مع عودة سوق "نازداك" إلى التعافي نسبياً، ضمن انتعاش الاسواق بعد الحرب على العراق، عادت اجواء التنافس الحاد بين شركات المعلوماتية. وفي مقدم ما عاد إلى التجدد، ذلك الصراع المعلن-الخفي بين نظم التشغيل المختلفة، أي النظم الاساسية التي تدير قلب اعمال الكومبيوترات والخوادم Servers وما اليها. في هذه الاجواء، عاودت نظم التشغيل المفتوحة المصدر Open Source Operating Systems اشعال نيران المنافسة في عالم المعلوماتية. في الطليعة من هذه النظم، يأتي نظام التشغيلLinux "لينوكس" الذي ابتكره الطالب، حينها، الفنلندي لينوس تورفالدس، مع مجموعة صغيرة من اصدقائه. لماذا الاهتمام ب"لينوكس"؟ اساساً لأنه يشكل بديلاً محتملاً لنظام التشغيل "ويندوز" Windows الذي تنتجه شركة "مايكروسوفت" العملاقة، والذي يعرفه قسم كبير من القراء باعتباره يدير 95 في المئة من الكومبيوترات في الدول العربية. ويتميز "لينوكس" بانه مفتوح، أي ان الشيفرة التي يكتب فيها معلنة، على عكس الشيفرة الشديدة السرية ل "ويندوز". وبعبارة اخرى، فان أي مبرمج في امكانه ان يعدل فيه على هواه وبما يناسب احتياجاته. ويعمل على أي نوع من انواع الاجهزة الرقمية. والاهم انه شديد الثبات في الاداء. وتعتمده معظم اسلحة الجيش الاميركي في شبكاتها الرقمية الفائقة الاهمية وكذلك عدد من شركات الطيران والهاتف في اميركا واوروبا. والسبب الاخر للاعتماد عليه هو شدة مناعته ضد فيروسات الكومبيوتر. وقبل كل سبب وبعده، فان "لينوكس" رخيص الثمن تماماً. ارخص بكثير من "ويندوز". ولهذه الاسباب، وغيرها كثير، شكل "لينوكس" هاجساً مستمراً لمنافسيه، وخصوصاً "مايكروسوفت". "لينوكس" في عالم الاعداء وفي نيسان ابريل الماضي، صرح لاري ايليسون، مدير شركة "اوراكل" ثاني اكبر شركة لبرمجيات الكومبيوتر في العالم، ان "لينوكس" يهدد "مايكروسوفت" بالزوال! في التصريح مبالغة واضحة. انه كلام اعداء. يحتوي الكلام ايضاً على ذرة من الحقيقة. الواضح ان "لينوكس" ينتشر باطراد. وتميل اعداد متزايدة من الشركات الى استخدامه. وانتشر في صفوف خوادم الشبكات الرقمية، وكذلك الاجهزة التي تحتوي على قواعد بيانات كبيرةDataBase وما إلى ذلك. وفي قائمة الشركات التي اعتمدته اخيراً شركات "بوينغ" للطيران و"ميريل لينش" للاعمال المالية و"فيريزون" للاتصالات وغيرها. ويرافق هذا الصعود المطرد نوع من "الانقسام" في صفوف شركات المعلوماتية العالمية. وفي العالم العربي، يطرق "لينوكس" الابواب بقوة، خصوصاً في هذه السنة التي شهدت دخوله الرسمي إلى السوق الخليجي. وبالتعاون مع شركات مثل "آي بي ام"IBM اقام لينوكس عدداً من المسابقات والندوات وورش العمل، وخصوصاً في البحرين ودبي. ولم يكن غريباً ان يخلص تقرير حديث لشركة "غارتنر"، المتخصصة في مراقبة اعمال الشركات الرقمية واسواقها، إلى ان "لينوكس" بات بديلاً موثوقاً من "ويندوز" و"يونيكس" بالنسبة إلى شركات الاعمال المختلفة. خنادق متداخلة معلوماتياً ومن المفارقات يكون اول "المتضررين" من صعود لينوكس هو نظام "سولاريس" Solaris الذي تصنعه شركة "صن مايكروسيستمز". ويعمل "سولاريس" اساساً في ادارة خوادم الشبكات الالكترونية. وفي المقابل، فان شركة "صن مايكرو سيستمز" هي من اشد منافسي "مايكروسوفت". وفي مؤتمرها السادس عن لغة الانترنت "جافا وان"Java One الذي اختتم اخيراً في مدينة سان فرانسيسكو الاميركية، تأكد ميل هذه الشركة إلى دعم نظام "لينوكس". والمعلوم انها صنعت، في السنة