ربما تكون موسيقى سلسلة أفلام "الفهد الوردي"، التي تحولت في ما بعد الى سلسلة افلام كارتون، هي اشهر اعمال الموسيقي الراحل هنري مانسيني، الذي صادفت ذكرى رحيله قبل اربعة ايام، إلا انها ليست الوحيدة التي ألفها، سواء على نمط موسيقى الجاز ام موسيقى البوب ام غيرها من الانواع الموسيقية التي نهل منها موسيقاه، المجموعة في نحو 90 ألبوماً. فمانسيني المولود عام 1924 في كليفلاند - أوهايو الاميركية، واحد من افضل الموسيقيين الذين قدموا ألحانهم للأفلام والمسلسلات التلفزيونية، مدللاً بذلك الى ترشحه 72 مرة لجوائز "غرامي" الموسيقية، وفوزه بعشرين منها، كما ترشح 18 مرة للفوز بجائزة الاوسكار، فائزاً بها اربع مرات. تعلم مانسيني العزف على آلة الفلوت في صغره، فأخذته ألحان الجاز بعيداً، الى ان اهتدى الى العمل عازفاً وموزعاً موسيقياً مع عدد من الفرق، قبل الدخول لسنوات قليلة في ماكينة الحرب الاميركية كعنصر في القوة الجوية وجندي مشاة، عاد بعدها للالتحاق بركب موسيقى المسلسلات التلفزيونية والافلام، ليتربع على عرش نجومية "موسيقى الصورة" - إن صح التعبير. واقتراب مانسيني من موسيقى الجاز اكثر لم يمنعه من مواصلة العمل الموسيقي بتنوع يحسد عليه، مدخلاً موسيقاه تارة في اجواء الموسيقى الكلاسيكية، وتارة اخرى في موسيقى البوب، وصولاً ايضاً الى الموسيقى الشرقية - وإن السياحية منها - في فيلم "أرابيسك" 1966 لغريغوري بيك وصوفيا لورين. البداية الحقيقية لمانسيني، في موسيقى المسلسلات والافلام، كانت في العام 1952 عندما التحق بقسم الموسيقى في استوديوات "يونيفيرسال العالمية"، حاصلاً في عامه التالي على اول جائزة اوسكار عن فيلم "حكاية غلين ميلر"، ليبدع بعدها في افلام عدة مثل "حكاية بني غودمان" 1956 و"اللمسة الشريرة" 1958، ومن بعدها افلام كثيرة، ليس آخرها "الفهد الوردي" اول انتاج 1963 الذي ظلت موسيقاه التي وضعها مانسيني، هي القاسم المشترك في جميع الاعمال السينمائية والتلفزيونية التي حملت هذا الاسم. وجاء حضور مانسيني الموسيقي في عالم هوليوود مبنياً على نجاحات متواصلة كان حققها في اعمال تلفزيونية، بين افلام ومسلسلات، مثل "السيد لاكي" و"بيتر غان" و"الفندق"، كما تابع عمله في المجال الموسيقي الصرف، بعيداً من المسلسلات والافلام، خصوصاً بين الستينات والثمانينات من القرن الفائت، مع فرقة لندن السيمفونية وفرقة بوسطن بوبس وفرقة لوس انجليس الفيلهارمونية وسواها. وقد تكون شهرة مانسيني كموسيقي متخصص في المسلسلات والافلام أنست عدداً من الاعمال الرائعة التي وضعها كموسيقات لم تعتمد على الصورة. فقد تعاون مع مغني الاوبرا الشهير لوتشيانو بافاروتي في واحدة من ابرز اعماله الكلاسيكية الأم - كما تعاون مع الموسيقي جيمس غالاوي في عمل بعنوان بالوردي مقدماً معه في منتصف الثمانينات جولات موسيقية عدة في الولاياتالمتحدة. وحب مانسيني للموسيقى لم يقتصر على التأليف والتوزيع الموسيقي في مختلف اشكاله، بل تعداهما الى نشر الثقافة الموسيقية عبر المنحة التعليمية والزمالة الدراسية التي كان يمنحها لموسيقيين شباب في مدارس لتعليم الموسيقى مثل مدرسة "جيلارد" للتعليم الموسيقي وجامعتي كاليفورنيا وساوث كاليفورنيا. كما انه وضع كتابين، اولهما في فن تعليم التوزيع الاوركسترالي تحت عنوان "الصوت والكتابة الموسيقية" وآخر يضم سيرته الذاتية تحت عنوان "هل ذكروا الموسيقى؟". وعلى رغم ما تحفل به معظم اعمال مانسيني الموسيقية من رقي وجاذبية وسهولة، فإن موسيقى "الفهد الوردي" هي التي اشتهرت اكثر من غيرها، ليعرف مانسيني بها. وعلى قدر ما في هذا الامر من إجحاف لموسيقي قدير وغزير الانتاج، فإنه ربما يكون نقطة ايجابية، ان اخذ من ناحية ان لحن "الفهد الوردي"، "الجازي" الطابع، يعرفنا اكثر بقيمة مانسيني الموسيقية. فاللحن السهل الذي لا تحسب فيه اي تكلف، يبدأ كما اكثر اعمال مانسيني بالآلات النفخية التي تعتمد عليها موسيقى الجاز، بتوزيع غني جداً، اقرب الى التوزيع الاركسترالي منه الى توزيع موسيقى الجاز، وينطلق اللحن في ما بعد الى اجواء مانسيني الأثيرة، التي لم تندثر مع وفاته في الرابع عشر من حزيران يونيو 1994، بل واصلت تحليقها في الفضاء الموسيقي القريب جداً من عالم الافلام الهوليوودية التي نعرفها جيداً، والتي ربما تكون من صنع مانسيني نفسه.