واصلت أسواق الأسهم الأميركية والأوروبية انخفاضها في الأسابيع الماضية مع ازدياد المخاوف في شأن ضعف الاقتصاد الدولي وتراجع سعر صرف الدولار وارتفاع أسعار النفط وأسعار السلع بالإضافة إلى ارتفاع مخاطر الحرب المحتملة على العراق. وحسب مؤشر "ستاندرد آند بورز" لأكبر 500 شركة أميركية مدرجة، انخفض مؤشر سوق الأسهم الأميركية بنسبة 23 في المئة العام الماضي وهو أكبر تراجع سنوي سجلته السوق منذ عام 1974 عندما تراجعت بنسبة 29 في المئة، كما أنها المرة الأولى التي يسجل فيها المؤشر هبوطاً لثلاث سنوات متتالية منذ فترة الثلاثينات من القرن الماضي، أي خلال فترة الكساد العالمي. وسجلت الأسهم الألمانية تراجعاً العام الماضي بنسبة 44 في المئة، وانخفضت الأسهم اليابانية بنسبة 19 في المئة، وبهذا تكون الأسهم اليابانية انخفضت في 9 اعوام خلال الثلاثة عشر عاماً السابقة، في حين حقق اليورو ارتفاعاً مقابل الدولار بنحو 18 في المئة كذلك ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 26 في المئة. وفي عام 2002 سجلت السندات الدولية أداءً أفضل من الأسهم للعام الثالث على التوالي، وارتفعت أسعار السندات الحكومية ذات آجال عشر سنوات بنسبة 20 في المئة في الولاياتالمتحدة و11 في المئة، في أوروبا. كذلك حققت السندات التي تصدرها الدول الناشئة عائداً جيداً وصل في المعدل إلى 12 في المئة، وفقاً لمؤشر "جي بي مورغان" لأسواق سندات الدول الناشئة. وحققت السندات السيادية الروسية المصدرة بالدولار في السوق الدولية عائداً بنسبة 35 في المئة، تلتها السندات السيادية التركية بنسبة 21 في المئة، ثم السندات السيادية المصرية بنسبة 18 في المئة،. وارتفع مؤشر "ميريل لينش" للسندات التي تصدرها الشركات بنسبة 8.6 في المئة العام الماضي. وجاء أداء سوق الأسهم في جمهورية التشيك الأفضل بين أسواق الأسهم في العالم إذ ارتفع مؤشر السوق مقوماً بالدولار بنسبة 44 في المئة العام الماضي، تلته سوق الأسهم الأندونيسية بنسبة 40 في المئة ثم سوق الأسهم الكويتية بنسبة 38.9 في المئة، وسوق الأسهم القطرية بنسبة 36.8 في المئة. في حين شهدت سوق الأسهم في الأرجنتين أسوأ أداء بين أسواق الأسهم في العالم إذ هبط المؤشر مقوماً بالدولار بنسبة 45 في المئة. وطبقاً لمجلة "ذي ايكونوميست" البريطانية، فاق أداء الأسهم الأميركية أداء جميع الموجودات الأخرى خلال القرن الماضي، فمنذ عام 1900 حققت الأسهم الأميركية عائداً سنوياً مقداره 9.3 في المئة مقارنة مع العائد على سندات الخزينة الأميركية طويلة الأجل الذي كان في حدود 4.8 في المئة، في حين لم يتعد العائد على الاستثمار في الذهب نسبة 2.8 في المئة وهو أقل من العائد على الودائع بالدولار قصيرة الأجل والذي بلغ 4.1 في المئة. واحتلت العقارات السكنية في لندن المرتبة الأولى كأفضل استثمار في الاعوام العشرة الماضية مسجلة معدل عائد سنوي مقوماً بالدولار الأميركي في حدود 16 في المئة، وجاءت في المرتبة الثانية سوق الأسهم الروسية بمعدل عائد سنوي مقداره 14 في المئة مقوماً بالدولار أيضاً. ثم سوق الأسهم الأميركية بنسبة 9 في المئة. وعلى رغم الارتفاع الذي طرأ اخيراً على أسعار الذهب كان أداء المعدن ضعيفاً في الاعوام العشرة السابقة إذ بلغ متوسط عوائده 0.4 في المئة فقط. وكان أسوأ استثمار على الإطلاق في الاعوام العشرة الماضية في سوق الأسهم الصينية التي سجلت خسارة سنوية وصلت في المعدل إلى 16 في المئة، على رغم النمو الاقتصادي الجيد للاقتصاد الصيني. ولم يكن أداء أسواق أسهم الدول الناشئة الأخرى أفضل بكثير على رغم احتلال أحدها كل سنة المركز الأول كأفضل سوق للاستثمار في العالم على مدار 14 عاماً من 15 عاماً سابقة. ولا أحد يعرف متى ستنتهي دورة هبوط أسعار الأسهم هذه، فمنذ عام 1938 لم يسجل مؤشر "ستاندرد آند بورز" خسارة في أي فترة خلال عشر سنوات متداخلة مثلاً من 1931-1941 ومن 1932-1942 إلخ، كما أن السوق شهدت خسارة في