الفائتة، اول خوادمها الذي يعمل بواسطة النظام الذي ينافسها "لينوكس"! ويقل ثمن الخوادم التي تعمل بنظام "ويندوز" عن تلك التي تعمل بنظام "سولاريس". ومكن هذا الامر ل"مايكروسوفت" ان تنافس "صن مايكرو سيستمز" بقوة في سوق الخوادم. وفي المقابل، يقل ثمن الخوادم التي تعمل بنظام "لينوكس" عن تلك التي تعمل بنظام "ويندوز"، ما يؤهله للمنافسة الشديدة مع "مايكروسوفت". ولعل ذلك من اسباب دعم "صن..." ل "لينوكس". انه عالم المصالح المتداخلة في عالم المعلوماتية. ويحوز "لينوكس" ثقة شركة "آي بي ام"IBM وشركائها. والحال ان IBM تتبنى دخول "لينوكس" إلى السوق العربي. وعلى مسافة قريبة من ذلك، تأتي شركات مثل "هيولييت باكارد" و"ديل"، وهما من كبار صناع كومبيوترات المكتب والحاسوب المحمول وكومبيوتر اليد واللوح، اضافة إلى انواع اخرى من الاجهزة الرقمية. وفي السياق نفسه، يصعب تجاهل ميل شركة "انتل"، عملاق صناعة رقاقات الكومبيوتر، إلى وضع نظام "لينوكس" على مجموعة كبيرة من رقاقاتها الاكثر تطوراً. وغني عن القول ان كثيراً من الشركات الواردة اعلاه تتبنى "لينوكس" كاختيار آخر، أي انها تصنع منتوجات تعمل بواسطته واخرى تشتغل بواسطة نظام "ويندوز". انه نوع من التعددية الجديرة بالاهتمام تماماً. ولا يخلو الامر من شبه لما يحصل في السياسة. وفي كلتا الحالين، فان التعددية هي مدخل الى مناخ ديموقراطي، والى الخروج من اسر النمط الواحد. وهنا تجدر الإشارة الى ان غالبية مسؤولي المعلوماتية العرب، وخصوصاً في الجامعة العربية، لا يعطون لمسألة التعددية اهتماماً مناسباً. ولا تسمع مسؤولاً عربياً ينبِّه إلى خطورة ان يسيطر نظام واحد بعينه، مهما كان نوعه وصفاته، على المعلوماتية العربية. قريباً: صراع الديكة! ومن الواضح ان المنافسة الاشد التي يلاقيها نظام "ويندوز" تدور رحاها الاساسية في الخوادم التي تدير الشبكات. انها ساحة بعيدة من اعين جمهور الكومبيوتر، اي مستخدمي الكومبيوتر في المكتب والمنزل. وتتجه الامور نحو "صراع ديكة" على الشاشات التي يبحلق فيها الجمهور الالكتروني. وفي هذا المجال، فإن "مايكروسوفت" هي الاقوى. وكما ورد آنفاً، يدخل نظام "ويندوز" على تسعين في المئة من أجهزة مستخدمي الحاسوب في العالم. هذه نسبة وسطية. وتتدنى النسبة الى 85 في المئة في اوروبا. ومع توجه شركات متعددة الى وضع "لينوكس" في اجهزتها الالكترونية، خصوصاً الكومبيوترات المتنقلة واللاسلكية، فان المنافسة مع "ويندوز" ربما تصبح قريباً صراعاً على استمالة المستخدم الفرد. ومرة اخرى، يراهن "لينوكس" على قوة ادائه وثباته ومناعته حيال فيروسات المعلوماتية. وتراهن "مايكروسوفت" على المستوى المتطور ل "ويندوز"، وعلى ألفة الجمهور العام معه، وعلى سهولة استخدام التطبيقات Applications المرتبطة به. والحال ان تطبيقات مثل معالج الكلمات "مايكروسوفت ورد" وبرنامج المحاسبة "اكسل" وتطبيق عرض الشرائح "باور بوينت" هي شديدة الشيوع، وتتوافر لدى جمهور المستخدمين خبرة واسعة في استخدامها ما لا يسهل انتقالهم الى تطبيقات اخرى. ويزيد في تعقيد الموضوع ان استخدام "لينوكس" يتطلب بعض المهارات التي ربما لا تتوافر لدى الجمهور العام للكومبيوتر. وفي المقابل، فإن ذلك يتيح للشركات الصغيرة والمحلية انتاج تطبيقات تتوافق مع متطلبات كل جمهور، بل كل فئة وشريحة ومجموعة، على حدة. وهناك جوانب اخرى لهذا الموضوع المعقد تحتاج الى نقاش مستقل. ترى ماذا تكون نتيجة هذا الصراع الحاد بين "لينوكس" و"ويندوز"؟