القاهرة - "الحياة" -حذرت "منظمة العمل العربية" من أن وضع القوى العاملة في البلدان العربية لا يدعو الى الارتياح بل يحفز على القلق. ونبهت في تقرير انجزته أول من امس تحت عنوان "اوضاع القوى العاملة والتشغيل في البلدان العربية" الى ان وضع القوى العاملة لا يزال على حاله منذ سنوات، في إشارة الى أن ما تحقق على صعيد تشغيل هذه القوى وتأهيلها يهدد المستقبل بشكل خطير. ونبهت الى أن مصير الوطن العربي سيكون بائساً في ظل جهل غالبية السكان مبادئ القراءة والكتابة والحساب في وقت يترسخ فيه ما يعرف ب"الثورة التكنولوجية" في تاريخ البشرية. وشدد التقرير على ان الهوة ما زالت كبيرة بين الوطن العربي والعالم المتقدم، وقال ان درجة التبعية للاخير شديدة الى درجة تؤثر سلباً على تطلعات الوطن العربي نحو التقدم. واكد صحة المخاوف التي احتواها تقرير "الاستراتيجية العربية لتنمية القوى العاملة" التي اقرت عام 1985، كذلك ما اورده البنك الدولي في تقريره عن التنمية في العالم عام 1995، والذي جاء في ملحق بعنوان "هل تزدهر اوضاع العمال العرب في القرن الواحد والعشرين ام سيفوتهم القطار؟". ويبدو واضحاً أن صورة الاوضاع قاتمة في ما يخص العمالة العربية والتبعية التي تعاني منها المنطقة والتي ازدادت رسوخاً بحكم آليات العولمة. نمو مرتفع للقوى العاملة يقدر حجم السكان ذوي النشاط الاقتصادي بنحو 104 ملايين حسب احصاءات عام 2000. وتشير التقديرات الرسمية المعتمدة من قبل البلدان العربية الى ان العدد بلغ 94 مليوناً عام 1997. ويعمل قرابة خمسة ملايين من العمال المهاجرين في بلدان غير بلدانهم. ويبلغ حجم المتنقلين منهم في البلدان العربية 5.3 مليون الى جانب 3.4 مليون من الوافدين الى بلدان الخليج العربية فقط. ويبقى هذا الحجم الكبير للقوى العاملة متواضعاً قياساًَ بحجم السكان الذي ناهز 285 مليوناً العام الماضي نتيجة المعدل المتواضع لمساهمته في النشاط الاقتصادي والبالغ 27 في المئة، وهو معدل منخفض لاسباب عدة منها: ضعف مساهمة المرأة، التوسع الكمي في التعليم، توسع فئة اليائسين من فرص العمل، وإن ارتفع هذا المعدل في شكل حاد في بلدان عدة فبسبب الوفادة الهجرة أو الهجرة العائدة، علاوة على مرحلة النمو الديموغرافي خلال العقود الاخيرة. وتتوزع القوى العاملة العربية في صورة شديدة التباين، فاغلبها ينتمي جغرافياً الى افريقيا في تسعة بلدان تمثل 70 في المئة من القوى العاملة العربية، كما أن 2،38 في المئة من هذه القوى يستقطبها اتحادان قائمان: "اتحاد بلدان المغرب العربي" و"مجلس التعاون لدول الخليج"، مع أن حجم القوى العاملة في الأول يماثل ثلاثة أضعاف تقريباً ما في الأخير. وتتعدد التقسيمات داخل البلدان العربية، كما تنمو القوى العاملة بمعدلات تفوق معدلات نمو السكان اذ يقارب ثلاثة في المئة، وهذا النمو يتباين بشدة هو الآخر إذ تراوح خلال الفترة من 1980 - 1997 بين 6،1 و6،6 في المئة. والهجرة هي المسؤولة الأولى عن تطرف هاتين الحالتين. كما أن الهجرة