ثلاث مرات فقط لفترة خمس سنوات متداخلة. لا شك أن السياسات المالية والنقدية التوسعية التي تتبعها حكومة الولاياتالمتحدة ستساعد على الخروج من دورة الهبوط هذه، وأسعار الفائدة قصيرة الأجل هي في أدنى مستوياتها منذ 41 عاماً ولا يتوقع لها أن ترتفع في المستقبل المنظور، كما أن معدلات التضخم لا تتعدى 1 في المئة كما أن هناك سياسة مالية توسعية بسبب زيادة في مخصصات الدفاع وتقليص في معدلات الضرائب في حين أن الشركات الأميركية استطاعت أن ترفع من معدلات الانتاجية لديها. وخلال الدورات الخمس الماضية التي هبطت فيها أسعار الأسهم الأميركية سجل كل من مؤشر داو جونز ومؤشر ستاندرد آند بورز هبوطاً من أعلى مستوى لهما في حدود 20 في المئة و30 في المئة على التوالي. غير أن التراجع الحاصل حتى الآن خلال دورة هبوط الأسعار الحالية تخطى تلك المستويات، إذ خسر مؤشر داو جونز 25 في المئة ومؤشر ستاندرد آند بورز 35 في المئة من أعلى قيمة وصلاها قبل بدء دورة الهبوط الأخيرة. كيف يمكن للمستثمرين التعامل مع الإضطراب في أسواق الأسهم الدولية؟ الجواب يمكن تلخيصه في كلمة واحدة هو التنويع. إن اختيار محفظة استثمارية ذات موجودات متنوعة من أهم القرارات التي يتخذها المستثمر خلال حياته. وباستطاعة مستشار مالي جيد أن يقدم النصح في بناء إستراتيجية استثمار مبسطة لتنويع الموجودات تساعد على الحد من الخسائر إذا ما تراجعت الأسواق، وتؤمن العوائد المطلوبة للمستثمر. وتظهر الاحصاءات أن الاستثمار في الأسهم يعطي أفضل العائدات، لكن نسبة المخاطر خلال فترة زمنية محددة تكون أعلى بسبب التقلبات التي تتعرض لها أسعار الأسهم، وبالمقابل فإن الودائع المصرفية التي هي أقل منافذ الاستثمار خطورة يكون العائد عليها متدنياً، وأما السندات فتقع بين الاثنين. غير أن مخاطر الأسهم على المدى المتوسط والبعيد تتراجع لتتساوى مع مخاطر الودائع المصرفية والسندات في حين تبقى عائدات الأسهم أعلى بكثير. إن درجة تقبل المستثمر للمخاطر هي التي تحدد مكونات محفظته الاستثمارية، فإذا كان المستثمر محافظاً في نظرته ولا يستطيع النوم في الليل لشدة تقلبات أسواق الأسهم، فمن الأفضل له أن يبقى خارج سوق الأسهم. كما أن الشخص الذي يوفر ليتمكن من دفع أقساط الجامعات لأولاده، أو ليدفع عربوناً من ثمن منزل سيشتريه بعد سنتين أو ثلاث، فعليه أن يركز استثماراته على السندات. وزاد اهتمام المستثمرين اخيراً بالصناديق ذات رأس المال المضمون باعتبار أن أي مجال للاستثمار يضمن رأس المال بالإضافة إلى تحقيق عائد صغير عليه، فهو بالتالي استثمار جيد خصوصاً عندما تكون الأسواق الدولية متقلبة كما هي عليه الحال الآن. ولكن يجب أن نتذكر أنه لا توجد ضمانات في الاستثمار، وأن المخاطر القليلة تعني بالضرورة العائد القليل، كذلك فإن الحماية من تقلبات السوق مكلفة، وغالباً ما يُطلب من المستثمر أن يربط استثماراته لفترة زمنية قد تمتد من ثلاث إلى عشر سنوات لا ُيسمح له فيها بتسييل هذه الاستثمارات من دون تكبد بعض الخسائر. غير أنه إذا قبل المستثمر ربط أمواله لفترة زمنية طويلة كهذه فمن الأفضل له أن يكون استثماره في محفظة من الأسهم والسندات لأن العائد عليه سيكون بالضرورة أفضل وبنسبة مخاطر مقبولة. وأصبح عدد كبير من المستثمرين يتخوف من الاستثمار في أسواق الأسهم الدولية بعد الخسائر التي تكبدها في الاعوام الثلاثة الماضية. وتشير الأرقام إلى حدوث ارتفاع كبير في حجم السيولة النقدية في الولاياتالمتحدة التي وصلت إلى نحو 2700 بليون دولار مستثمرة في سندات الخرينة وأدوات نقدية أخرى قصيرة الأجل بدلاً من استثمارها في سوق الأسهم. فالعائد المنخفض على سندات الخزانة الأميركية يشير إلى أن الأسهم الأميركية أصبحت مقومة بأسعار مقبولة مقارنة بأسعار السندات. ولا يتوقع لأسعار الأسهم الأميركية أن تتراجع إلى ما دون المستويات الدنيا التي وصلت إليها في تشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي، وربما