقاً من "تعامت" Tiamet فمن وجهة النظر الفيلولوجية فقه اللغة يبدو هذا الاشتقاق ممكناً. ذلك ان اسم "تعامت" هو كلمة سامية تطلق على "البحر، الاعماق" بالصيغتين المذكرة والمؤنثة. ويمكن تلمس الصيغة المذكرة "تيهامو" في الاوغاريتية "ت ه م" والصيغة العبرية "تيهوم" فهي مذكرة شكلاً، لكنها مؤنثة استعمالاً. وكذلك في السريانية "تيهوما" مذكرة. لكنها مؤنثة في لغة ايبلا، حيث تلفظ "تيهاماتو"… بالاكدية Tiammaty ولا بد انها تذكرنا بكلمة "تهامة" العربية. وليس مستبعداً ان تكون Tethu اليونانية مشتقة من هذه الالفاظ السامية. ان احتمال وجود اسم "تعامت" في مؤلفات هوميروس يعززه ايضاً احتمال وجود صدى لاسم ابسو Apsu في اللقب Apsorrhoos الذي يقال للاوقياونس وليس سواه. وقد تصوره الشعراء "يعني "يجري الى الخلف" aps اي نفسه". ينظر بهذا كتاب مارتن ويست: الوجه الشرقي لهليكون. 1- الغرغونة Gorgon: احدى ثلاث اخوات، في الميثولوجيا الاغريقية، مكسوات الرؤوس بالأفاعي بدلاً من الشعر، كان كل من ينظر اليهن يتحول الى حجر - قاموس المورد. 2- الهسبريدس: حارسات التفاح الذهبي: الحوريات الحارسات بمعونة تنين حديقة تنمو فيها شجرات تفاح ذهبي - قاموس المورد.