العائدة هي المسؤولة أيضاً عن ارتفاع معدلات النمو في الأردن وفلسطين واليمن. إلا أن سنة 90 - 1991 هي المسؤولة عن تغير وضع الهجرة واتجاه تدفقات تياراتها. ولا يتوقع أن تنمو القوى العاملة في المستقبل بالنسق نفسه، فالوفادة مدعوة الى التقلص في بلدان الاستقبال العربية مع تذبذبها الشديد في حالة ليبيا والعراق، كما أن النمو الطبيعي للقوى العاملة مدعو للتراجع بفضل معدلات نمو السكان الطبيعية المتراجعة في أغلب البلدان، إلا أن نمو القوى العاملة بين الإناث قد يرتفع أكثر مما هو متوقع لاختلاف أسس التقدير، وتحسن طرق القياس وتطورات الانفتاح نتيجة الضغوط الخارجية والداخلية. وإذا قدر لنمو القوى العاملة أن يستمر كما كان مقدراً فإن عدد الداخلين الجدد في سوق العمل العربية ربما بلغ ثلاثة ملايين عام 2000، وسيتجاوز أربعة ملايين نهاية هذا العقد، وخلال السنوات الثلاث الأخيرة كان على بلدان اتحاد المغرب العربي إيجاد 5،2 مليون فرصة عمل جديدة، وعلى مصر إيجاد 9،1 مليون منها وبمعدل سنوي يبلغ 930 ألفاً للأولى و619 ألفاً للثانية، وذلك لتجنب تفاقم معدلات البطالة السائدة. الاعالة والفئات العمرية ومن ناحية القوى العاملة والمجتمع فإن أعباءهما تتزايد بارتفاع معدلات الإعالة العالية، وهذا المعدل بلغ لدى البلدان النامية نسبة 3،60 عام 2000 ولم يقل عن ذلك إلا في حالات قليلة تخص تونس والمغرب والبحرين والإمارات والكويت وقطر. والسبب ليس ارتفاع نسبة المسنين، باستثناء حالتي تونس وعمان، ولكن نظراً الى شباب السكان. وتعتبر نسب الإعالة الأعلى في اليمن 7،102 والصومال 5،101 أما أدناها ففي البلدان العربية الخليجية القليلة السكان بفعل الهجرة إليها. وتتراجع نسب الإعالة قليلاً في نهاية العقد لكن هناك 12 بلداً عربياً لا تزال تتميز بارتفاع هذا المعدل عن مثيله في البلدان النامية. قواعد الأجور وتعتمد القوى العاملة في كسبها على الأجور والرواتب بنسب تراوح بين 1،40 في المئة المغرب و6،98 في المئة قطر في حين أن البلدان المتقدمة تتجاوز فيها هذه النسبة 70 في المئة ومع ذلك فالمغرب يعتبر قريباً من حالة تركيا، ومصر قريبة من حالة اليونان. وتتميز مصر وسورية والمغرب بأهمية العاملين ضمن الأسرة بين 5،17 و1،12 في المئة وهي شبيهة بحالة رومانيا لكن تركيا تفوقها في ذلك. ونجد الوضع نفسه بالنسبة الى العاملين لحسابهم إذ ترتفع نسبة هذه الشريحة في البلدان الثلاثة إضافة إلى لبنان وفلسطين، وتنخفض في شكل حاد في قطر. أما عن نسبة أصحاب العمل فيلاحظ ارتفاعها الشديد في لبنان 8،6 في المئة والأردن 6،6 في المئة وسورية، وانخفاضها الشديد في المغرب والانخفاض الأشد في قطر، وفي ذلك إشارة إلى تركز ملكية المشاريع الانتاجية في هذين البلدين. التشغيل والبطالة يلاحظ أن القوى العاملة العربية تنمو بمعدل يقارب ثلاثة في المئة وهذا النمو المرتفع يتطلب إيجاد حجم في فرص العمل الجديدة يتجاوز ثلاثة ملايين سنوياً بدءاً من عام 2000 ليرتفع حجمها بعد ذلك سنوياً