قدرت منظمة العمل العربية في تقرير ستناقشه اليوم عدد العاطلين عن العمل في البلدان العربية عام 2003 بحوالى 23.8 مليون عاطل، بمعدل بطالة يتجاوز 21 في المئة، مع الأخذ في الاعتبار أوضاع العراق الراهنة. وقالت المنظمة إن أوضاع البطالة فى البلدان العربية هي الأسوأ بين جميع مناطق العالم من دون منازع وفي طريقها لتجاوز الخطوط الحمراء، اذ يتجاوز معدل البطالة العام 20 في المئة وأقرب المعدلات سوءاً هو في افريقيا جنوب الصحراء 14.4 في المئة والبلدان الاشتراكية سابقاً 13.5 في المئة ولم يتجاوز هذا المعدل 9.9 في المئة في اميركا اللاتينية و6.7 في المئة في دول جنوب أسيا والبلدان الصناعية وأقل من ذلك لبقية مناطق آسيا أقل من 4.2 في المئة. كان حجم القوى العاملة العربية عام 2000 قرابة 104 ملايين عامل وعاملة وارتفع عام 2003 الى 113 مليوناً، بمعدل نمو يقارب ثلاثة ملايين سنوياً، وهو معدل يقل عن عدد الداخلين الجدد لسوق العمل هذه السنة وهو 3.4 مليون. ويتوقع ان يتزايد عدد الداخلين الجدد لسوق العمل العربية خلال السنوات المقبلة ولمدة عقد ونصف العقد، ويظهر بعد ذلك انخفاض تدرجي له كنتيجة لانخفاض معدلات نمو السكان التي لوحظت منذ أعوام قليلة. ومقابل المعدل العالي لنمو القوى العاملة في الدول العربية، لم يزد اجمالي الناتج المحلي على 2.2 في المئة عام 2001 12 بلداً عربياً، وربما يكون قارب معدل نمو القوى العاملة عام 2002. وتأثر هذا الناتج سلباً بأحداث 11 أيلول سبتمبر عام 2001 وخصوصاً في مجالي السياحة والنقل وانخفاض عوائد النفط، علماً ان أسعار النفط تحسنت في العام الماضي والسنة الجارية. ولا شك أن لحال عدم الاستقرار والاضطرابات الداخلية والمشاكل الأمنية الأثر الكبير في هذا التردي وتأثر بذلك عدد كبير من الدول العربية أكثر من تسع دول. وحسب بعض التقديرات فإن معدلات نمو اجمالي الناتج المحلي العربي المرغوبة يجب أن تتجاوز 4.7 في المئة سنوياً، وذلك لاستيعاب الداخلين الجدد في سوق العمل وجزء من المتعطلين عن العمل، وهذا يعني تقريباً مضاعفة معدلات النمو التي كانت سائدة في التسعينات نحو 2.9 في المئة. ومع ذلك يلاحظ أن بعض البلدان العربية حقق نمواً في ناتجه يتجاوز النمو في القوى العاملة، مثل البحرينوالأردن والمغرب وقطر والسودان وتونس والإمارات. ولا يتوافق هذا النمو للدخل مع النمو في فرص العمل بصورة مقاربة إلا في حالات نادرة. وإلى جانب القصور في نمو فرص التشغيل هناك تآكل الدخول للعاملين فعلاً، وولد هذا فقراً بين المشتغلين أنفسهم، وقدرت منظمة العمل الدولية الفقراء بين المشتغلين حوالى 6.8 مليون عامل عربي. ويرتبط هذا الأمر أيضاً بتردي مستويات إنتاجية العمل في البلدان العربية، فهي نصف ما في كوريا الجنوبية. وفي حال مصر مثلاً لا تمثل إلا 16 في المئة من الانتاجية المماثلة في الولاياتالمتحدة، وليس غريباً عندئذ أن تتجمد الأجور الحقيقية طوال حقبة التسعينات في هذا البلد وتتراجع في بعض البلدان الأخرى. ويرصد التقرير ملاحظات عدة في مقدمها: لم تعد هناك بلدان محصنة ضد البطالة، وكان يعتقد ذلك قبل سنوات في حال البلدان الخليجية العربية، فما يبعث على الدهشة أن معدل البطالة في أكبر هذه البلدان حجماً وتشغيلاً واستقبالاً