عاد نجم كرة القدم الفرنسية ويوفنتوس زين الدين زيدان إلى مستواه المعهود، فتعملق فريقه واستعاد قمة بطولة ايطاليا. وأثبت "زيزو"، وهذا هو لقبه الأفضل، بهدفه الرائع الذي أحرزه في مرمى ليتشي الاحد الماضي علو كعبه، وبرهن على أن فترة "الجفاف" التي عاشها بعد حصوله على لقب أفضل لاعب في العالم عام 1998 عندما قاد بلاده إلى انجازها العالمي الأول لم تكن سوى سحابة عابرة في تاريخه الكروي الحافل. وفي الواقع، لا يمكن أن يختلف اثنان على أن زيزو هو أحد فرسان اللعبة في هذا الزمان، وأحد أبرز نجومها في العصر الحديث... والدليل انه اختير ضمن افضل 10 لاعبين في القرن الماضي في جل الاستفتاءات التي اجرتها كبرى المجلات والصحف المتخصصة ووكالات الانباء العالمية. وما بين ميلاد هذا اللاعب الفذ وبلوغه القمة، قصة كفاح طويلة ومريرة بطلها شاب جزائري مكافح هجر بلاده إلى فرنسا وهو في الثامنة عشرة من عمره سعياً وراء لقمة العيش. وتوجه اسماعيل زيدان عام 1958 أولاً إلى مرسيليا حيث عمل في مينائها، ثم انتقل إلى باريس وانخرط مع كثيرين من مواطنيه في أعمال البناء والتشييد. كان عاملاً بسيطاً لا يتجاوز أجره اليومي بضعة فرنكات، لكنه كان نزيهاً ولم "يبخل" في اي يوم من الايام على نفسه أبداً. وعندما استقرت اوضاعه وتحسن مدخوله المالي نسبياً، بدأ رحلة البحث عن شريكة لحياته تعينه على حياة الغربة الصعبة وتعاونه في توفير متطلباتها. ووجد اسماعيل ضالته المنشودة في مواطنته المهاجرة أيضاً ماليكا، وعندما التأم الشمل أثمر خمسة أبناء: مجد ونورالدين وفريد وليلى وزين الدين. وعشق "صاحبنا" أسرته ولم يدخر جهداً أبداً من أجل توفير مستوى معيشي مقبول لها رغم "فرنكاته" القليلة: "لم أولد غنياً، وعانيت الأمرين في طفولتي التي لم أعرف لها طعماً. الفقر والحاجة دفعاني إلى هجرة بلادي، وأن أعيش حياة صعبة في الغربة وأنا ما زلت في مقتبل عمري. لذا عندما تزوجت وانجبت، عملت دائماً على تحقيق رغبات أسرتي حتى لو انصرفت عن متطلباتي... لم احاول ان اشعرهم ابداً انهم بحاجة الى احد او الى شيء. حرمت نفسي من أشياء كثيرة لأنني أحببت أن تبقى أسرتي موحدة ومتضامنة لا يفرق بين أفرادها شيئ". وأضاف الرجل الذي صار عمره الآن 65 عاماً: "لقد تغيرت أوضاع العاملين كثيراً... الآن يتحدثون عن حقوقهم ويطالبون بالعمل 35 ساعة فقط أسبوعياً، كم تغيرت الدنيا فعلاً لأنني كنت أعمل هذا القدر من الساعات وربما أكثر خلال يومين فقط خصوصاً قبل حصولي على الجنسية الفرنسية". آخر العنقود واول حذاء وعاد اسماعيل بذاكرته إلى الوراء نحو 28 عاماً، وتذكر لحظة ميلاد زين الدين: "فرحنا كثيراً بقدوم زيزو على رغم أنه كان الخامس في ترتيب أولادي، استبشرنا خيراً به وقررنا جميعاً ان نعمل على توفير حياة مختلفة له عن تلك التي عشتها ووالدته وأبنائي الآخرين. اسميناه زين الدين لأن جارة لنا تنبأت لحظة ميلاده بانه سيكون جميلاً ومحافظاً على تقاليد اسرته". واضاف: "زيزو آخر العنقود، ولذلك استحق رعايتنا واهتمامنا. والدته لم تدخر جهداً من اجل تنشئته على الصفات الحميدة، واشقاؤه "دلعوه" كثيراً... اعتقد اننا تمكنا من تحقيق ما كان يصبو إليه". وأضاف: "لا أنسى أبداً عندما بلغ الرابعة عشرة من عمره، وطلب مني شراء أول حذاء "حقيقي" لكرة القدم. وقتها كانت العين بصيرة واليد قصيرة، لكنني عملت شهراً كاملاً من دون الحصول على أي راحات فضلاً عن الأوقات الاضافية حتى اتمكن من توفير ثمن هذا الحذاء صاحب "الماركة" العالمية. كنت سعيداً جداً عندما اصطحبته لشرائه، وكان هو أكثر سعادة طبعاً. الجميل ان زيزو لم ينس أبداً أيام القهر التي عشناها في بداية حياته ولم ينس تضحيات اخوانه، وهو يعوضنا دائماً عن ذلك... لقد عملت دائماً على أن تكون لابنائي مبادئ يتمسكون بها في مقدمها الترابط الأسري، واعتقد انني نجحت في ذلك". وزيدان أيضاً لا ينسى أبداً لحظات شراء أول حذاء: "عندما قال والدي اننا سنذهب غداً لشراء الحذاء، لم