وحدهم في الميدان ... شيوخ ونساء وشباب بلدة الزاوية يقاتلون بأيديهم العارية التي اتخذت من تضاريس ارضهم واشجار زيتونها ملامح لها، من اجل وقف "المجزرة" التي تتوالى فصولها للاسبوع الثالث على التوالي بحق عشرات آلاف اشجار الزيتون. ومع كل فرع شجرة يقطع وجذع يقلع، يتساقط اصحاب الارض واحدا تلو الاخر مغشياً عليهم على الارض، البعض من هول الصدمة التي لم تحتملها النفوس، والبعض الاخر بفعل الغازات السامة التي يمطرها الجنود الاسرائيليون عليهم بعد اطلاقها في عنان السماء الملتهبة من حرارة الشمس الحارقة. بعض المتضامنين الاجانب الذين وصلوا الى البلدة لمساندة اصحاب الارض، لم يتحمل مفاعيل الغازات السامة التي لم يعهدها الفلسطينيون من قبل، ولا الرصاصات الحية التي اعقبتها، فقفل راجعاً الى وسط البلدة بينما تتواصل المواجهات ساعة بعد اخرى من دون توقف، على رغم الاوامر المصحوبة بالتهديدات للصحافيين والمصورين بالخروج من "المنطقة العسكرية المغلقة" والا واجهوا الاعتقال او ... البندقية المصوبة باتجاههم. "لا مسؤولين ولا سلطة ولا موفدين من اللجنة الرباعية، وهؤلاء القابعون داخل الجرافات، في كل مرة يُعملون أنيابها في أرضنا كأنهم يقتلعوننا من داخلنا، ولا من سامع ولا من مجيب لهذه الاشجار إلا نحن الذين سقيناها ورعيناها بعرق جبيننا"، قال توفيق شقير، وهو يبكي من دون تحفظ، فالجرافات تعمل ليل نهار من دون توقف لقلع 40 الف شجرة زيتون تزين اطراف البلدة على مساحة تمتد 28 الف دونم من الارض تمهيداً لبناء مقاطع من "الجدار الاسرائيلي" شمال غرب محافظة سلفيت شمال الضفة من اجل "حماية" مستوطنة "أرييل" التي اقيمت على اراضي سلفيت نفسها وترامت أطرافها لتصل الى مشارف القرى الفلسطينية وتحاصرها مثل "الأفعى" بحسب تعبير الرئيس جورج بوش نفسه. أما هدير محركات الجرافات فلا يتوقف. وموظفو شركات "الامن" الخاصة بلباسهم المدني الذي تواريه رشاشاتهم الاوتوماتيكية الكبيرة يواصلون حمايتها. وفي الجهة المقابلة للتلة التي كانت تجري فيها المواجهات، وقف شقير والدموع ما زالت تتساقط على وجنتيه مشيراً الى علامات باللون الاحمر: "الليلة، سيصلون الى هذه البقعة ويقتلعون هذه الاشجار. انظري انها تبعد 25 متراً فقط عن اول منزل في القرية. يريدون ان يأخذوا كل الارض ويقتلعوا كل الزيتون. ثم يواصلوا دعايتهم التي صدقها العالم بأنهم جاؤوا الى ارض جرداء ليحولوها الى جنة. اي ظلم هذا؟". وتابع: "هذه الارض ورثها ابي عن اجداده، وحافظ عليها اكثر من حفاظه على اولاده ..". ثم تغص الكلمات في حلقه ويشير بإبهام: "هذه شجرة زيتون رومانية ضربت جذورها في الارض مئات السنين ... وتقتلعها الجرافة امام اعيننا... الانسان يحزن اذا فقد شيئاً صغيراً، فكيف اذا فقد بلحظة شقاء العمر؟". ففي اسفل التلة، تعبر السيارات الاسرائيلية سريعا على طريق "اوتوستراد" اطلقت عليه اسرائيل اسم "عابر السامرة"، وهو الاسم العبري لمجمل منطقة نابلس وسلفيت، وهي المنطقة الاكثر كثافة في عدد المستوطنات في الضفة حيث الارض الخصبة وآبار المياه. يقول كمال مرداد: "لقد فارقنا النوم منذ ثلاثة اسابيع، منذ بدأت الجرافات باقتلاع اشجارها وتجريف ارضنا... كيف لنا ان ننام ونحن نعلم ان هذا الشارع عابر السامرة الذي اقيم على ارضنا ونحن ممنوعون من استخدامه او الوصول اليه، لن يكون آخر المطاف، بل هذه الارض ايضاً التي نقف عليها ستصبح محرمة علينا ويسكنها الاف الاسرائيليين، بينما نعيش امواتاً بلا ارضنا خلف جدران سميكة؟".