لا تزال دعوة الاجتهاد عالية الصوت. وهي ترتبط لدى الاصلاحيين القدامى والجدد برعاية المصالح، واستنطاق المستجدات وملاءمتها. لكن الأصوليين المسلمين، الذين يكادون يستأثرون بتلك الدعوة، يعنون بالاجتهاد التأصيل، أي العودة للأصول النصية في ما وراء الآليات التقليدية لقراءة النصوص، من دون أن تظهر آليات أخرى مما كان الاصلاحيون يحاولون تطويره. ويدور جدال كبير حول كيفيات الاصلاح الديني، والخروج من المأزق. يلجأ البعض للتجربة الأوروبية في تقديم الاصلاح الديني على الاصلاح السياسي. لكن الأمر مختلف لأن الكنيسة في مسيحية العصور الوسطى كانت تتوالى الشأنين الديني والدنيوي. وقد حاول الاصلاحيون إخراجها من المجال العام. أما في تجربتنا التاريخية، فما كانت المؤسسة الفقهية كبيرة السلطة في مجال الشأن العام. كما أن آراءها في المجال الديني، ما كانت لها القدسية التي لآراء الكنيسة وتوجهاتها ذات العصمة. بيد أن كثيراً من المتناقشين يذهبون الى أن الوضع اليوم هو مثل الوضع في العصور الوسطى الأوروبية، حيث يريد الإسلاميون الاستئثار بالشأنين الديني والدنيوي. ولذلك، إذا كانت الظروف في العصور الوسطى مختلفة، فهي ليست كذلك اليوم. على أن هناك من يريد البدء بإصلاح الدولة أو النظام العام، باعتبار أن جزءاً كبيراً من الأزمة ناجم عن الانقسامات الاجتماعية والثقافية التي أحدثتها السلطات، فأفضت الى تفاقم الظاهرة الأصولية. لكن ماذا نفعل في ظل "الإسلام الجديد" الذي يرتبط فيه الدين بالدولة، والسياسة بالشريعة، وتصبح الشريعة المتحولة الى قانون هي أصل المشروعية؟ هنا تختلف الإجابات: الاحتجاج بالإسلام القديم حيث كانت الأمة مصدر السلطات، وحيث حدث اختصاص مجالي بين الساسة والفقهاء، سيطر كل منهما على مجاله، وتجاذب مع الآخر على أطراف المجال. وإذا لم ينفع الاستشهاد بالإسلام القديم، فلنستعن بالتجارب العالمية في التعامل مع الدين، بعد أخذ العِبَر والدروس من تجارب العالم، وتجاربنا نحن مع الدين. فقد كان هناك من عاداه، وكان هناك من وقف على الحياد، بينما كان هناك من أراد الاصلاح - في حين رأى فريق ثالث انه لا بد من الاصلاحين الديني والسياسي، حتى وإن اختلفت الوتائر والظروف في البلدان المختلفة. كيف نستطيع إعادة ترميم اجتماعنا الديني والانساني؟ والى أين نحن ذاهبون باتجاه الاصلاح أو بخلافه؟ هذا ما يحاول هذا الملف الاجابة عنه، مع اهتمام خاص بالفتوى والمرجعية.