- 1 - بين النحو والسليقة قال الشاعر: ماذا لقيت من المستغربين ومن قياسِ نَحوِهم هذا الذي ابتدعوا إن قلتُ قافيةً بكراً يكون لها شيء يخالف ما قاسوا وما صنعوا قالوا: لَحَنْتَ، وهذا الحرف مُنْخَفِضٌ وذاك نَصْبٌ، وهذا ليس يَرْتَفِعُ وَحَرَّشُوا بين عبدِالله واجتهدوا وبين زيدٍ فطال الضَّرْبُ والْوَجَعُ فقُلتُ: واحدة فيها جوابُهُمُ وكثرةُ القول بالإيجازِ تَنْقَطِعُ ما كان قولي مشروحاً لَكُمْ فَخُذُوْا ما تَعْرِفُوْنَ، وما لا تعرفوا فَدَعُوْا حتى أعودَ إلى القومِ الذين غَدَوْا بِمَا غذيتُ به والقولُ يَتَّسِعُ فيعرِفوا مِنْهُ معنى ما أَفُوْهُ بِهِ كأنَّنِيْ وَهُمُ في قولِهِ شرع كم بين قومٍ قد احتالوا لِمَنْطِقِهِمْ وبين قومٍ على الإعرابِ قد طُبِعُوْا وبين قومٍ رَأَوْا شَيْئًا مُعايَنَةً وبين قومٍ حَكَوْا بَعْدَ الذي سَمْعُوا إِنِّي رَبيتُ بقومٍ لا تَشِبُّ بِهَا نارُ المجوسِ ولا تُبْنَىْ بِها الْبِيَعُ ولا يَطَا الْقِرْدُ والْخِنزيرُ تُرْبَتَها لَكُمْ بِهَا الرِّيْمُ والآسَاْدُ والضّبعُ - 2 - السفر والغربة قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي 767 - 820 م سافرْ تَجدْ عِوضاً عمّن تفارقهُ وانصبْ فإن لذيذ العيش في النَّصَبِ ما في المقامِ لذي لُبٍّ وذي أدبٍ معزةٌ فاترُكِ الأوطانَ واغترِبِ إني رأيتُ وقوفَ الماء يُفسِدُهُ إنْ ساحَ طابَ، وإنْ لم يَجْرِ لم يَطِبِ والبدرُ لولا أُفولٌ منه ما نظرَتْ إليه في كلِّ حينٍ عَيْنُ مُرتقبِ والأُسْدُ لولا فراق الغابِ ما قَنَصَتْ والسَّهمُ لولا فراق القوسِ لم يصبِ والتِّبرُ كالتِّبْنِ مُلقىً في مًواطنهِ والعودُ في أرضهِ نوعٌ من الحطبِ فإنْ تغرَّبَ هذا عَزَّ مَطلَبُهُ وإنْ أقامَ فلا يَعلو إلى الرُّتَبِ - 3 - ابن أبي عتيق هو عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن ابن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وقد حدَّث محمد بن الضحاك بن عثمان الحزامي وغيرُهُ: أنَّ ابن أبي عتيق وَفَدَ على الخليفة عبدالملك بن مروان، فلقي حاجبه فسأله أَن يستأذن له عليه، فسأله الحاجب ما نزعه؟ فذكر دَيْناً قد مَسّه، فاستأذن له، فأمر عبدالملك بإدخاله، فدخل وشاهد عند رأس عبدالملك ورجليه جاريتين وضيئتين، فسلّم وجلس. فقال له عبدالملك: ما حاجتك؟ قال: مالي حاجة إِليك. قال: أَلم يذكر لي الحاجب أَنك شكوت إِليه ديناً عليك، وسألتَه ذِكرَ ذلك لي؟ قال: ما فعلتُ، وما علَّي دَين، وإِني لأيسُر منك. قال: انصرفْ راشداً، فقام وغادر مجلسه، ودعا عبدالملك الحاجبَ فقال له: أَلم تذكر لي ما شكا إِليك ابن أبي عَتيق من الدَّين؟ قال: بلى. قال: فإِنه أَنكر ذلك. فخرج إِليه الحاجب، فقال: أَلم تَشكُ إِلَّي دَينك، وذكرتَ أَنك خرجت إِلى أَمير المؤمنين فيه، وسألتني ذِكْرَهُ؟ قال له: بلى. قال: فما حملك عَلَى إِنكار ذلك عند أمير المؤمنين؟ قال ابن أبي عَتيق: دخلت، عليه وقد جَلست الشمسُ عند رأسه، وجلس القمرُ عند رجليه، ثم قال لي: كن سَأَلاً، والله ما كان الله ليرى هذا أَبداً. فدخل الحاجب عَلَى عبدالملك فأَخْبَرَه خَبَرَهُ، فضحِك الخليفةُ عبدالملك بن مروان الأموي، وَوَهَبَ الجاريتين لابن أبي عتيق، وقضى دَينَهَ ووصَلَه، وكان ذلك سببَ الأُنْسِ بين ابن أبي عتيق وبين الخليفة. - 4 - القَزويني هو أبو عبدالله زكريا بن محمد بن محمود الكوفي القزويني، عالم موسوعي، ينتهي نسبه إلى الإمام مالك بن أنس الأنصاري مفتي المدينة وصاحب المذهب المالكي. وقد ولد في قُزوين سنة 605 للهجرة / 1208م تقريباً، فنُسبَ إليها، وهاجر القزويني إلى العراق فتتلمذ على كبار العلماء في أيام الخليفة المستعصم آخر بني العباس، فبرز في العلوم الشرعية، وتولى منصب القضاء في مدينتي واسط والحلة في العراق، وبقي قاضياً حتى دخل المغول سنة 656 ه/ 1258م، ثم غادر القزويني العراق، واستوطن في مدينة دمشق، وقد عُرِفَ بين علمائها بالعشَّاب لأنه كان يعرف خصائص النباتات الطبية. واستمر بتأليف الكتب العلمية في الفلك، والطبيعة، وعلوم الحياة، ووضع نظريات في علم الرصد الجوي، وأشهر مؤلفاته كتاب عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات. حيث يصف فيه السماء وما فيها من كواكب ونجوم، كما يصف الأرض وجبالها وأوديتها وأنهارها، ويتحدث عن كرة الهواء، وعن الرياح ودورتها، وكرة الماء وبحارها وأحيائها، كما يتحدث عن اليابسة وما فيها من جماد ونبات وحيوان. وللقزويني كتاب آثار البلاد وأخبار العباد. وقد ضمّنه ثلاث مقدمات عن الحاجة إلى إنشاء المدن والقرى، وخواص البلاد، وتأثير البيئة على السكان والنبات والحيوان، كما عرض لأقاليم الأرض المعروفة آنذاك، وخصائص كل منها. واستمر في العطاء العلمي حتى توفي سنة 682 ه/1283م. ومن أقوال القزويني: "إن الإنسان إذا لم يُصِبْ في أول مرة فليدرس الأسبابَ، ثم يعيد تجربته، فإن هذا هو السبيل إلى النجاح". إذا وجدت مغناطيساً لا يجذب، فلا تفقده خاصية الجذب" بل ابحث عن العائق في عدم جذبه للحديد. وقال القزويني في كتاب آثار البلاد وأخبار العباد: "جوف: واد بأرض عاد كان ذا ماء وشجر وعشب وخيرات كثيرة، ومنه حمار بن مويلع، الذي كان له بنون خرجوا يتصيدون فأصابتهم صاعقة فماتوا عن آخرهم، فكفر حمارٌ كفراً عظيماً، وقال: لا أعبد رباً فَعَلَ بِي هذا! ودعا قومَه إلى الكُفْرِ فَمَنْ عصاه قَتَلَهُ، وكان مَنْ مَرَّ به من الناس، فأقبلت نارٌ من أسفل الْجَوْفِ فأحرقته، ومَنْ فيه وغاض ماؤه، فضربت العربُ به المثل، وقالوا: أكفر من حمار!و قالوا أيضاً: أخلى من جوف حمار! وقال شاعرهم: ولشؤم البغي والغشيم قديماً/ ما خلا جوفٌ ولم يَبْقَ حمارُ". - 5 - المزاح قال أبو البركات محمد بن محمد الغزي، في كتاب المراح في المزاح المؤلف: "قال عمر بن عبدالعزيز: اتقوا المزاح فإنها حمقة تورث ضغينة. وقال أيضاً: إنما المزاح سُباب إلا أن صاحبه يضحك". وقيل: إنما سُمِّيَ مزاحاً لأنه مزيحٌ عن الحق. وقال إبراهيم النخعي: المزاح من سُخْفٍ أو بَطَرٍ. ومن مُسْتَحْسَنِ المزح ومُسْتَسْمَحِ الدُّعابة ما حُكِيَ عن الإمام القُشيري أنه وقف عليه شيخ من الأعراب فقال له: يا أَعرابي ممن أَنت؟ فقال: من بني عَقِيل. فقال: من إِي عقيل؟ قال من بني خَفَاجة. فقال القشيري: رأَيتُ شيخاً من بني خَفَاجَة فقال الأَعرابي: ما شأنه؟ فقال القشيري: له إِذا جنَّ الظلامُ حاجَه. فقال الأَعرابي: ما هي؟ فقال القشيري: كحاجة الدّيك إِلى الدَّجاجَة. فاستغرب الأعرابي وقال: قاتلك الله ما أَعرفَك بسَرائر القوم. فانظر كيف بلغ بهذا المزاح غايته، ولسانه وعرضه مصون.