يجب على زائر الجزائر هذه الايام الا يفاجأ إذا لاحظ ان الشوارع والازقة هجرها شبابها مساء. فهذا لا يعود الى التقلبات الجوية التي يشهدها شهر حزيران يونيو على غير العادة هذا العام. فالتفسير الوحيد لهذه الظاهرة هو انطلاق فعاليات بطولة امم اوروبا لكرة القدم، التي يبدو انها اخذت عقول الشباب من الجنسين... واذا كانت الفتيات لا يفهمن كثيراً فنون الكرة، الا انهن في المقابل اصبحن لا يفوتن فرصة الاستمتاع بمشاهدة نجومها مثل بيكهام ورونالدو ودالبيرو. لكن يبقى زين الدين زيدان الافضل والاكثر اثارة بلا منازع! "زيزو" كما يناديه الجزائريون والفرنسيون لا يزال يصنع افراح هذين الشعبين. وعلى رغم الخلافات التاريخية بينهما، فإن ابن مدينة تيزي وزو التي تبعد 100 كيلومتر شرق العاصمة، حقق بقدميه ما لم تحققه الديبلوماسية والسياسة خلال عقود طويلة من الزمن! هذا ما ظهر أثناء المباراة المثيرة وبعدها التي جمعت منتخبي فرنسا وانكلترا في اطار البطولة الاوروبية، حيث وجد الجزائريون انفسهم للحظات يتقاسمون الفرحة مع الفرنسيين، ويهتفون كلهم بحياة "زيزو". "يا للعجب منذ متى اصبحنا نساند فرنسا!" سؤال توجه به شيخ طاعن في السن إلى مجموعة من الشباب، كان حديثهم الوحيد يدور حول زيدان وانجازه العبقري امام الانكليز. وعلى رغم علامات الاسف التي ظهرت بوضوح على وجه العجوز الذي أراد أن يقول لهؤلاء الشباب "لا تفرحوا مع الفرنسيين، لأنهم لا يفرحوا لإنجازاتنا، ولا يحزنوا لإنكساراتنا"، الا ان رضا وعبد المالك وسفيان لم يتجاوبوا مع محدثهم، واكتفى احدهم بالقول: "يا عمي نحن نتحدث عن زيدان ولا تهمنا فرنسا، انه جزائري وسيبقى كذلك وسنظل نعشقه ونؤيده حتى ولو لعب مع الصين". هذا الكلام يكاد يتفق عليه كل الشباب الجزائريين فهم يعلمون ان الفريق الذي اصبحوا يساندونه لأجل "ابن بلدهم" هو فريق فرنسا، ويعلمون أيضاً أن هذا البلد هو الذي استعمرهم لمدة تفوق القرن والثلاثين عاماً، وهو البلد نفسه الذي حرم غالبيتهم من تحقيق احلامهم بالهجرة إلى عاصمة الجن والملائكة بعد ان اتخذت سلطاته اجراءات صارمة وحاسمة في منح التأشيرات او بالاحرى عدم منحها للشباب الجزائريين! لكن في مقابل ذلك هم يعلمون أيضاً أن ابن مدينة القبائل الكبرى يستحق كل التقدير والتشجيع، لأنه على الاقل شرّف بلاده في الخارج عكس الكثير من نجوم الغناء والرياضة. كما انه لم ينس الشباب والاطفال، وبقي حاضراً في الجزائر على رغم بعده عنها من خلال المساعدات الانسانية التي لا يتأخر على تقديمها للمحتاجين كلما اصابت بلاده كارثة، وكان الزلزال الذي ضرب مدينتي العاصمة وبومرداس قبل اكثر من عام خير مثال على ذلك. امين كريمات 19 عاماً مثال على آلاف الشباب الجزائريين الذين يناصرون الى حد النخاع "زيدان"، لكنهم يرفضون الحديث عن فرنسا: "انا اعشق زيزو، لأنه يستحق ذلك، فهو العربي الوحيد الذي وصل الى هذه المكانة عالمياً". ويضيف: "صحيح تمنيت لو كان يحمل ألوان علم الجزائر، لكن ما باليد حيلة فمسؤولونا لا يعرفون قيمة الشخص حتى يتأكدوا من نجاحاته في الخارج". ويتابع أمين: "ألا تتذكرون عندما قال أحد اشهر المدربين السابقين للمنتخب الجزائري لزيدان أنه "ثقيل ياسر"، وكان يقصد ان زيزو "بطيء كثيراً"... هذا الكلام جريمة لن يغفرها له التاريخ". ولمروان 27 عاماً الرأي نفسه، فهو مصر على ان تشجيعه للمنتخب الفرنسي لا يعني انه يحب فرنسا، لكنه "يعشق زيدان فقط": "انا مناصر لزيدان كشخص وكلاعب بارع لا تهمني جنسيته، ومهما كان الفريق الذي يحمل قميصه ساتابع مباراياته واشجعه". ويضيف: "الا تظنون ان هذا اللاعب يستحق كل الحب والتقدير؟ انه يمتعنا في كل مبارياته سواء مع المنتخب الفرنسي او مع ريال مدريد". أما أمال 21 عاماً فتفضل الحديث عن "زيزو" الوسيم، وتعترف قائلة: "أنا لا افهم في فنون كرة القدم كثيراً، لكنني انتظر فقط اهداف زيزو. لقد اصبحت مدمنة على مبارياته منذ كأس العالم العام 1998، عندما ابهرتني مراوغاته وفنياته البارعة انه حقاً رائع، لقد جعل الكثير من الفتيات امثالي يعشقن ويتابعن باهتمام كبير مباريات كرة القدم، بعد ان كانت تقززهن ولا تثير ادنى اهتمامهن". واللافت في علاقة الحب الموجودة بين زيدان والشباب الجزائريين، أن تعلقهم به ليس وليد كأس أمم أوروبا، فهذا اللاعب المتحدر من أصول أمازيغية لم يزر بلاده منذ كان صبياً. غير أنه خطف أنظار وقلوب الملايين في الجزائر، ونال شهرة لم ينلها أي لاعب آخر، ما جعل أخباره تتصدر كبريات الصحف، وصوره تزين واجهات المحلات ومنذ أن أعلن زيزو حبه للجزائر، أصبح خبر زيارته لها متداولاً على الألسنة. وعلى النقيض تماماً، تعتقد مجموعة أخرى من الشباب أن زين الدين زيدان وإن كان مفخرة حقيقية لبلده الأصلي، فإنه لا يمكن أن يتحول إلى رمز للكرة الجزائرية، لأنه سيبقى فرنسي الجنسية، وليس صحيحاً أنه فكر يوماً في تقمص الألوان الوطنية الجزائرية، بل إنها مجرد إشاعات ابتكرها الشباب المولع بنجمه، وأراد من خلالها أن يعبر عن حزنه وأسفه لأنه كان من الممكن أن يسمع زيزو العالم النشيد الوطني الجزائري "قسماً" بدلاً من "لامرسييز" الفرنسية.