سنشهد اختلافات كبيرة في أداء الأسهم حسب القطاعات المختلفة ليس فقط في الولاياتالمتحدة بل في العالم ككل. ويُتوقع لأسواق أسهم الدول الناشئة بما فيها بعض أسواق الأسهم العربية أن توفر مجالات استثمار أفضل السنة الجارية مقارنة بالأسواق المالية الدولية بعدما تراجع تقويمها إلى أدنى مستوى له منذ 15 عاماً، ووصل معدل السعر إلى العائد إلى نحو 9 مقارنة بمعدله التاريخي الذي كان في حدود 15. كما أن هذه الأسواق ستستفيد من ارتفاع أسعار السلع والمعادن الثمينة والنفط. وعلى الأغلب سيتجه المستثمرون الى أسواق السندات التي تصدرها الدول النامية ذات العائد المرتفع التي لا يُتوقع لها أن تتأثر كثيراً بارتفاع أسعار الفائدة إذا ما حدثت. ومن أسواق الأسهم التي يتوقع لها أداءً متميزاً السنة الجارية أسواق كل من البرازيلوروسيا والهند وكوريا الجنوبية وتايلاند والفيليبين. وعلى سبيل المثال ارتفع احتياط البنك المركزي في روسيا إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل ثلاثة اعوام ليصل إلى 50 بليون دولار نهاية عام 2002. وتمت إعادة هيكلة أسواق الأسهم والسندات في موسكو وتحديث النواحي القضائية والضريبية والمصرفية المنظمة لهذه الأسواق، ولا يزال يتم التداول في سوق الأسهم بأسعار قريبة من القيمة الدفترية لهذه الأسهم كما أن مؤسسة ستاندرد آند بورز رفعت اخيراً تصنيف السندات السيادية لروسيا إلى درجة BB. وبالنسبة للعملات، سيكون انخفاض الدولار هو الموضوع الإستراتيجي لسنة 2003. إلا أنه مع ضعف النمو الاقتصادي في كل من ألمانيا واليابان، لا يتوقع أن يؤدي تراجع الدولار إلى حدوث انهيار في أسعار صرفه مقابل اليورو. فالولاياتالمتحدة تحتاج إلى 55 بليون دولار لتمويل العجز في ميزانها التجاري كما أن تراجع العائد على السندات الأميركية كان له أثر سلبي في الاستثمار الأجنبي في هذه السندات. إضافة إلى ذلك خسر الدولار الدور الذي كان يلعبه سابقاً كعملة الملاذ المفضلة في العالم لدى المستثمرين، إذ أنه عقب أحداث 11 أيلول وما طرأ من تغييرات سياسية وإستراتيجية تبعاً لذلك حل الذهب والفرنك السويسري والدولار الأسترالي بشكل جزئي محل الدولار الأميركي في هذا المجال. ويعود ارتفاع اليورو من 0.85 إلى 1.08 مقابل الدولار في الشهور العشرة الماضية إلى قلق الأسواق من انعكاسات سلبية على العملة الأميركية إذا ما طال أمد الحرب المحتملة على العراق أكثر من كونه يعكس توقعات تحسن الوضع الاقتصادي في أوروبا. وتبقى الأزمة في العراق أحد أهم عوامل عدم اليقين المؤثرة في أسواق الأسهم المحلية والدولية، وتشير الأحداث السابقة خصوصاً تلك التي صاحبت بدء الهجوم على العراق عام 1990، أن أسواق الأسهم هذه قد تشهد ارتفاعاً مضطرداً إذا كانت هناك دلائل تشير الى أن الحرب لن تدوم اكثر من أسابيع قليلة أي ستكون سريعة وحاسمة. وستكون امام المستثمر الجريء المستعد للمجازفة، استناداً على هذه الفرضية، فرصة جيدة للاستفادة من ارتفاع متوقع لأسعار الأسهم في الاسواق الاميركية وأسواق دول المنطقة، إضافة إلى الانخفاض المتوقع في أسعار النفط في الشهور المقبلة. ففي آب اغسطس عام 1990، أدى الغزو العراقي للكويت إلى انخفاض متواصل في أسعار الأسهم الأميركية، إذ تراجع مؤشر "ستاندرد اند بورز" لأكبر 500 شركة أميركية مدرجة بأكثر من 12 في المئة بين آب وتشرين الثاني نوفمبر من ذلك العام، كذلك فقد الدولار 7 في المئة من قيمته أمام العملات الرئيسية خلال الفترة نفسها. لكن عندما بدأت الحرب في شباط فبراير 1991، عادت أسعار الأسهم الأميركية الى الارتفاع وسجل مؤشر "ستاندرد آند بورز" زيادة بنسبة 28 في المئة خلال الاثني عشر شهراً اللاحقة، وارتفعت قيمة الدولار ليعود إلى المستويات التي سجلها قبل الغزو العراقي للكويت. ومع أن التاريخ لا يعيد نفسه بالضرورة، إلاّ أنه يبقى أحد السيناريوهات المتوقعة بعد الضربة العسكرية على العراق. * الرئيس التنفيذي. جوردانفست