بعد أقل من شهرين فقط على حصول الروائي المغربي الهولندي الجنسية حفيظ بوعزة على جائزة "البومة الذهبية" - والتي تعتبر أرفع جائزة أدبية في هولنداوبلجيكا - عن روايته الأخيرة "برافيون"، حصل الشاعر المغربي الهولندي الجنسية مصطفى ستيتو على جائزة VSB الشعرية في دورتها الحادية عشرة، وتقدر قيمتها ب25 ألف يورو، وتعتبرها الأوساط الأدبية في هولنداوبلجيكا أرفع جائزة تمنحها هولندا للشعر المكتوب في المنطقة المتحدثة باللغة الهولندية، وهي تضم هولندا والجزء الفلمنكي من بلجيكا. أما الديوان الفائز فهو الثالث للشاعر وعنوانه "بطاقات بريدية وردية اللون كجلد الخنزير"، وصدر آخر العام الفائت 2003 عن دار نشر De Bezige Bij في أمستردام. وبحصوله على هذه الجائزة الرفيعة، يبرز مصطفى ستيتو كأحد أهم الشعراء الهولنديين على الساحتين الأدبيتين في هولنداوبلجيكا. فالجائزة التي حصل عليها هذا العام والتي تمنح سنوياً منذ أحد عشر عاماً، تضم في قائمة الفائزين بها الكثير من الأسماء المهمة والمؤثرة في الثقافتين الهولندية والبلجيكية على حد سواء، وعلى رأسهم الكاتب الفلمنكي البلجيكي هوغو كلاوس الذي يرشح كل عام لجائزة نوبل، والذي احتفلت بلجيكاوهولندا الشهر الماضي ببلوغه 75 عاماً، ونال أحد دواوينه الشعرية جائزة VSB في دورتها الأولى العام 1994. مصطفى ستيتو 29 عاماً من مواليد مدينة تطوان المغربية 1974، هاجرت أسرته إلى هولندا وهو رضيع، ونشأ في مدينة ليليستاد الهولندية، ثم درس التاريخ والفلسفة في جامعة أمستردام، وكانت أول جائزة شعرية يحصل عليها هي جائزة "الهجرة" العام 1992 عن "قصيدتان إلى الميتين تقريباً"، أي قبل أن يصدر ديوانه الأول "أشكالي" 1994 بعامين. أما كلمة لجنة تحكيم جائزة VSB التي نشرتها معظم الصحف الهولندية والبلجيكية، فتشير إلى أن قصائد ستيتو في ديوانه الثالث "بطاقات بريدية وردية اللون كجلد الخنزير": "تتنوع في أشكالها وألوانها وطرق تفجير شعريتها لتتناول طرق الحكي والسرد والدراما ومحاكاة الأصوات غير البشرية، تلك الأصوات التي تستمد معناها من وجودها في السياقات الشعرية التي يبنيها الشاعر بحرفية عالية، وغيرها من طرق الكتابة غير المطروقة في الشعر الهولندي المعاصر. فقصائد ستيتو توقفنا أمام جمل طويلة ومدورة تستمد شعريتها من الثقل التراجيدي الذي تحفل به، ولكنها دائماً تنتهي في شكل كوميدي بالغ السواد في سخريته المرة من كل شيء، وكأن الشاعر يسخر من الضعف الإنساني نفسه الذي تفجره قصائده لدى القارئ". وأشارت لجنة التحكيم في بيانها عن الجائزة إلى أن: "قصائد ستيتو تحفل بالكثير من الهويات الثقافية المتداخلة بعضها مع بعض، تارة في ارتباط وتآلف، وطوراً في صراع وجدل مستمرين. فنحن نجد حضوراً شفيفاً للثقافة الإسلامية إلى جوار حضور آخر ومواز للثقافة الهولندية الراهنة في مزيج شعري ولغوي واحد، كما نجد قصائد كثيرة له تحفل بذكر "داروين" والاستنساخ. وإضافة إلى هذه المواضيع، نجد الشاعر يحتفي بالحب والسخرية المريرة من الحياة والعالم والأشياء المنافية للعقل التي تحدث في راهننا اليوم، أي أننا في هذا الديوان نشاهد الحياة المعاصرة في كل تجلياتها". أصدر مصطفى ستيتو حتى الآن ثلاث مجموعات شعرية، أولاها عندما كان ابن تسعة عشر عاماً، وحملت عنوان "أشكالي" 1994 وتم ترشيحها فور صدورها لجوائز أدبية مهمة. وبعد أربعة أعوام أصدر مجموعته الشعرية الثانية "أشعاري" 1998، ومن هنا، احتل مصطفى ستيتو مكانة خاصة في الشعر الهولندي المعاصر. واستكتبته بعض الصحف المتخصصة، ومن أهمها صحيفة Vrij Nederland