عاشت بيروت يوم الجمعة الماضي، سهرة فنية لا تنسى، مع فرقة تشابي بينيدا القرطبية للباليه الفلامنكي، وكان خلالها التكامل بين الفنانين العشرة المميزي الحضور، وبين الجمهور، أمراً مؤثراً، وتجسد في نهاية الحفلة في التصفيق الحاد وفي الكلمة البسيطة للفنان الذي قال: "ان من الرائع أن أكون بينكم". وقد وصلت الفرقة الى العاصمة اللبنانية، بدعوة من معهد ثرفانتس الاسباني، في بداية جولة خارجية تشمل بيروت وصور، وتمر في مسرح القاهرة، ولتنتقل الى عواصم أخرى كثيرة، لم تحدد مواعيد السفر اليها بعد، وسمت روزا اغيلار - رئيسة بلدية قرطبة - الفرقة سفيرة للمدينة في العالم. حمل تشابي بينيدا الى بيروت، عمله الثاني "ألوان"، وقعه بعد اثر أول عنوانه "الموسيقى الأندلسية الجديدة"، ونال نجاحاً كبيراً في اسبانيا والمغرب وايطاليا. وقد مزج بينيدا في ألوانه، بين فنين يصعب المزج بينهما، وجانس بين نغمات الفلامنكو والألحان العربية الأندلسية، وبين الحان الجاز، ونقلنا في واحدة من ثلاث معزوفات تجسد فيها هذا الابداع. في "الليل" انتقلنا مع صدى أوتار القيثارة وألحان الجاز، الى عالم الفن الراقي، الى رحابة فضاء لا متناه، والى دنيا مليئة بألوان سرية من أحلام وحب. كانت الأصابع التي تعزف بحنان ومتعة على القيثارة، تولد من صمت الوتر احساساً غريباً بالصفاء والجمال، يحتوي المسرح، ويتوغل بحرية في أعماقنا. وفي معزوفة "الزهر" - الاسم عربي - تنقلنا القيثارة - يختلط صدى ألحانها، بضربات قدمي الراقصة مرسيدس رويز على أرض المسرح - الى أجواء عتيقة مفعمة بالسلام في قرطبة الأموية، عاصمة الحياة المثلى، والتعايش الإنساني بين ثقافات ثلاث، يعيش أهلها حياتهم بإحساس مرهف، يستمتعون بالموسيقى، ويتبارون في اقتناء الكتب: قرأت كثيراً عن أمويي قرطبة، واستوقفتني أخبار الناس الذين كانوا يعيشون حياتهم بإحساس عميق مرهف، فتذكرت وأنا أؤلف المعزوفة رائحة الزهر، وكان يبدو لي انني قد عشت قبلاً في مدينة الأمويين، التي تمتع أهلها بمستوى ثقافي واقتصادي مميز قال لي تشابي بينيدا في حديث خاص لي معه. أما معزوفات البرنامج الأخرى: "اليغرياس" أي افراح، "فراشتان"، و"السوليا" أي الوحدة فرافق عزفها دانييل نافارو رقصاً، وجوانا كاستيلو غناء، ولم تقل روعة عن مثيلاتها، فعايشنا طوال وقت الفنون الأندلسية وتجددنا مع ألحان تختصر نبضات حياة جميلة وجديدة، ومع موسيقى القيثارة، تخلد لحظات حب وكراهية، كما في معزوفة "كارمن"، وبلغنا قمة الطرب مع المقطوعة الأخيرة "الليالي العربية" جانس بينيدا من خلالها وبإبداع بين الألحان الأندلسية وبين الموسيقى العربية.