عندما اقترب منه بعض اصدقائه خلال حفلة تقليده وسام وزارة الثقافة الذي أقيم على هامش الدورة الاخيرة لمهرجان "كان" التفت يوسف شاهين الى أولئك الاصدقاء وقال بفرح بيّن: "في حياتي لم يسبق للنقاد العرب ان كرّموني الى هذا الحد". وحينما لفت الاصدقاء نظر شاهين الى ان "الوسام فرنسي ولا علاقة له بالنقاد العرب"، قال بسرعة وعلى شفتيه ابتسامة ماكرة: "لم أقصد الوسام، بل قصدت العدد الخاص من مجلة "سينما"...". قال ذلك وهو يناولهم نسخة كانت بين يديه من العدد الرابع والعشرين من هذه المجلة التي تصدر بالعربية في باريس وتعتبر، عادة، صوت النقد السينمائي العربي الكبير. فالواقع ان "سينما" كرست عددها الاستثنائي هذا، كله، للحديث عن يوسف شاهين وسينماه تحت عنوان عام وذي دلالة هو "يوسف شاهين: عصفور المشاكسة والغضب". وذلك لمناسبة عرض فيلمه الأخير "اسكندرية... نيويورك" في اختتام تظاهرة "نظرة ما..." في "كان". والحال ان شاهين لم يبد مبالغاً في حكمه على هذا العدد التكريمي، حتى وإن كانت دراسات العدد والشهادات التي ملأته تجاوزت فكرة التكريم الى التأريخ والنقد والتحليل، موفرة لهواة السينما عموماً، والمهتمين بسينما شاهين خصوصاً، مرجعاً قيماً ومتميزاً يضعهم في قلب أعماله، وعلاقة هذه الاعمال بصاحبها، بدءاً بفيلم "بابا أمين" 1950 الذي كان أول ما حققه شاهين، وصولاً الى "اسكندرية... نيويورك"، ومروراً، بالمراحل المختلفة التي مرّت بها سينما، هذا الذي يعتبر، اليوم، اكبر سينمائي عربي، هي من دون منازع. وهكذا كتب سمير فريد عن الفيلم الاول، ومصطفى المسناموي عن "الأرض"، وعلي أبو شادي عن "ثلاثية الهزيمة"، وكمال رمزي عن "عمق الجذور ورحابة الرؤية في سينما شاهين"، ووائل عبدالفتاح عن "وجوه وأقنعة شاهين على خشبة المتعة الذاتية"، اضافة الى كتابات من ديانا جبور وتوفيق حاكم وعصام زكريا، فيما توقف ابراهيم العريس عند "الذات ولغة الذات" في اعمال شاهين الاسكندرانية... وفي العدد اضافة الى ذلك عشرات الصور المستقاة من افلام شاهين كما من ألبومه العائلي الخاص، منها ما ينشر هنا للمرة الأولى. واذا كان النقاد اسهبوا على مدى صفحات "سينما" في الحديث عن سينما شاهين، فإن عدداً من العاملين عادة في هذه السينما، من ممثلين: ليلى علوي، عزت العلايلي، نور الشريف، هدى سلطان... ولبلبة ويسرا، ومن تقنيين: رمسيس مرزوق، ماريان خوري، غابي خوري، يحيى الموجي، سيف عبدالرحمن... أدلوا كذلك بدورهم في شهادات تضع الرجل والفنان في موقعه. اما النص الأهم فكان من شاهين نفسه على شكل حوار طويل أجراه معه، وبه افتتح العدد، رئيس تحرير "سينما" الناقد قصي صالح الدرويش... وفيه اطلالة جديدة ونادرة - واستفزازية احياناً - على حياة شاهين وسينماه، شاهين الذي خاطبه جيل جاكوب، رئيس مهرجان "كان" في رسالة خاصة ب"سينما" قائلاً: عزيزي جو... عندما أفكر فيك، أقف مشدوهاً. مشدوهاً وسعيداً. وتعود بي الذاكرة الى الانسان... الى رجل السينما الذي نال في "كان" عام 1997 أعلى جائزة توجت مساراً وحياة بأكملها...".