مسارعة طهران الى الترحيب بانتقال السلطة الى الحكومة العراقية الموقتة يأتي ضمن رؤية إيرانية محددة لا تخلو من التحفظ كون الحكومة الجديدة غير منتخبة، لكن ذلك لا يؤثر في تعاون إيران مع هذه الحكومة تماماً كما تعاونت مع مجلس الحكم. وتبدو إيران متفهمة لحساسية الوضع العراقي، ولذا فهي تشجع أي خطوة إيجابية على رغم أن مطلبها الرئيس هو الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال، خصوصاً الأميركية والبريطانية من العراق، في ظل المخاوف الأمنية التي تقلق إيران لوجود تلك القوات على حدودها. ويلخص الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي حسن روحاني الموقف الإيراني من نقل السيادة رداً على سؤال ل"الحياة" بالقول: "إن استلام العراقيين زمام أمورهم بأيديهم خطوة إيجابية في حد ذاتها على رغم أن هذه الحكومة غير منتخبة ولا تتمتع بالشرعية السياسية والوطنية". وتحرص دوائر القرار الإيراني على إبقاء الباب مفتوحاً امام الحكومة الجديدة لتسجل نقاطا إيجابية في ممارسة مهماتها. ويتمحور الموقف الإيراني حول دعم المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني في نظرته الى مسيرة انتقال السلطة في العراق. ويوضح روحاني: "كما أشار آية الله السيد السيستاني، إذا استطاعت هذه الحكومة أن تتعامل في شكل جيد مع الشعب العراقي وإذا ما شعر هذا الشعب بأنها تعمل على تحقيق مصالحه فمن الممكن أن يعطي ذلك نوعاً من الشرعية لهذه الحكومة". وأكّد التعاون مع الواقع الجديد في العراق قائلاً: "سنتعاون عملياً مع الحكومة العراقية الجديدة كما تعاونا مع مجلس الحكم، لكن نأمل باختيار حكومة منتخبة من الشعب في أسرع وقت ممكن من طريق الانتخابات". ولم تسجل السياسة الإيرانية المعارضة للاحتلال الأميركي في العراق أي نوع من الصدام مع واشنطن حتى الآن، لا بل أن مصادر مطلعة في أوساط صنع القرار الإيراني تؤكد أن طهران تلقت رسالة شكر رسمية من الولاياتالمتحدة لموقفها من الأوضاع في العراق كما تلقت رسالة مشابهة لموقفها في أفغانستان". الا ان هذه الأوساط تعزو موقفها الإيجابي هذا الى خدمة الشعب العراقي وليس الإدارة الأميركية. ويشرح روحاني هذه المعادلة: "هذا لا يعني أننا نقف الى جانب الأميركيين بل أننا نسعى الى إحلال الأمن والاستقرار في العراق لان عدم الاستقرار فيه يضر بمصالحنا أيضاً. من الممكن أن تكون الولاياتالمتحدة مسرورة لموقفنا هذا لكننا نقوم بذلك من اجل الشعب العراقي وليس من اجل واشنطن". ويسجل المتابعون للشأن الإيراني ارتياحاً قوياً لاقصاء الولاياتالمتحدة ألدّ عدوين لإيران هما نظام صدام حسين في العراق ونظام حركة "طالبان" في أفغانستان، ويعتبرون طهران ابرز المستفيدين مما يجري في العراق وافغانستان بعد واشنطن ولندن. لكن ذلك لا يبدد القلق الايراني الامني، اذ تؤكد مصادر ايرانية ان لدى طهران معلومات مؤكدة عن وجود نشاط استخباراتي كبير لجهاز "موساد" الاسرائيلي في شمال العراق ومناطق عراقية، وهذا القلق ظهر في الموقف الحازم الذي اتخذته الجمهورية الاسلامية من خرق زوارق بريطانية مياهها الاقليمية الاسبوع الماضي. وبحسب معلومات "الحياة" لم يكن هذا الحادث الاول من نوعه، اذ سبق اذ أطلقت مضادات ايرانية النار على مروحيات بريطانية اخترقت المجال الجوي الايراني. ومن الواضح ان ايران ارسلت رسائلها الى كل من بريطانياوالولاياتالمتحدة، ومفادها انه ستكون لطهران سياسة جديدة على الصعيدين الامني والسياسي اذا ما استمرت الضغوط عليها في الملف النووي واذا ما واصلت واشنطن محاولتها تجاوز دور ايران في الترتيبات الامنية للمنطقة.