للوافدين وهي السعودية تقارب 15 في المئة بين السعوديين. وتعلن الأجهزة الرسمية فيها ان هذا المعدل قرابة 9.6 في المئة. وكذلك الأمر في عُمان حيث تجاوز هذا المعدل 17.2 في المئة عام 1996 ولعله أقل من ذلك الآن، أو قطر 11.6 في المئة عام 2001 أو ليبيا 11،2 في المئة عام 1998، وهي بطالة ذات طبيعة خاصة أقرب ما تكون إلى البطالة الهيكلية وأسبابها سياسات التعليم والتدريب وسياسات الاستقدام. ومن الملاحظات كذلك أن المعدلات العالية للبطالة في كثير من الحالات ليست قدراً محتوماً ولكنها تعود لأوضاع استثنائية، مثل حالات انعدام الأمن والتفكك وحالات الاعتداء الخارجي، أو لحالات سوء إدارة سوق العمل، وهي حالات قابلة للتجاوز إذا بقيت بين العرب إرادة كافية للبقاء واتجهت بلدانها إلى الرشادة في الحكم. أما عن الجانب السكاني فإن ضغطه يتوقع ان يخف خلال عقد تقريباً. ومن الملاحظات أيضاً أنه لم يعد في قدرة بلدان منفردة أن تعالج مشاكلها الخاصة بالبطالة والتشغيل لوحدها، فالتنمية المجزأة القابعة خلف الحدود لم تعد تجدي أحداً في وقت تتدافع فيه ضرورات الانفتاح من ناحية والتكتل الاقليمي الاقتصادي من ناحية ثانية. وفي وضع التشغيل في البلدان المنتجة للنفط أكبر الأدلة. ومن أوضح الصور للبطالة وأخطرها ما يمس الشباب والمتعلمين منهم بوجه خاص، فذلك أمر كفيل بتقويض السلام الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي وهدر استثمارات اجتماعية ومكتسبات اقتصادية. البطالة بين الشباب بلغت معدلات البطالة بين الشباب مستويات غير مسبوقة بلغت 54.1 في المئة عام 2000 بعد أن كانت 34.3 في المئة عام 1990 في الجزائر، وفي مصر انخفضت عام 2001 عما كانت في 1995 لتصبح 25 في المئة، وفي لبنان ترتفع للشباب اليافع 15 - 19 إلى 28.6 في المئة لكنها تنخفض للفئة 20 - 24 إلى 17.8 وترتفع في المغرب إلى 38 في المئة. وتمثل هذه البطالة النصيب الأكبر من العاطلين عن العمل في كل البلدان العربية، فيبلغ هذا النصيب أقصاه في البحرين بنسبة 65 في المئة وتقارب النسبة 40 في المئة في فلسطين والمغرب بين الحضر. أما تأثر الإناث أو الذكور بهذه البطالة بين الشباب فالحالات مختلفة، فكان للذكور في الجزائر حظ ثلاث إناث من البطالة وبالعكس في مصر للإناث حظ الذكرين وتقع لبنان بينهما. أما في البحرين فيكاد يتساوى حظ الجنسين. ويلاحظ على هذه النسب تغيرها في الزمان بسرعة، وكان للسياسات الفاعلة والظروف المحيطة أثر سريع سلباً وإيجاباً فيها. والظاهرة الأشد إيلاماً في بطالة الشباب هي بطالة حملة المؤهلات الدراسية، فبها تبدو مؤسسات التعليم والتدريب وكأنها مولدة للبطالة والدخول المنخفضة، وتزيد جهود التنمية البشرية هدراً. واتسعت هذه الظاهرة في مصر خصوصاً لحملة المؤهلات المتوسطة الذين يمثلون ما يزيد على 70 في المئة من المتعلمين العاطلين وبالمقابل فإن 4.1 في المئة فقط من المتعطلين هم من الأميين ونسبة أقل بين من يعرف القراءة والكتابة 2.5 في المئة. وهي حال متطرفة لكنها أصبحت طابعاً شائعاً في البلدان العربية، في الجزائر والمغرب وتونسوعمانوالأردن وسورية. وهناك جانب آخر يجب أن يؤخذ في الحسبان حسب التقرير وهو أن ارتفاع معدلات البطالة بين حملة المؤهلات الدراسية لا يعني