قدم الموسيقار عمر خيرت موسيقى تصويرية مميزة لأكثر من 65 فيلماً منها "ليلة القبض على فاطمة"، و"أنا اللي قتلت الحنش"، "البحث عن توت عنخ آمون" و"النوم في العسل" الذي حصل عنه على جائزة احسن موسيقى من مهرجان جمعية الفيلم السنوي ال 23 للسينما المصرية، اضافة الى موسيقى أكثر من 20 مسلسلاً تلفزيونياً منها "اللقاء الثاني"، "ضمير ابله حكمت"، "يا رجال العالم اتحدوا" وأخيراً "وجه القمر" في رمضان الماضي. عمر خيرت فنان له موسيقى خاصة جداً تتميز بلمحة شجن. عن موسيقاه كان هذا الحوار: ما سر هذا الشجن الذي نحسه في موسيقاك؟ - لأننا كعرب ومصريين، في داخلنا كم كبير من الاحاسيس والمشاعر، والشجن مرتبط بقلب كل واحد منا يلمس فيه شيئاً مرتبطاً بحاضره أو ماضيه، بعاداته وتقاليده، بآماله وأحلامه. وأنا مصري بداخلي هذا فأعبر عنه في موسيقاي. وربما لا نجد هذا الكم من الشجن لدى الغرب مثلاً.. وماذا عن الموسيقى الكوميدية؟ - موجودة بالطبع. وسبق لي تقديمها في مسلسل "يا رجال العالم اتحدوا" لحسين فهمي لانه مسلسل كوميدي، ولكن ايضاً قدمتها بأسلوبي الخاص الذي يهزك ويحرك مشاعرك عندما تسمعها. ما الذي يجعلك توافق على عمل الموسيقى التصويرية لفيلم سينمائي؟ المخرج، الابطال أم القصة؟ - كل هذه الاشياء مجتمعة، فأنا أبحث عن العمل الذي يكون على مستوى عالٍ، يقدم شيئاً للناس وأحس انه يحرك في داخلي شيئاً فأقوم بعمل موسيقاه وإلا ارفض. وهل توافق على فيلم لمخرج شاب لم يقدم أعمالاً من قبل؟ - هذا يتوقف على الفيلم. لا بد من أن أراه أولاً، فإذا وجدت الفيلم جيداً ويقدم شيئاً مفيداً وعملاً على مستوى عالٍ، أوافق وإذا لم أجده كذلك أرفض. وهل هذا ينطبق على موسيقى المسلسلات؟ - لا، الوضع يختلف في التلفزيون لانه يصعب ان تشاهد ال30 حلقة، ومن ثم أعتمد في عملي في التلفزيون على مجموعة اسماء لفنانين ومؤلفين ومخرجين أعرف امكاناتهم ومستوى الاعمال التي يقدمونها وبالتالي اتعامل معهم مباشرة لانها اسماء تعرف ماذا تقدم. هذا ينطبق على الفنانة فاتن حمامة؟ - فعلاً.. سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة تختارني دائماً لموسيقى مسلسلاتها فلا يمكن أن ارفض، لأنني على يقين تام من اهمية العمل الذي تقدمه وكيف سيكون شكله ومستواه وادرك تماماً اهتمامها بكل صغيرة وكبيرة في العمل، فهي فنانة قديرة تتميز باهتمامها وحرصها واحترامها لما تقدم من اعمال، ولذا قدمنا معاً اكثر من عمل ناجح. ما هي الاعمال التي جمعت بين موسيقاك وأداء فاتن حمامة التمثيلي؟ - أول عمل لي معها كان برنامجاً إذاعياً تُلقي من خلاله شعراً بصوتها، وكان اسمه "قطرات الندى" وطلبت مني عمل خلفية موسيقية مصاحبة لصوتها. ثم بعدها التقينا في فيلم "ليلة القبض على فاطمة" وبعده في مسلسل "ضمير أبله حكمت" وأخيراً "وجه القمر" في رمضان الماضي. عندما نسمع موسيقاك نعرف أنها أنت؟ ألم تفكر يوماً بالتغيير والخروج عن هذا الإطار؟ - لا، اطلاقاً.. لأن اي مؤلف موسيقي حلمه وأمله أن يكون له شكل خاص يميزه. بيتهوفن، شوبان وغيرهما، تعرفهم من موسيقاهم، وكذلك لدينا رياض السنباطي، عمار الشريعي، كلٌ له شكل يميزه، تسمعه فتقول هذا فلان. في هذا العالم المملوء بالمؤلفات الموسيقية، التميز هو شيء جيد، أي ان لا تقلد أحداً، وبالتالي تصبح موسيقاك هي انت.. تتطور مع تطور شخصيتك ولكن لا تتغير عن إطار محدد لها وإلا اصبحت شيئاً ليس له علاقة بك، وكأنك تنقل عن غيرك وهذا مرفوض. من المعروف عنك أنك تصر على وجود اوركسترا كاملة لتسجيل الموسيقى.. على رغم أن التكنولوجيا الحديثة سمحت بأخذ صوت الآلات من الأجهزة منفردة. فلماذا؟ - أنا لي رأي في هذا مختلف، التكنولوجيا ظهرت لتساعد الفنان وليس لقتل الابداع ذلك لأنها تقلد الحقيقة، لماذا الجأ الى صوت مصنّع يخرج من آلة الكترونية. ولماذا لا استخدم الصوت الحقيقي الخارج من آلة موسيقية يعزف عليها فنان بحس واحساس متدفق، لن يكون ابداً الصوت الذي يخرج من قطعة بلاستيك مماثلاً للعزف الطبيعي من قبل فنان على آلة بيانو مثلاً او غيرها، ومن يستخدم هذه الاصوات المصنعة لم يتعلم اساساً كيف يكتب لأوركسترا كاملة، هذا نوع من الاستسهال ارفضه في عملي، فهذا الصوت المصنع غير الطبيعي، ينقص من الموسيقى ولا يزيد عليها. 100 عازف فرنسي هل اصرارك على هذه الامكانات العالية، هو السبب في عملك مع يوسف شاهين في أفلامه؟ - عملي مع يوسف شاهين متعة كبيرة، فأنا احتاج الى امكانات عالية لخدمة الموضوع المقدم حتى يخرج بأحسن صورة، ولك ان تتخيلي ان يوسف شاهين وفر لي 100 عازف فرنسي ومايسترو في فرنسا يعزفون موسيقى الفيلم. هل تتخيلين حجم الانتاج؟ طلبت منه ذلك وفعلاً احضرهم لأنه يدرك اهمية الفيلم. يوسف شاهين فنان رائع يهتم بكل شيء في فيلمه ويدرك اهمية الموسيقى التصويرية للفيلم. وفيلمنا الأخير "سكوت ح نصور" بطولة لطيفة هو ثاني لقاء لنا بعد فيلم "اليوم السادس" لداليدا. وأعتقد أن "سكوت ح نصور" هو عودة الى زمن الفن الجميل، وفي الفيلم الكثير من الاستعراضات ومنه اغانٍ. والجدير بالذكر أن يوسف شاهين لحن في هذا الفيلم اغنية للطيفة قمت أنا بتوزيعها، وكان من المفترض أن يلحنها كمال الطويل. ففوجئت بيوسف شاهين يقول لي: اسمع لحن هذه الاغنية لتوزعه فإذا لم يعجبك لحنها أنت. وفعلاً سمعت اللحن وأعجبني وقمت بتوزيعه بعد تنميقه وتنظميه من حيث الترتيب والقوالب التي يخرج بها اللحن... كيف يتم تحديد مواضع الموسيقى التصويرية في الفيلم وكذلك مدتها؟ - هذا الشيء يتم بالاتفاق بيني وبين المخرج، هناك مواضع يكون واضحاً أنها تحتاج الى موسيقى تصويرية ومواضع اخرى نتناقش فيها علّ أحدنا يقنع الآخر، وهي مسألة تعود الى الاحساس أولاً واخيرآً. اهمية ما هي أهمية الموسيقى التصويرية؟ - كما أن العمل الفني سواء كان مسلسلاً أو فيلماً هو حوار، الموسيقى هي ايضاً حوار.. حوار موسيقي له مكانه وتأثيره المباشر في المتلقي، وتعد الموسيقى التصويرية من ادوات المخرج المهمة التي يهتم بها.. لانها يمكن ان تُنجح الفيلم او تُفشله، الفن الموسيقي هو اصعب الفنون، وأجملها وهو الفن الوحيد الذي يعتمد على الحس، فهو لا يرى ولا يلمس، هو إحساس، يهزك بالكامل فيؤثر فيك وهذا هو النجاح. سبق أن فزت بشهادات تقدير وجوائز عن موسيقى افلام؟ - نعم، حصلت على جائزة احسن موسيقى عن فيلم "النوم في العسل" من مهرجان جمعية الفيلم السنوي ال23 للسينما المصرية، وشهادة تقدير الابداع المتميز عن موسيقى فيلم "البحث عن توت عنخ امون" من مهرجان القاهرة الثالث للاذاعة والتلفزيون عام 1997، اضافة الى جائزة احسن موسيقى عن فيلم "الهروب من الخانكة" من الجمعية المصرية لفن السينما عام 1988 وشهادات تقدير من محافظاتقنا، اسيوط، المنيا واسوان. ما رأيك في من يقولون إنك فنان بعيد بفنك عن الناس، ومن يريد أن يسمع موسيقاك لا بد من أن يذهب الى حفلاتك مثلاً في الاوبرا؟ وأنت تعلم أن جمهور الاوبرا ليس عريضاً؟ - ولكنه يزداد عدداً يوماً بعد يوم، وأنا كان لي اتجاه موسيقي أخذته منذ البداية عن الرائد أبو بكر خيرت مؤسس "الكونسرفاتوار"، وكان مهندساً معمارياً وهو من صمم اكاديمية الفنون ونفذها في بداية انشاءاته، كان الهدف ايجاد نهضة موسيقىة لبلادنا العربية لانه كانت هناك فجوة بين الشرق والغرب الذي عمل موسيقيوه قوالب عالمية جبارة، ووصلوا الى مراحل بعيدة في هذا المجال في وقت لم يكن لدينا الا الاغنية في كل حياتنا الموسيقية، على رغم ان لدينا حضارة قديمة وقومية وعظيمة باعتراف العالم، إذاً لا بد من أن يكون هناك غير الاغنية وبالتالي كان إنشاء اكاديمية الفنون ومعهد الكونسرفاتوار لدراسة اكاديمية حتى يستطيع الدارسون والموهوبون فسح المجال للموسيقى العربية لتصبح عالمية، أنا منذ الصغر تعلمت الموسيقى وكنت في أول دفعة دخلت الى المعهد، هناك مؤلفون رواد مثل يوسف جريس، حسن رشيد، عزيز الشوان وجمال عبدالرحيم عملوا قوالب موسيقية كلاسيكية فيها الحسّ المصري ولكن الاستماع الى موسيقى كلاسيكية يحتاج الى حد من الثقافة لدى المستمع إذ إن جمهور الموسيقى الكلاسيكية ليس جمهوراً عادياً. وبالتالي فإن تقديم موسيقى كلاسيكية هو اصعب ولا يدر ربحاً اصلاً. عندما بدأت اعمالي قررت أن أنزل شرائط كاسيت لموسيقاي حتى اصل الى الجمهور العادي الذي لا يذهب الى الاوبرا، لتقترب موسيقاي منه، وبهذا قطعت شوطاً للاقتراب من الناس وهذا ظهر في حفلاتي. فأنا اجد جمهوراً عريضاً من كل الاعمار وكل المستويات، وهذا دفع بالناس للذهاب للاوبرا للاستماع الى الموسيقى التي احبوها عبر الكاسيت ومن ثم زاد جمهور الاوبرا.