انطلقت التسوية بعد حرب 1973: اتفاقيات فك الاشتباك ك2 / يناير - أيار / مايو 1974، واتفاقية سيناء أيلول / سبتمبر 1975، واتفاقيات كامب ديفيد أيلول 1978 والمعاهدة الاسرائىلية المصرية آذار / مارس 1979. فيما رأينا، بعد خروج مصر من ساحة الصراع، محاولات اسرائيلية لصياغة آسيا العربية عبر "المنصة اللبنانية"، أجريت بين عامي 1978-1983، ولفرض وقائع جديدة على أراضي 1967 في الضفة والجولان، مما أدى الى تفشيل اسرائيلي لكل محاولات التسوية التي أجريت، مثل مشروع ريغان أيلول 1982 واتفاق عمّان شباط / فبراير 1985، الى ان فرضت الولاياتالمتحدة على الطرفين مساراً للتسوية، بعد حرب 1991، انطلق من محطة مدريد الى أوسلو ووادي عربة حتى وصوله الى طريق مسدود في محطة كامب ديفيد تموز / يوليو 2000. أدى ذلك الاستقصاء التفاوضي بين باراك وعرفات الى نشوب انتفاضة الأقصى وما أعقبها من نهاية ل"معسكر السلام الاسرائىلي" كما وضّحتها عملية انتخاب شارون بعد أربعة أشهر من الانتفاضة، ليبيّن ذلك كله عدم وجود "استعدادية مجتمعية" عند الطرفين من أجل استمرار عملية التسوية، ولكن مع الفرق المتمثل في رغبة القيادة الفلسطينية بمتابعة مساري التفاوض والتسوية فيما كان هذا مفتقداً عند رئيس الوزراء الاسرائيلي. في السابق كانت جبهة الرفض للتسوية تأتي من الجانب العربي، فيما نالت اتفاقيات كامب ديفيد مع السادات أصواتاً غير مسبوقة في الكنيست الاسرائىلي، وقد سقط شامير في انتخابات 1992 بعد أشهر من صدامه مع الرئيس الأميركي لمصلحة رابين المتوافق مع واشنطن، فيما كان رحبعام زئيفي معزولاً في الوسط السياسي الاسرائىلي، لتحصل الآن صورة معاكسة عند ما يجد أمثال أفيغدور ليبرمان وآفي إيتام وعوزي لاندا وامتدادات قوية في الكنيست والشارع الاسرائىلي. أعطى 11 أيلول وسقوط بغداد دفعاً قوياً لهذا الاتجاه الاسرائىلي الرافض للتسوية: إذا كانت تلاقيات شارون وبوش في أشهر عام 2001 السابقة لتدمير البرجين قد نتجت من استقالة الادارة الأميركية من عملية التسوية بخلاف الادارتين السابقتين لمصلحة ترك الوقائع على الأرض "متكلماً وحيداً" من أجل خلق حقائق جديدة تتجاوز "استعصاء كامب دافيد" فإن 11 أيلول جعل التلاقي الأميركي - الاسرائيلي غير مقتصر على موضوع الارهاب ليصل الى تقاطع بين رؤية شارون حول اعتبار ما يجري في الضفة والقطاع "فصلاً ثانياً من حرب 1948"، يُراد عبره خلق حقائق في أراضي 1967 شبيهة بما فعل بن غوريون في أراضي 1948، وبين رؤية بوش للمنطقة التي يُراد أميركياً "إعادة تشكيلها"، عبر البوابة العراقية، بعد ان اصبحت مصدراً للّهب والحمم. تعززت جبهة الرفض الاسرائىلية للتسوية عبر صور الضعف والتفكك العربيين التي بيّنتها عملية سقوط بغداد، وقبلها عبر عملية ترك العرب للفلسطينيين وحيدين في مواجهة الاسرائىليين بالانتفاضة، الشيء الذي أدى الى جعل شارون "معتدلاً" في وسطي الليكود واليمين الاسرائىلي، وسط تصاعد لميل المجتمع الاسرائىلي نحو اليمين من منطلق رؤية اسرائىلية جديدة باتت تعتبر ان ما أُعطي في أوسلو من جانب رابين قد تم تجاوزه من خلال التوازنات الجديدة التي أنتجتها اسرائيل على الأرض عبر الانتفاضة، وعبر وضع عربي بالغ التفكك والضعف أتى حصيلة للمشهد الاقليمي الجديد الحاصل بعد سقوط احدى الحواضر الرئيسة للعرب بيد واشنطن وعن استهداف الولاياتالمتحدة بعد 11 أيلول لأنظمة قائمة كانت معتمدة عليها ولتيارات سياسية الإسلاميون كانت متحالفة معها ضد السوفيات في فترة الحرب الباردة. انطلقت عملية التسوية في عام 1974 نتيجة لتوازن بين العرب واسرائيل ساهمت حرب 1973 في خلقه، مضافاً إليه رغبة اميركا في استخدام التسوية كأداة لنزع النفوذ السوفياتي من الشرق الاوسط، ثم لتأتي تسوية مدريد وما تبعها كوسيلة من أجل تنظيم هيمنة واشنطن على المنطقة بعد نزع "صاعق" الصراع العربي - الاسرائىلي. انتهى ذلك المشهد الشرق أوسطي بعد انتخاب شارون و11 أيلول وسقوط بغداد لمصلحة آخر مختلف عنه يتميز بأن العوامل المحركة للتسوية لم تعد ثلاثية الولاياتالمتحدة - اسرائيل - العرب بل ثنائية في ظل التضعضع والضعف العربيين، مما يدفع الطرفين الأولين، بعد ان تلاقيا على رؤية متقاربة للمنطقة في شكل غير مسبوق، الى نبذ التسوية لمصلحة انشاء مشهد اقليمي جديد ربما يريان بعده مصلحة في تدشين مسار للتسوية على قياسه. * كاتب سوري.