ليصل الى أربعة ملايين في نهاية العقد. وهذا النمو المطلوب في فرص العمل لن يقلل من معدلات البطالة السائدة إلا بقدر يسير جداً. وتملك الحكومات العربية نيات طيبة لزيادة فرص العمل لكن يخذل هذه النيات الأداء المتواضع للاقتصاد الوطني الذي تديره والذي كان سيئاً في الثمانينات، ومن البلدان التي تبذل مثل هذه الجهود مصر والأردن والمغرب وتونس. وحاول التقرير رصد البطالة من مصادر مختلفة لكنه رجح المصادر الرسمية في ذلك مفضلاً أحدث البيانات. وجاء الرصد ل17 بلداً عربياً وغاب في حالات متوقعة هي العراق، والصومال، وموريتانيا، وجيبوتي. وبلغ عدد العاطلين عن العمل في 17 بلداً عام 1997 قرابة 275،8 مليون، والتقدير المتواضع للبطالة في هذه البلدان الأربعة الغائبة هو 30 في المئة بين مجموع القوى العاملة فيها البالغة قرابة 4،11 مليون، فيصبح مجموع العاطلين في جميع البلدان العربية قرابة 69،11 مليون، وبذلك يكون معدل البطالة العام للبلدان العربية المعتمد على المصادر الرسمية عام 1997 هو 44،12 في المئة. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية تفاقمت البطالة في غالبية البلدان لا سيما الجزائروالأردنوالعراق واليمن والصومال والسودان وفلسطين وبعض الدول العربية الخليجية، وربما تكون تونس والمغرب وليبيا ولبنان ومصر حافظت على مستوياتها التي كانت سائدة من قبل. وأخذاً في الاعتبار حالات البلدان المنكوبة: العراق وفلسطين والصومال والجزائر وكذلك الاختلاف حول معدلات البطالة في مصر، فإن هذا يقود إلى تقدير معدل عام للبطالة على المستوى العربي عام 2000 في حدود 7،15 في المئة لحجم المتعطلين عن العمل يبلغ 4،16 مليون. وأبرز سمة للبطالة هي ارتفاع معدلاتها بين الشباب من الجنسين كما هو متوقع، والتعريف المعتمد هو للشباب الداخلين في الفئة العمرية 15 - 24 علماً بأن البرامج الموجهة لتشغيل الشباب سواء في البلدان العربية أو بلدان الشمال تتجاوز هذه الفئة العمرية ولا تركز عليها. ويؤكد التقرير أن معدلات البطالة بين الشباب تبلغ مستويات غير مسبوقة في كل من الجزائر والمغرب نحو 38 في المئة وفي مصر 4،34 في المئة. وهذه البطالة تمثل ما يزيد على 60 في المئة من مجموع المتعطلين عن العمل في غالبية البلدان العربية سورية، البحرين، مصر، الجزائر، وإن انخفضت هذه النسبة فهي لا تعني انخفاضاً في معدلات البطالة بل إتساع البطالة لبقية الفئات العمرية مثل حالة المغرب 40 في المئة وفلسطين 42 في المئة. أما معدلات البطالة بين الشباب حسب النوع فهي إما زيادة كبيرة لمعدلات البطالة بين الإناث مقارنة بالذكور مصر - المغرب أو العكس، وفي شكل حاد الجزائر - لبنان أو أنهما متساويان تقريباً البحرين. وقد تكون معدلات البطالة للشباب شهدت تصاعداً مستمراً خلال العقد الماضي كما هي الحال في مصر وتونس، إلا أن المعدل العام للبطالة ربما يميل إلى الاستقرار وذلك لتزايد عدد الداخلين الجدد في سوق العمل ولتدفق مخرجات التعليم التي تغلق دونها أبواب سوق العمل.