رفع مجلس الاحتياط الفيديرالي المصرف المركزي الأميركي سعر الفائدة للمرة الأولى منذ 42 شهراً منهياً سياسة نقدية خفضت كلفة الاقتراض في السوق الأميركية الى مستويات قياسية لفترة من أطول الفترات الزمنية في تاريخه. ومع توقعه بقاء نسبة التضخم منخفضة نسبياً في"الفصول القليلة المقبلة"هدأت مخاوف أسواق المال وتحقق لها بعض المكاسب الفورية لكن الدولار او"الحصان الاسود"، الذي تؤذيه أسعار الفائدة المنخفضة، تراجع قليلاً أمام عملات رئيسية. أعلنت لجنة السوق المفتوحة، الأداة الرئيسية التي يستخدمها مجلس الاحتياط في رسم سياسته النقدية، رفع فائدة القروض الفيديرالية المتداولة بين المصارف القصيرة الأجل بمقدار ربع نقطة مئوية الى 1.25 في المئة وشددت في بيان أصدرته في ختام يومين من الاجتماعات مساء أول من أمس على أن سياستها النقدية ستبقى، حتى بعد هذه الزيادة،"توفيقية"وستستمر في توفير الدعم للنشاط الاقتصادي. وذكرت اللجنة أن الاقتصاد الأميركي، الذي بدأ انتعاشا قوياً في الفصل الثالث من العام الماضي لكنه عانى من انخفاض نسبة استغلال طاقاته الانتاجية حتى بداية الفصل الأول من السنة، استمر بالتمدد"بخطوات صلبة"منذ اجتماعها الأخير في 4 أيار مايو الماضي وأن سوق العمل، التي خسرت زهاء 3 ملايين وظيفة في الفترة من سنة 2001 الى نهاية السنة الماضية، تحسنت. مشيرة الى تعويض 1.2 وظيفة منذ بداية السنة. وكان مجلس الاحتياط، وفي خطوة استباقية لانقاذ الاقتصاد الأميركي من ركود بدا مؤكداً بعد انفجار فقاعة التكنولوجيا السيئة الصيت وتفاقم تداعياتها الخطيرة، خفض سعر الفائدة 13 مرة، من 6.40 في المئة في كانون الأول ديسمبر عام ألفين الى واحد في المئة اعتباراً من نهاية حزيران يونيو 2003، ما يعني أن هذه الفائدة التي تؤثر بقوة وإن بشكل غير مباشر في أسعار الفائدة التجارية ظلت من دون نسبة التضخم بمقدار واحد في المئة في المتوسط طوال الشهور ال19 الأخيرة. عوامل انتقالية وقللت لجنة السوق من مخاطر التضخم في الفترة المقبلة ولفتت الى أن جزءاً من المعطيات التضخمية التي ظهرت في الشهور الأخيرة وكانت مرتفعة قليلاً انما نجمت عن عوامل"انتقالية"، وأن التضخم لا يزال من المتوقع أن يبقى منخفضاً نسبياً، وجددت اعتقادها بأن العودة بسعر الفائدة الى مستوى محايد يمكن أن يتم بخطوات متدرجة، في اشارة الى أن الزيادات اللاحقة ستكون أيضاً صغيرة، لكنها، وفي تطور جديد في بياناتها، تركت الباب مفتوحا أمام احتمال تبني زيادات أكبر مؤكدة بأنها ستتجاوب"مع أي تغيير في الاحتمالات الاقتصادية". وارتفع مؤشر أسعار المستهلك الأساسية التي تستثني أسعار الطاقة والغذاء بسبب تقلباتها المفاجئة بنسبة 2.9 في المئة في الشهور الخمسة الأولى من السنة، أي أكثر من ضعفي النسبة المسجلة العام الماضي بأكمله. إلا أن اقتصاديين أشاروا الى أن جزءاً لا بأس به من الارتفاع الجديد في مؤشر الأسعار نجم عن أثر مباشر أحدثه انخفاض سعر صرف الدولار في قيمة الواردات الأميركية ومن المتوقع أن يزول بانخفاض حجم هذه الواردات نهاية السنة الجارية أو بداية السنة المقبلة. وجاء قرار لجنة السوق مطابقاً للتوقعات ومنسجماً الى حد كبير مع تلميحات حرص رئيس مجلس الاحتياط آلان غرينسبان على اطلاقها خصوصاً بعد تشديد صندوق النقد الدولي أخيراً على ضرورة تهيئة الأسواق لرفع سعر الفائدة الأميركية لما لها من دور خطير تلعبه في التأثير في اتجاهات غالبية أسواق المال لاسيما حيث يُتاح تداول الأصول المقومة بالدولار الى جانب تحديد ليس كلفة كمية هائلة من الديون العالمية القصيرة الأجل