هناك مخرجون يعيشون طويلاً ويعملون كثيراً ولا يحققون شيئاً ملموساً أو تأثيراً، وهناك مخرجون قليلاً ما يعملون ولكن يتميزون بالاتقان، ولهذا يحققون نجاحاً وتأثيراً ومن هؤلاء المخرج المصري أسامة فوزي الذي قدم خلال 9 سنوات ثلاثة أفلام فقط، هي "عفاريت الاسفلت" و"جنة الشياطين" واليوم "بحب السيما" الذي أحدث ولا يزال يحدث ضجة كبرى بسبب ما تعرض له من اعتراضات رقابية، إضافة الى اعتراض عدد من "النقاد الاقباط" بسبب "جرأة موضوعه". فهو يعد "أول فيلم مصري عن الاقباط"، إذ يتطرق في شكل واقعي الى عائلة مسيحية في حياتها الواقعية من خلال موقف طفل يحب السينما في الوقت الذي يرى والده انها - السينما - "حرام ومن عمل الشيطان". وخلال ذلك يمر الفيلم بالكثير من الخطوط التي تنقل علاقة العائلة في شكلها الواقعي وسط محيطها في حي شبرا. وتلعب بطولة الفيلم ليلى علوي الى جانب محمود حميدة والطفل يوسف عثمان. "الحياة" التقت المخرج أسامة فوزي وكان معه هذا الحوار: هل توقعت ان يمر الفيلم بكل هذه الازمات أم فوجئت بوقوعها؟ - لا.. لم اتوقع ذلك ابداً. وأعتقد أن المشكلات ترجع الى الأوضاع الرديئة التي تعاني منها السينما أو "الذوق" الذي يسود من موجات الاضحاك وغيرها. وهذا على الأقل ما يردده الموزعون قائلين ان هذه النوعية هي التي يقبل عليها الجمهور، وكان هذا في الأساس وراء تعطيل الفيلم وتوقف العمل به على رغم أن كلفته لم تتجاوز 4 ملايين جنيه بنسخه ودعايته. كاد الفيلم الا يخرج الى النور بسبب 400 الف جنيه فهل هذا الرقم يعطل اكتمال فيلم؟ المهم تم التغلب على هذه الازمة بعد ثلاث سنوات من المعاناة النفسية وأنجز الفيلم كاملاً. عندما عرض عليك المؤلف هاني فوزي إخراج الفيلم هل توقعت أنه سيحدث ازمة رقابية أو اعتراضات وصلت الى المطالبة بمنع عرضه؟ - شعرت منذ البداية ان الموضوع مهم جداً لاننا نحتاج الى مثل هذه الأفلام هذه الأيام، لما تحمله من قضايا كثيرة. صحيح ان الحرية التي نتمتع بها اليوم تفوق ما كان لدينا في الستينات ولكنها ليست كافية وليست مناسبة للعصر والتقدّم التكنولوجي. فكرة الوصاية لم تعد فكرة مناسبة، الى جانب أن الفيلم فيه تأمل بالنسبة الى الستينات، إذ كان لا بد من أن نتساءل لماذا حالنا هي هكذا، إنك إن تأملت فترة الستينات ستعرف لماذا وصلنا الى هذه الحال... انظر الى التعليم ومستوى المدرسين لنكتشف كم انهم مقهورون. المدرس بائس وحالته تستحق العطف. هل مناقشتك قضايا ساخنة الآن، مع الاسقاط على الستينات هروب من الرقابة أم تأكيد مقصود أن العصور تشبه بعضها بعضاً؟ - ليس خوفاً من الرقابة، وانما تحايل من كاتب السيناريو هاني فوزي. طالما ان عندك رقابة في الفكر ستكون مضطراً للتحايل. إذاً كان الهروب الى الستينات مقصوداً؟ - طبعاً. كان تحايلاً لأنك لو قلت ان احداثه تدور حالياً ما كان سيسمح لك بتحقيقه. في رأيك هل أن هناك اشياء تغيرت منذ الستينات ام ما زال الوضع على ما هو عليه بحسب الفيلم؟ - لا.. الوضع الآن اسوأ كثيراً، لأن هناك الخوف والتزمت، والتعصب أصبح تطرفاً عنيفاً بسلاح وفيه دم وقتل. التعليم اسوأ، الستينات لم تكن بالعصبية والتطرف نفسيهما كنا أكثر تسامحاً لأن العالم كله اليوم يسوده التطرف بداية من بوش - الذي اعتبره أكبر متطرف -. إذاً المتطرفون هم الذين يحكمون العالم اليوم، وأنا اتمنى ان يساعد الفيلم على التسامح وعدم التعصب وأن يجعل الجمهور الذي يشاهده يفكر بأن يصبح أكثر تسامحاً مع نفسه ومع الآخرين. هل ترى أن مصطلحات مثل "السينما النظيفة" واشياء من هذا النوع هي نتاج الافكار والسنوات الماضية؟ - هي مصطلحات سخيفة: ما معنى سينما نظيفة؟ يعني ليس فيها قبلات، نعم هي نتاج سيطرة عقول معينة على صناعة السينما، والاعلام يشجعها ولهذا تصبح حقيقة وواقعاً وكأنه مفهوم حقيقي ومطلوب وأصبح ثابتاً. أنا كل ما اعرفه ان هناك فيلماً جيداً وفيلماً رديئاً، إنما "حكاية" فيلم نظيف يعصى عليّ فهمها فهل لأن عندي "قبلة" يصبح فيلمي "قذراً"؟ إنه تفكير قاصر وسطحي ورجعي. هل ترى ان هذه النوعية من افلام ما يسمى بالسينما نظيفة "تعطل" المبدعين الحقيقيين مثلك حتى على مستوى "تربص" الرقابة؟ - بالتأكيد لها تأثير سيئ، خصوصاً عندما تسود وتأثيرها السيئ لانها سائدة وتقريباً لا يوجد غيرها. إنما لو كانت موجودة في مناخ صحي فيه كل انواع السينما وفيه مساحة لخلق انواع مختلفة وليس فقط شكلاً واحداً، لن تكون هناك مشكلة. نحن لسنا ضد هذه الافلام، وإنما ضدها لأنها اصبحت اكثر سطحية ووحيدة في السوق. إن كل ما اطلبه واتمناه ان نحترم مهنتنا ونتقن عملنا. أنا لست ضد الافلام المصنوعة بهدف تسلية الجمهور ولا ضد الافلام البسيطة ولا اريد أن اقول التجارية والجماهيرية، فهذه ايضاً من التصفيات والافكار الخاطئة والاعلام تناولها كثيراً الى أن اصبحت حقيقة وكأن هناك افلام مهرجانات وافلاماً تجارية. الحقيقة أن كل الافلام تجارية وجماهيرية. وليس هناك افلام تصنع للمهرجان هذه مقولة كاذبة وليست حقيقية على الاطلاق، ففي النهاية اي فيلم "يحقق" بهدف تجاري وهذه من الافكار التي اضرت بالصناعة وكان من نتيجتها ان الافلام الجيدة كانت تحاصر لسنين طويلة وما زالت حتى هذه اللحظة تحاصر وآخر نموذج "بحب السيما". ارجع فقط شهوراً الى الوراء وراجع ما نشر في الصحف عن موسم الصيف السينمائي ستجد اسم "بحب السيما" غائباً من المنافسة ولم يذكر إلا قبل بدء الموسم الحقيقي بأسبوعين، لأنهم يرون أنه "فيلم مهرجانات" وهذا للاسف يحدث لهذه الافلام من زمان. حدث مع افلام محمد خان وخيري بشارة والراحل رضوان الكاشف. المفروض ان تُعطى فرصة للافلام الجيدة لكي "تنزل" في دور عرض عدة، بفضل توزيع جغرافي متميز ولا يجب ان يُحكم عليها قبل عرضها. عند الحديث عن المخرجين الشباب المتميزين لا بد من أن يذكر اسمك في مقدمهم هل هذا يسعدك بعيداً من اي ايرادات؟ - يضحك. أنا سعيد "انهم فاكرين اسمي. وهذا احساس حقيقي لانني فعلاً شعرت خلال السنوات الاربع الماضية انني مرفوض من الجميع. كانت تجربة قاسية عليّ. عندي فيلم وأنا غير قادر على إنجازه. وفي الوقت نفسه لا استطيع ان أحقق عملاً ثانياً. وأؤكد لك هنا انني كنت ساعتزل الاخراج لو ان هذا الفيلم لم يعرض. وربما كنت سأهاجر، لأن فيلم "بحب السيما" انتهى تصويره قبل 4 سنوات ولم يسأل اي انسان لماذا لم يعرض وما مصيره. ولكن عندما عرض لمست رد الفعل وعادت ثقتي بالاعلام. وكان دور المثقفين والصحافيين عظيماً ومؤثراً في الوقوف ضد الرقابة وتشددها. هل صدمت من النقاد الاقباط بمحاولتهم ارتداء عباءة الدين في رؤية الفيلم؟ - أجل كانت صدمة كبيرة، لأن الناقد لا يجب ان يقف مع المنع. انا أرى أن الناقد الفني لابد من أن يكون مع الحرية، خصوصاً ان كل الحجج التي وردت لم يكن لها معنى. كانت الحجة الرئيسة أن الناس جاهلون. لذلك فهم "يخشون" ألا يفهم الناس. وربما جاءت الحساسية والخوف من كون الفيلم يتناول اسرة مسيحية. اليوم بعد 100 سنة سينما وبعد تجاهل السينما للاقباط ما زلنا نلاحظ انه مطلوب منهم ان يشاركوا في مشاهد ثانوية وملائكية. اما نحن فإننا قدمنا في الفيلم اسرة مصرية بعيداً من الاديان، ممكن ان يكون من بين افرادها متطرف يرى أنه يعرف مصلحتها أكثر، ويقوم بفرض وصايته وفكره عليها وهذا مفروض. هل أنت متمرد؟ - انا لا احب اي نوع من السلطات ... السلطة سميت سلطة لأن أصحابها يتسلطون على الناس. المفروض اصلاً انهم اشخاص يخدموننا ونحن نختارهم في الانتخابات لادارة البلد. والمفروض اننا نحن من يحاسبهم على ادارة البلد، ولكن رجال السلطة يفرضون علينا اشياء ليست في مصلحتنا بحجة انهم "فاهمين" انها مصلحتنا من دون ان يسألنا أحد، أو يأخذ رأينا في أي شيء. الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أنا احترمه، ولكن يجب لا ننكر أن في عهده كان هناك قهر وكذب سياسي وكان هناك تسلط ادى الى هزيمة نعاني منها حتى هذه اللحظة 6719 عبد الناصر عندما "عمل" الاشتراكية هل اخذ رأي الشعب بصرف النظر هل كانت في مصلحتنا أم لا؟ في النهاية لم يسأل احد ومن بعده أتى الرئيس السادات فعمل انفتاحاً اقتصادياً. هل سأل الشعب واخذ رأيه.