شهدت القاهرة اخيراً، حدثاً معلوماتياً مهماً يتعلق بالصراع الدولي الدائر بين شركات الكومبيوتر في العالم. فمن المعروف ان صراعاً مريراً يدور في مجتمع المعلوماتية العالمي بين نظام تشغيل الكومبيوتر "ويندوز" Windows، الذي تنتجه شركة مايكروسوفت الشهيرة، ومجموعة من النُظُم الالكترونية المُنافِسَة، وخصوصاً نظام التشغيل "لينوكس" Linux. الذي يتميز بأنه مفتوح، يمكن لأي مبرمج ان يُعَدِّله او يُطَوِّره، بحسب ما يراه مناسباً. وفي المقابل، يُمَثِّل "ويندوز" نظاماً يصنعه خبراء مايكروسوفت، ليناسب برامج تلك الشركة وتطبيقاتها ومنتجاتها. ولا يمكن لاحد ان يُعدِّله، ما عدا خبراء الشركة لانهم وحدهم الذين يعرفون الشيفرة التي يعمل "ويندوز" بموجبها. وترى مايكروسوفت ان حفظ سر الشيفرة يخدم استقرار النظام، الذي تتكفل الشركة بامر حمايته. ويعارض بعضهم رأي مايكروسوفت، ويرى انه من الافضل ان يكون نظام التشغيل مفتوحاً، لان ذلك يُعطي فرصة للمبرمجين المبدعين للتحكم في نظام تشغيل الكومبيوتر، وبالتالي يسهل عملية الابتكار في البرامج والتطبيقات الالكترونية. القاهرة في مهب الصراع الدولي منذ فترة ليست بالوجيزة، تتصارع وجهتا النظر هاتان. وتنحاز شركات صناعة الكومبيوتر الى احد المعسكرين، ويميل بعضها الى الجمع بينهما! ومنذ العام الماضي، اصبح الشرق الاوسط ساحة جديدة في هذا التجاذب الدولي، و... كما في السياسة، كذلك في الكومبيوتر! ولم تبق القاهرة بمعزل عن مهب التجاذب الدولي. وشهدت اخيراً مهرجاناً له صلة مباشرة بهذا الصراع المستعر. فقد اجتمع فيها اخيراً العشرات من مستخدمي نظام التشغيل المفتوح "لينوكس" Linux في أول مهرجان من نوعه في الوطن العربي. واستضافته قاعة الحكمة في ساقية عبد المنعم الصاوي الثقافية. واغتنمت "مجموعة مستخدمي لينوكس في مصر" المهرجان فرصة لتعريف الحاضرين بذلك النظام وتطبيقاته. وثبَّتت نسخاً مجانية من "لينوكس" على الحاسبات التي اصطحبها الجمهور إلى المهرجان. شارك أكثر من عشرين متطوعاً في تنظيم المهرجان، جاؤوا من تخصصات مختلفة، بعضها بعيد من عالم الكمبيوتر. أعدت هذه المجموعة ثلاث نشرات تعريفية حول "لينوكس" باللهجة العامية. قدمت النشرات معلومات حول النظام ومزاياه بالنسبة للمستخدم العادي. واهتمت بالمستخدم الذي يعتمد على الكومبيوتر في إنجاز أعماله، فعرَّفَته بالبدائل المتاحة للتطبيقات المرتبطة بنظام "ويندوز" المنافس. وهدفت الى تأكيد على ميزات الأمان والسرعة الفائقة في التعامل مع الشبكات، التي تُمَيِّز عمل "لينوكس". "هذا الحدث له أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية... المسألة ليست أي البرامج أفضل ولكنها مسألة من يملك المعلومات ومن يحق له استخدامها... السؤال هو: "هل سنتعاون معاً أم سنظل في منافسة محمومة لا تنفع إلا قلة". بتلك الكلمات، عَبَّر علاء عبد الفتاح، مُنَسِّق المهرجان، عن رأيه خلال حديثه الى "الحياة". واضاف: "تُمَثِّل مجموعة "لينوكس مصر"، إحدى المجموعات العربية التي تستخدم ذلك النظام المفتوح. وتسعى الى نشره وتطويره عربياً. وتمكنت من تعريب واجهات عدة تعتمد على تطبيقاته. وتقدم المجموعة عينها الدعم الفني للمستخدمين، وهو امر يغيب في العادة، مما ساهم في ضعف انتشار "لينوكس" عربياً. الوقت يعمل لمصلحة من؟ يعتقد بعض خبراء التكنولوجيا الرقمية أن انتشار "لينوكس" "مسألة وقت"، كما صرح اخيراً جوزف حنانيا المدير الإقليمي لمجموعة "هيوليت باكارد" في الشرق الأوسط. وقد حققت "هيوليت باكارد" مبيعات هائلة تخطت 5،2 بليون دولار في العام الماضي من منتجاتها المرتبطة بالنظم المفتوحة، مما دفعها إلى إعلان خطط لزيادة استثماراتها فيه. وفي سياق مشابه، رعت شركة "صن مايكروسيستمز" العالمية في دبي منتدى "لينوكس في كل مكان"، خلال شهر اذار مارس الفائت. وقدمت خلاله عدداً من النماذج الناجحة لاستخدامه في ابتكار تطبيقاتApplications متعددة. في الكويت، عقدت ثلاث شركات كبرى تحالفاً في ما بينها، في مطلع العام الحالي، يهدف الى توسيع استثماراتها في تطبيقات "لينوكس". واعتمدت البحرين النظام عينه كأساس لمشروعها عن الحكومة الإلكترونية. وطورت شركتا "أوراكل" و"انتل" عدداً من منتجاتهما لتتلاءم مع النظام المفتوح المصدر. وأطلقتا أجهزة متخصصة في العمل معه، عُرِضَت في معرض "جيتكس دبي" قبل عامين. والحال ان المعرض نفسه شهد إطلاق عدد من النسخ المعربة من "لينوكس"، وفي مقدمها النسخة التي أطلقتها شركة "اي بي ام" IBM العالمية. تنبئ هذه المؤشرات بزيادة متوقعة خلال الأعوام المقبلة في حجم الاستثمارات العربية المرتبطة ب"لينوكس"، وبالتالي زيادة انتشاره جماهيرياً. وفي اتجاه مغاير، يرى المهندس أحمد الحسيني، خبير النظم الالكترونية، أن التعاقدات التي أبرمتها الحكومة المصرية مع "مايكروسوفت" في مشروع الحكومة الإلكترونية، تمثل عقبة كبيرة أمام انتشار "لينوكس" محلياً. ويتفق أحمد عدلي، مُطَوِّر اعمال على الانترنت، مع ذلك الرأي. ويضيف: "يواجه انتشار النظم المفتوحة عقبات كثيرة محلياً، أهمها الخوف من التغيير، إضافة إلى لجوء غالبية الشركات إلى مايكروسوفت لإنجاز البنية التكنولوجية لأعمالها". لكنهما يلفتان إلى تراكم مؤشرات إيجابية عن انتشار "لينوكس" في الفترة الاخيرة. ربما كان العائق أمام انتشار هذا النظام عربياً هو ما يشاع حول صعوبة التعامل معه، لكن إصداراته الأخيرة ذات الواجهات الجذابة نجحت في جذب قسم مهم من الجمهور. فوصل عدد المشتركين في "لينوكس مصر" إلى أكثر من ألف وثلاثمئة عضو. وتوضح استطلاعات الرأي أن النسخة التي تصنعها شركة "ريدهات" من هذا النظام المفتوح، تتصدر القائمة يليها "سيوز" و"ماندريك" بفارق ضئيل، ثم يأتي "ديبيان" و"سليكوير" وغيرها في ذيل القائمة. ويرجع انتشار نسخة "ريدهات" الواسع إلى ثباتها، وكذلك شيوع استخدامها في خوادم الإنترنت. أما "ماندريك" و"سيوز" فيتميزان بسهولة الاستخدام وواجهات التشغيل الجذابة ودعمهما لعدد كبير من بطاقات وأجزاء الكومبيوتر. ويعاني "ديبيان" من سمعة سيئة بسبب مشاكله الكثيرة. في حين يقتصر انتشار "سليكوير" على المبرمجين المحترفين. مِنْ صُنع طلبة فنلندا الجدير بالذكر أن نظام "لينوكس" طوره الفنلندي لينوس تورفالدس عام 1991، حينما كان طالباً في جامعة هلسنكي. وينتمي إلى فئة أنظمة التشغيل "مفتوحة المصدر" Open Source، وهي تلك التي يمكن لأي مستخدم إدخال تعديلات على نظام عملها لتلائم احتياجاته الشخصية، على غرار ما تفعله المجموعات التي تعرف بمجموعات مستخدمي لينوكس LUG Linux Users Groups، التي يطوّر اعضاؤها البرنامج ويدخلون تعديلات على شيفرة المصدر الخاص بالنظام Source Code، وينقلونها إلى بقية المستخدمين من أعضاء المجموعات الأخرى. يقدر عدد مستخدمي "لينوكس" عالمياً بنحو 18 مليون مستخدم. ويتميز هذا النظام بالأمان الشديد ضد أخطار القرصنة والسرعة الفائقة في نقل البيانات عبر الشبكات، إضافة إلى كونه وسيطاً جيداً بين أنظمة التشغيل المختلفة في الشبكات الرقمية. وجعلته هذه الميزات قوي الانتشار في قطاع الأعمال المؤتمتة، أكثر منه لدى الجمهور العام للكومبيوتر. "يكفي أنه ليس أميركياً"، يقول احد المتخصصين في هندسة الشبكات، عندما تسأله عن سر حماسته في الترويج لنظام "لينوكس". وربما وجد مناهضو سياسات الاحتكار والعولمة الاقتصادية في "لينوكس" مهرباً من سيطرة "مايكروسوفت" الأميركية على سوق البرمجيات وأنظمة التشغيل العالمي، من خلال نظام "ويندوز" الأكثر انتشاراً.