بالضرورة تدهور أوضاع التشغيل لهذه الفئة. وقد يعني في جانب منه توسع هذه الفئة بازدياد معدلات الاستيعاب في مختلف مراحل التعليم. ويظهر هذا الاعتبار في حالة تونس حيث يتغير توزيع القوى العاملة فيها حسب المستوى التعليمي بين الفترتين 1948 - 1994. برامج تشغيل الشباب أصبح تشغيل الشباب مشكلة حيوية تواجه البلدان العربية وتهدد السلام الاجتماعي فيها وذلك منذ عقدين. وأغلب الجهود اندمج في برامج الاصلاح الاقتصادي المنفذة ضمن شبكات الأمان الاجتماعي، باستثناء تلك الجهود المبذولة في البلدان العربية المنتجة للنفط التي كان دافعها تأكيد حق المواطن في فرصة عمل. وبدأت المعالجات من خلال جهود موجهة لتشغيل الخريجين ثم توسعت بعد ذلك. ففي المغرب شكل المجلس الوطني للشباب والمستقبل 1991 وأعد ميثاق وطني لتشغيل الشباب وتنمية الموارد البشرية 1991 واشتمل الميثاق على ضرورة الحوار والتشاور والتفاوض والتعاقد والتضامن لتحقيق أغراض الميثاق. وظهر الجهد كعمل جماعي يعتمد على الحوار والتفاهم بين الشركاء الاجتماعيين، وعُيّن لغرض تشغيل الشباب مسؤولون في الأقاليم والعمالات محافظات ولجان محلية لتحقيق الغرض. ونجح هذا الجهد في توظيف 22 ألف شاب خصوصاً من المهندسين والتقنيين. كما اتخذ المغرب عدد من الإجراءات 22 إجراء لتشغيل الشباب في الوسط القروي واندمجت في جهود تنمية المجتمع القروي. والى جانب ذلك حددت إجراءات أخرى 31 إجراء لتشغيل الشباب عامة، كما تم إعداد برنامج استعجالي لإدماج الشباب من حاملي الشهادات. واستمر المجلس الوطني للشباب في اتخاذ إجراءات متتالية للتخفيف من مشكلة تشغيل الشباب وكان من بينها مكتب تشغيل يختص بخريجي الجامعات. وفي الجزائر بدأت معالجة المشكلة بإنشاء صندوق لتشغيل الشباب عام 1989 وشكلت لجان في كل ولاية لتوفير فرص العمل للشباب. وطور العمل بإنشاء جهاز للإدماج المهني للشباب عام 1990 في إطار وزارة العمل والحماية الاجتماعية وكان لهذا الجهاز 54 مندوباً في ولايات الجزائر. وكان أهم جهد أنجز إنشاء"التعاونيات بين الشباب"التي تمول ب30 في المئة كمنحة ويكفل الباقي البنوك، هذا إضافة إلي إيجاد فرص عمل موقتة 3-12 شهراً بأجور توازي الحد الأدنى المضمون لها. وخلال الفترة 1990 - 1994 تم ايجاد 64 ألف فرصة عمل، كما أنجزت جهود في مجال التدريب المهني لدعم التعاونيات تلك بشكل خاص، وأمكن بهذه الآلية تشغيل 125 ألف شاب 65 في المئة في الأنشطة الحرفية، 20 في المئة في الزراعة، 10 في المئة في الخدمات وخمسة في المئة في مجال الصيد البحري. وتطورت هذه العناية بتشكيل المجلس الأعلى للشباب عام 1995 الذي يتألف من 164 عضواً لا يمثل الأجهزة الحكومية بينهم غير 24 والباقي يمثلون جمعيات واتحادات شبابية. وظهرت من هذه الجهود بعض السلبيات استوجبت إعادة تنظيم تشغيل الشباب من حيث الإدارة المالية وآلية القروض ولكن تم الحفاظ على التوجهنفسه. وفي عام 1996 تم إنشاء الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب ثم أنشئت وكالة التنمية الاجتماعية، وهناك برنامج ثالث ذو علاقة هو النشاطات ذات المنفعة العامة، وبدأ هذا النشاط منذ عام 1994. وهناك برنامج رابع هو عقود ما قبل التشغيل للشباب في السن 19 - 53 سنة، وحتى نهاية عام 2000 تم