أصدق ما سمعت ولم أخلد إلى النوم الليلة بأكملها... وفي الصباح حصل ما تمنيته طويلاً. لا يمكن ان أنسى أبداً ما قدمته لي أسرتي، فلقد ساعدني أفرادها كثيراً وعرفت حقاً معنى الترابط الأسري من خلال العلاقات الحميمة التي ربطتني بأشقائي... والدي رغم عمله المضني وساعاته الطويلة لم يشعرنا ابداً بانه غائب عنا، كان يضحي براحته من اجل ان يجلس معنا وان يسامرنا وكنا نرغمه نحن على ان يقوم ليخلد الى النوم بعد ان نراه يغفو وهوجالس معنا. والدتي ملاك... سهرت دائماً على راحتنا ووفرت لنا كل ما يمكن في حدود الامكانات المتاحة. شقيقتي ليلى هي "فاكهة" العائلة وخففت بخفة دمها كثيراً من أوجاعها، وادين بفضل ما لكل شقيق واعتقد انني مهما قدمت لهم لن اوفيهم حقهم". بلاتيني وكلما كان اسماعيل يرى ابنه يلعب الكرة، كان يتذكر النجم الفرنسي السابق ميشال بلاتيني: "عندما كنت أرى زيزو في الملعب وهو في بداية حياته، كنت أرى فيه موهبة وفنيات النجم الفرنسي السابق ميشال بلاتيني. كم تمنيت أن يصل إلى مستواه وأن يصير مثله، هو كان يعشق النجم الاوروغوياني انزو فرانشيسكولي ويعتبره مثله الأعلى وكان يحدثني عنه كثيراً". وأضاف: "عندما بدأ زيزو حياته الاحترافية في فريق "كان" كان عمره 17 سنة فقط، كنت أخشى حضور مبارياته خوفاً من ان يتعرض للاصابة أمامي. اتذكر اول مباراة لعبها كمحترف مع "كان"، لم ارغب يومها في الحصول على اجازة من اجل الذهاب الى الملعب حتى لا اقلق زملائى او افرض على احدهم ان يتنازل عن راحته لي. لكنني فوجئت في هذا اليوم قبل نهاية دوامي بنحو ساعة بزميلي يهرول تجاهي قائلاً اترك العمل واذهب فوراً الى الاستاد لأن ابنك دخل الملعب ويتألق امام مرسيليا... لقد سمعت ذللك في الاذاعة. شكرته وتركت العمل، وعندما وصلت الى الاستاد كان متبقياً على نهاية اللقاء نحو 10 دقائق وشهدته يمرر تمريرة حاسمة لزميل له احرز منه هدفاً. لم ارغب في افساد فرحته مع زملائه وخرجت عقب المباراة فوراً واخبرت والدته بما حدث، وطبعاً لم تسعها الارض من الفرحة. من بعدها شهدته في الملعب في 6 مباريات فقط من بينها 3 للمنتخب... اشقاؤه يذهبون إلى الملعب ثم يحكون لي التفاصيل". واللافت ان اسماعيل لم يحضر مباراة فرنسا مع البرازيل في نهائي مونديال 1998، وهي التي قاد فيها ابنه بلاده إلى تحقيق أول انجاز عالمي لها. ولم يحضر أيضاً تكريم "زيزو" في قصر الاليزيه عندما مُنح وسام الشرف بعد هذا الحدث التاريخي: "فضلت متابعة المباراة عبر شاشة التلفزيون، كنت خائفاً جداً لأن الهزيمة كانت ستحدث فارقاً كبيراً في حياة زيزو، لكنه وفق وأحرز أهم هدفين في حياته. لا بد لي أن اتقدم بالشكر إلى بعض الشخصيات التي لعبت دوراً مؤثراً في تاريخ ابني الكروي وفي مقدمهم بلاتيني وجاكيه ولمير الذين اشرفوا على تدريبه في المنتخب، وأيضاً جيوفاني آنيللي صاحب نادي يوفنتوس الايطالي الذي اهتم كثيراً بزيزو ومنحه فرصة عمره للتألق في ايطاليا التي اعتبر مسابقاتها الأفضل والأقوى في العالم أجمع". وتمنى اسماعيل زيدان ان يواصل ابنه تألقه، وان يضيف انجازات كبيرة جديدة لفريقة وللمنتخب: "اعتقد ان المستقبل سيكون مشرقاً امام زيزو، اتمنى له ولأسرته كل خير، ولا بد ان اشكره على وفائه واخلاصه لنا... وايضاً على هذا القصر الرائع الذي اهداه لنا". ارقام في حياة زيزو - من مواليد 23 حزيران يونيو 1972. - لعب أول مباراة في بطولة فرنسا مع فريق "كان" ضد مرسيليا في موسم 1988-1989. - لعب مع "كان" 4 مواسم، ثم انتقل إلى بوردو عام 1992 ولعب معه 4 مواسم أخرى. - انتقل إلى يوفنتوس عام 1996 ولعب معه أكثر من 100 مباراة في بطولة ايطاليا. - مثل بلاده 48 مرة وأحرز لها 11 هدفاً. - حصل على لقب بطل ايطاليا مرتين، وعلى كل من الكأس السوبر الايطالية والكأس السوبر الاوروبية والكأس القارية مرة واحدة. - توج بطلاً للعالم عام 1998 في فرنسا. - حصل على الكرة الذهبية الأوروبية، ولقب أفضل لاعب في العالم عام 1998.