شهدت إحدى أمسيات «مهرجان عمّان جاز» زخماً فنياً وثقافياً مغربياً غير مسبوق في الأردن، بعدما اشتعلت خشبة المسرح بالأغاني الأمازيغية والمقامات الصحراوية. واستضاف المهرجان، وهو الحدث الرئيس الوحيد المخصص للجاز في الأردن والمدعوم من الاتحاد الأوروبي، مجموعات جاز أوروبية، منها سغاييلا من ألمانيا وسينوج من إسبانيا وغروف سونيك من السويد ومانويل روشمان من فرنسا، إضافة الى عروض من إيطاليا وهولندا والأردن ولبنان وتونس. طاقة لا حدود لها بدت واضحة في أولى المقطوعات التي قدمها المغربي عثمان الخلوفي، فمقطوعة «غراينيت» التي استهل بها أمسيته حملت في موسيقاها سهولة وانسيابية في أداء المقطوعة برفقة موسيقيين آخرين. وجمعت المقطوعة بين جمود الموسيقى الوطنية والارتجال الموسيقي الذي يخلو من المقام الثابت، في مزج كان بمثابة البداية الكافية لبث الحماسة في قلوب المستمعين ودفعهم إلى معرفة ما تخفي الأمسية من مفاجآت وموسيقى غير مألوفة بالنسبة الى الجمهور الأردني. ما هي إلا لحظات حتى بدأ عازف الساكسوفون الخلوفي الغناء على موسيقى «النور» التي تحكي عن تجربة شخصية عاشها صديق له كان ملؤها اليأس والإحباط، إلا أنه حاول تبديد هذه الحالة عبر كتابة أغنية «النور» التي احتوت على تناقضات من حيث الكلمات الحزينة والموسيقى الحماسية. أما المقطوعة التالية «Groove Oriental» فهي مختلفة عن مؤلفات الخلوفي، إذ تميّزت بالمزج الواضح بين المقامات الغربية والمقامات المغربية عبر استخدام الآلات التي انبعث منها الإيقاع الإثيوبي الغربي الحزين مع الجاز الكلاسيكي المغربي الهادئ. بدأ عثمان بعدها الإيغال في الثقافات المغربية في شكل واضح، حين عزف مقطوعة «سوق الكلب» التي حملت اسم سوق تجارية في مدينة سلا تتميز بعشوائيتها وتنوّع السلع الكعروضة فيها، وهذا ما اعتمد عليه عثمان في مقطوعته حيث جمع الإيقاعات المغربية بأنواعها وأشكالها في معزوفة واحدة، لا سيما الإيقاعات الغيناوي والصحرواي والجبلي والأمازيغي. وقدم الفنان المغربي أيضاً معزوفة «الديك الأمازيغي» التي تعود به إلى طفولته المبكرة حين كان يحلم حلم بإمساك الديك الأمازيغي في مزارع الدجاج، وبعدما كبر قرر أن يمسك بالديك من خلال هذه المعزوفة من دون أي خوف أو تردد. ويقول الخلوفي ل «الحياة» إن كل معزوفاته تتحدث عن واقعه اليومي وتفاصيل المجتمع المغربي، مؤكداً أنه يعشق تأليف المقطوعات المرتبطة بالتراث الشعبي بكل ما تحمله من تفرعات عبر الموسيقى والإيقاعات. ويلفت إلى أنه تأثر بالأغاني الأندلسية والغرناطية الشعبية وبكل الإيقاعات الموجود في الطقوس المغربية القديمة، مضيفاً أنه يشعر دوماً بمسؤولية نشر هذا النوع من الموسيقى في الدول العربية والغربية من خلال الغناء والعزف. يذكر أن عثمان الخلوفي قدّم 13 معزوفة خلال 4 أمسيات ضمن «مهرجان عمّان جاز» في دورته السادسة.