إيجاد 35344 فرصة عمل لخريجي الجامعات. الى جانب ذلك هناك برنامج لدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة خصصت لها وزارة وتم حتى نهاية عام 2000 إنشاء 30 ألف مؤسسة صغيرة وفرت ما يقارب 65 ألف فرصة عمل. وفي مصر، تبلورت جهود تشغيل الشباب في الصندوق الاجتماعي للتنمية الذي رصد له اعتمادات مهمة نصفها من الموازنة العامة. وأنشىء الصندوق ضمن شبكة الأمان الاجتماعي والتي تمثل أحد مكونات برنامج الاصلاح الاقتصادي فيها. واهتم الصندوق بدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة ودعم القوى العاملة على المستوى الجغرافي والمهني والتدريب التحويلي وأمكن بهذه الأنشطة تنمية فرص عمل موقتة ودائمة بحجم مهم. الى جانب ذلك نفذت مشاريع لصالح الخريجين مثل تمليك أراض زراعية مستصلحة لهم واستفاد من ذلك ما يزيد على 51 ألف شاب خريج. وفي الأردن، بذلت جهود للتشغيل اقترنت بجهود صندوق التنمية والتشغيل في الأردن عام 1991 واندمجت أيضاً في جهود الاصلاح الاقتصادي. وبقيت جهود الصندوق محدودة لضعف الموارد، إلا أن جهداً آخر في مجال تشغيل الشباب تبذله جهات عدة منها صندوق المعونة الوطنية وصندوق الزكاة وصندوق الملكة علياء للعمل الاجتماعي والتطوعي والاتحاد العام للجمعيات الخيرية. وبدأت موريتانيا نشاطاً لصالح توظيف الخريجين، كما سعت اليمن من خلال صندوق التنمية الاجتماعية فيها إلى حل بعض مشاكل تشغيل الشباب. واعتمدت البحرين على إعادة تنظيم توظيف الوطنيين بجهود نشطة وإجراءات تحفز القطاع الخاص على تشغيل المواطنين. وبدأت تونس برامج لتشغيل الشباب منذ عام 1981 ونضجت تجربتها بإصدار قانون ينظم ذلك عام 1993 وأبرز تلك البرامج ثلاثة منها، وأهم عناصر البرنامج الأول كانت تنفيذ عقود تربط بين التدريب والتشغيل لذوي التعليم المتوسط واستفاد منه قرابة 3500 شاب. واعتمد الثاني عام 1988 على إعداد الشباب للحياة المهنية أدمج 60 في المئة من الشباب المعني بمتوسط 2000 كل سنة واستوعبهم جميعاً القطاع الخاص. أما البرنامج الثالث فهو مثل سابقه، لكنه موجه إلى حملة الشهادات الجامعية واستفاد منه قرابة 14 ألف شاب استوعب القطاعان الحكومي والعام نسبة 38 في المئة منه. ومع تنفيذ برامج الاصلاح الاقتصادي أنشىء صندوق الإدماج والتأهيل المهني 1991عام باتفاق مع البنك الدولي ولمدة ثلاث سنوات واستفاد منه 8000 طالب عمل التحق الكثير منهم بصناعة النسيج والملابس الجاهزة بجانب ذلك هناك أنشطة قديمة ومستمرة لدعم الصناعات الصغيرة والحرفية ولتطوير الريف. وفي عمان شرع في نشاط صندوق تنمية مشاريع الشباب عام 1998 وهو مختلف عن نظيره في البلدان الأخرى، إذ يمثل شركة مساهمة عمانية محدودة تهدف إلى تشجيع الشباب العماني على الدخول في مجالات الأعمال الحرة وإنشاء أو امتلاك مشاريع صغيرة من خلال دعم مالي 50 في المئة من رأس المال أو قروض في حال العوز ودراسات الجدوى وتسهيل الحصول على تراخيص. الى جانب ذلك نفذت شركة"شل"العالمية مبادرة عرفت في بلدان أخرى بشريان الحياة وفي عمان تحت عنوان"انطلاقة"وذلك عام 1997 وهدفها تطوير الفكر التجاري والمبادرة الحرة بين الشباب ويسهل المشروع فرص التدريب والإدارة والتوسط في التمويل، لكن أهم البرامج هو برنامج سند.