وحسب بل الجدوى الاقتصادية للودائع المصرفية. أسواق المال ولاحظت مؤسسة"ستاندرد آند بورز"أن أسواق المال وعلى الرغم من ثبوت صحة توقعاتها، إلا أنها شعرت بارتياح لتأكيد لجنة السوق على ضعف مخاطر التضخم وتجديد التزامها مبدأ التدرج في رفع سعر الفائدة في الفترة المقبلة. وانعكس هذا الارتياح بارتفاع"مؤشر ستاندرد آند بورز 500"، الذي يعتبر أحد أهم مقاييس نشاط أسواق المال الأميركية، بنسبة 0.4 في المئة وتحقيق مؤشر"داو جونز"لعمالقة الشركات الأميركية ومؤشر"ناسداك"لأسهم التكنولوجيا مكاسب بنسبتي 0.2 في المئة و0.6 في المئة على التوالي. لكن محللين حذروا من أن مؤشرات الأسهم الأميركية، التي حققت مكاسب ضخمة العام الماضي وللمرة الأولى منذ انفجار فقاعة التكنولوجيا في ربيع عام ألفين، لكنها عجزت عن اضافة الكثير الى مكاسبها في الشهور الستة الأولى من السنة ستحتاج الى دعم قوي وربما من أرباح الشركات للتعويض عن حافز أسعار الفائدة المنخفضة خصوصاً في حال قرر مجلس الاحتياط تسريع خطوات تشديد سياسته النقدية تحت ضغط تطورات تضخمية مفاجئة. وشهدت مؤشرات الأسهم الأميركية تقلبات حادة في الشهور الأخيرة وأنهى"داو جونز"النصف الأول من السنة منخفضاً بنسبة 0.2 في المئة بينما ارتفع مؤشر"ناسداك"بنسبة 2.2 في المئة ومؤشر"ستاندرد آند بورز"بنسبة 2.6 في المئة بالمقارنة مع مكاسب راوحت بين 26 و60 في المئة السنة الماضية. ولعبت هذه التقلبات دوراً رئيسياً في اخفاق أسواق المال الأميركية في اجتذاب أي استثمارات دولية جديدة في الشهور الأربعة الأولى من السنة. ديون الدول العربية وكان اقتصاديون في صندوق النقد الدولي حذروا من أن الأثر المباشر لارتفاع أسعار الفائدة سيتمثل في زيادة كلفة الاقتراض وأعباء خدمة الديون الخارجية، خصوصاً الديون القصيرة الأجل، للدول العربية والنامية. وأبرز البنك الدولي في تقريره عن تمويل التنمية لسنة 2004 مدى خطورة تقلبات أسعار الفائدة. وأشار الى أن حجم الديون الخارجية للدول النامية بلغ نهاية العام الماضي 2.433 تريليون دولار منها 364 بليون دولار بشكل ديون قصيرة الأجل. وبالنسبة الى الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بلغ حجم ديونها الخارجية 188 بليون دولار من دون تغيير منذ 1995 واقترب حجم الديون القصيرة الأجل من 45 بليون دولار. إلا أن ارتفاع كلفة الاقتراض وخدمة الديون سيجد بعض التعويض في المكاسب التي ستحققها الدول العربية والنامية من طريق احتياط من العملة الصعبة بلغ حجمه نهاية العام الماضي بالنسبة للمجموعة الأولى 107 بلايين دولار وبالنسبة للمجموعة الثانية 1.227 تريليون دولار. "الحصان الأسود" وانفرد الدولار بلعب دور"الحصان الأسود"اذ كان من المفترض أن يساهم اعلان رفع سعر الفائدة بتعزيز موقع العملة الخضراء من طريق زيادة جاذبية الأصول المقومة بها، وما حدث فعلاً هو أن الدولار خسر بعض النقاط لصالح اليورو والين في تطور لم يستبعده عدد كبير من الاقتصاديين بسبب عودة عجز الحساب الجاري الأميركي الى التدهور بعد تحسن كبير حققه نهاية العام الماضي علاوة على تفاقم عجز الموازنة الفيديرالية. يشار الى أن ما يعتبره مجلس الاحتياط سعر الصرف الحقيقي للدولار، قيمته النسبية مقابل عملات كل الشركاء التجاريين لأميركا، حقق نجاحات كبيرة في الشهور القليلة الماضية حيث خفض خسائره من 13.4 في المئة في بداية السنة الى 9.5 في المئة حالياً بالمقارنة مع الذروة التي بلغها في شباط فبراير عام 2002، كما قلص في الفترة نفسها خسائره مقابل اليورو الى 20 في المئة أي الى أقل من النصف.