لم تحظ الثقافة العربية المعاصرة في هولندا بالاهتمام الذي حظيت به في انكلترا وفرنسا واسبانيا والبلدان الأوروبية الأخرى الا في نهاية الثمانينات، على رغم وجود جالية عربية كبيرة فيها... وعلى رغم العلاقات الديبلوماسية والتجارية العربية الهولندية التي تمتد حتى القرن السابع عشر. بعد الحرب العالمية الثانية شهدت هولندا نهوضاً عمرانياً كبيراً، خصوصاً في بداية الستينات، ما جعلها تستقدم الأيدي العاملة الرخيصة من تركيا والريف المغربي. وفي بداية السبعينات قام العمال المغاربة بجلب عائلاتهم الى هولندا وأدخلوا أطفالهم المدارس الهولندية وبدأت الصدمة الأولى مع الحضارة الغربية والانفصال التدريجي عن اللغة الأم... وأصبحت اللغة الهولندية بالنسبة الى الجيل الثالث وسيلة التفكير الأولى والوحيدة. ولعلها المرة الأولى تشهد فيها مدينة لاهاي العاصمة السياسية لهولندا أول تظاهرة ثقافية وفكرية للمبدعين المغاربة الذين يعيشون في هولندا من خلال مهرجان "ثريا" الذي باشر أعماله بدءاً من 2 أيلول سبتمبر وينتهي في 18 تشرين الأول اكتوبر. ودعيت الى هذا المهرجان مجموعة من الكتّاب المعروفين في الساحة الثقافية المغربية والهولندية. ويحاور الكاتب والمترجم الهولندي خيرا بومسما الكتاب والشعراء في كل أمسية... ويستضيف في كل مرة كاتباً أو شاعراً مغربياً يكتب باللغة الهولندية الى جانب شاعر أو كاتب هولندي. ويتحدث المشاركون عن أعمالهم وتجاربهم الأدبية والفكرية اضافة الى المواضيع ذات العلاقة بالتركيبة الاجتماعية الهولندية مجتمع تعدد الأقليات ومناقشة مواضيع تتعلق بالهجرة ومسألة الهوية. ووجهت الدعوة ايضاً الى شخصيتين مغربيتين للمساهمة في هذا المهرجان، وتقدم الكاتبة مليكة ملك المتخصصة في العلوم السياسية والتي اشتهرت من خلال برنامجها التلفزيوني "في الواجهة" مداخلة في عنوان "العنف وسؤال الديموقراطية في المغرب"، إذ يسود الاعتقاد اليوم في المغرب ان المثقف عموماً يكاد يوجد في موقع الاستقالة مما يشهده المجتمع من نقاش حول الظروف والشروط الواجب انضاجها من أجل الارتقاء الى الديموقراطية! ما الذي يفسر هذا الغياب؟ وهل يرضى المثقف بالدور الهامشي والثانوي في المجتمع؟ أما الكاتب والاستاذ الجامعي محمد سعيد السعدي الذي درّس في جامعتي الدار البيضاء وجامعة مراكش وشغل منصب كاتب الدولة في الشؤون الاجتماعية فيقدّم مداخلة تحت عنوان "المغرب ومحمد السادس: استمرارية أم تغيير؟". وكان السعدي ارتبط اسمه بمشروع الخطة الوطنية لادخال المرأة المغربية في التنمية والديموقراطية. برنامج المهرجان يستمر حتى يتوزع على أماكن من مدينة لاهاي. والمساهمون هم: الكاتب المغربي خالد بودو الذي اشتهر من خلال روايته "جنة المأكولات الخفيفة" ويعمل حالياً رئيساً لتحرير مجلة "الطريق" التي تهتم بقضايا الشباب المغربي في هولندا. والكاتبة الهولندية ماريون بلوم صاحبة الرواية المشهورة "الفتاة الهندية غير العادية" والتي حصلت في العام 1993 على جائزة بيرون عن أعمالها الكاملة. والشاعر المغربي الامازيغي احمد الصادقي الذي اصدر ديوانه الأول "نداء الأرض" باللغتين الامازيغية والهولندية. والشاعر والكاتب الهولندي سيمون فينك الذي اشتهر بديوانه "جرح الحمى" والحاصل على جائزة مؤسسة كمبر، ويعد من أشهر الشعراء الهولنديين. مصطفى ستيتو الشاعر المغربي الحاصل على جائزة رمكو... ويعتقد النقاد الهولنديون ان ستيتو يمكن أن يكون من الشعراء المهمين. روب سخوتن شاعر وكاتب وصحافي هولندي يشرف على تحرير النتاجات الشعرية التي تنشر في المجلة الثقافية الاسبوعية "هولندا الحرة". نعيمة البزاز روائية مغربية اشتهرت من خلال روايتها "الطريق الى الشمال" والتي تعالج من خلالها مشكلة هجرة الشباب المغربي الطامح الى الهجرة مستهيناً بكل الأخطار التي تهدد مصيره. ادريان فان ديس من أشهر كتاب الرواية في هولندا... عرف من خلال برنامجه الشهير الذي حاور فيه أكثر الكتّاب العالميين شهرة، ومن أهم رواياته "الحب المزدوج" التي أثارت ضجة حين صدورها. هذه التظاهرة الثقافية مناسبة مهمة للأجيال المغربية الجديدة وللجالية العربية في هولندا عموماً لأن معظم الأمسيات ستترجم الى اللغة العربية... وقد يدهش المستمع الهولندي حينما يسمع بعض المفردات التي تتكرر في اللغتين اثناء الترجمة... إذ ان معظم الهولنديين لا يعرفون ان هناك أكثر من ألف كلمة هولندية أصلها عربي.