الهولندية، واختير في العام 2000 ليكون أحد أعضاء لجنة تحكيم جائزة VSB التي نالها هذا العام. وفي العام نفسه أيضاً أصدر الناشر الخاص به مجلداً ضخماً يضم مجموعتيه الأوليين وسرعان ما نفدتا من الأسواق بعد أسابيع، وكان اختير في العام 1999 ليكون أحد الشعراء الذين كلّفتهم الملكة الهولندية بياتريس كتابة قصائد تخلد أرواح الذين ماتوا من أجل الوطن، واختيرت قصائده لتنشر ضمن أحد الدواوين التي صدرت تخليداً لروح الأمير الهولندي كلاوس زوج ملكة هولندا بعد رحيله. ومن خلال قراءة المجموعات الشعرية الثلاث التي صدرت حتى الآن لمصطفى ستيتو، نجد أن مجموعتيه الشعريتين الأوليين تنشغلان بالتجريب وبتفجير السخرية والمأسوية من كل ما يحيط بالشاعر من مظاهر الحياة، لكنه على خلاف الشعراء العرب ذوي الأصول العربية، لا نكاد نلمح لديه الإرث الثقافي الثقيل لكونه عربياً يعيش بين ثقافتين مختلفتين، أو على حدي نقيض، هما العربية والهولندية، فهو يعتبر نفسه ابناً للثقافة الهولندية. وصحيح أنه يضرب في الكثير من قصائده على وتر أنه أجنبي نسبةً الى الهولنديين والأوروبيين، إلا أنه يسخر في الآن نفسه من الفكرة ذاتها التي يحاول اللعب عليها، مؤكداً في إحدى قصائده الطويلة، وعنوانها "ليس هناك وجود لشيء اسمه الأجنبي"، أنه يحيا في ثقافة واحدة، وإن كانت تستمد جذورها بداخله من الثقافتين العربية والهولندية. فهاتان الثقافتان في نظره تشكلان وحدة واحدة، لا وحدتين منفصلتين كما يريد الآخرون أن يروهما على الدوام. أما الديوان الثالث لستيتو، والذي نال عنه جائزة هذا العام، فتستمد قصائده شعريتها من أمور متنوعة ومختلفة كالعلم والدين والفلسفة والتاريخ. ويحاول الشاعر من خلال قصائده التي يغلب عليها الطول، تقديم شكل شعري يستفيد بقوة في كثير من الأحيان من التراث الصوفي العربي القديم، في قالب هولندي اللغة والتعبير. فالشاعر يحاول أن يُضفي اللغة الصوفية العربية القديمة على شخصيات قصائده الأوروبية في حياتهم اليومية السريعة. ففي قصيدته الطويلة "لن نفصل نورنا وظلمتنا معاً" والتي يضمها ديوانه الأخير، يرصد الشاعر عبر إحدى وعشرين فقرة شعرية الكثير من الحالات والقصص وتواريخ الأشياء والموجودات المحيطة به في شكل صوفي يمنح قصيدته شجناً وروحاً شعرية جديدة على اللغة الهولندية، من خلال تكرار جمل بعينها في سياقات شعرية مختلفة ومتغيرة على الدوام، صانعاً إيقاعاً شعرياً عربياً في مجمل قصيدته. وربما تكون هذه الطريقة في تفجير شعرية القصائد لدى ستيتو هي التي دفعت ناشر ديوانه الأخير إلى أن يكتب على الغلاف الأخير كلمة قال فيها: "أول شاعر هولندي من أصل مغربي". ربما يكون من المهم هنا أن نشير إلى أن الكتُّاب ذوي الأصول العربية أصبحوا يحتلون صدارة المشهد الأدبي في هولنداوبلجيكا. فبعد الروائي عبدالقادر بنعلي، الذي نال جائزة "ليبريس" للأدب الهولندي تقدر قيمتها ب50 ألف يورو العام 2003 عن روايته "الطفل المنتظر"، وحفيظ بوعزة الذي نال جائزة "البومة الذهبية" هذا العام عن روايته "برافيون" التي تعتبر أرفع جائزة بلجيكية تقدر قيمتها ب25 ألف يورو، ومصطفى ستيتو بجائزته الأخيرة في الشعر، لن يكون من المستغرب أن نقرأ قريباً عن حصول كتّاب آخرين من أصل عربي يعيشون في هولندا أو بلجيكا على جوائز أدبية رفيعة أخرى على غرار هؤلاء. فالقائمة تطول بالكتاب ذوي الأصول العربية، وخصوصاً المغاربة منهم، مثل: نعيمة البزاز، قادر علي، جميل شكلي، ليلى هواري، عبدالقادر بنعلي، يوسف حلال، رشيد نوفير، محمد بنزقور، أحمد الصادقي، فؤاد العروي، وسواهم.