تعليقات ونظرات تتنقّل بين الحضور وورقة التعريف بالعرض. إننا في الاستعراض الخاص بتقديم مجموعة ربيع - صيف 2004، لمصمم الأزياء اللبناني نيكولا جبران. بعد ساعة من الانتظار تقريباً، ها هو العرض يبدأ في الصالة الملكية في بيال وسط بيروت... وتتطاير الجمل والتعليقات من حولنا... "يسبر غور الأنوثة"... "هيفاء وهبي أنحف مما تظهر على الشاشة"... "كولون هادية سنو assortie متناسق مع لون شعرها"... "يصنع عصارة جهده في ابتكار الجديد"... "أنامل كريستينا صوايا طويلة جداً"... "أصالة تظهر في التلفزيون أجمل بكثير... "من الحقبة الزمنية التي انتقل فيها الهنود الحمر إلى إسبانيا"... "من الذي يجلس إلى جانب طوني بارود"... جمهور عرض الأزياء هو بحدّ ذاته حدث في مثل هذه المناسبات. الوجوه معروفة بغالبيتها الساحقة، وان غابت أسماء بعضها، فقد رأيتها حتماً في أحد الصالونات أو على صفحات إحدى المطبوعات التي تتابع سيدات المجتمع في يومياتهن. تنوعت أزياء الحضور واختلفت باختلاف الأعمار أو الجنس، وبرز ما يجمع بين الموضة والغرابة في سعي واضح من الجميع إلى فرض ما لبسوه ك"لوك" جديد وأسلوب خاص. والتفت عدسات المصورين من حولهم لتضع أضواؤها اللمسات الأخيرة على عملية لفت النظر إليهم. الساعة التاسعة إلا ربعاً. بدأ الملل يتسرب إلى الحضور الذين انهوا بدورهم عملية "مسح" الحضور. الرجال المرافقون ينظرون الى الساعات، وكأنهم يصلّون ليبدأ العرض حتى ينتهي. تتجه الأنظار إلى المسرح الذي يفرض نفسه على الحاضر الذي لا يمكنه تجاهله أو حتى التغاضي عنه، فيزيد التكهنات بما يمكن ان يحمله عرض هذه المجموعة لنيكولا جبران الذي عوّد جمهوره على المفاجآت التي تفوق التوقعات... شرفة يتفرع من جانبيها درجان يلتقيان في ممر يجمع بينهما وبين درج ثالث يوصل إلى الممر الأطوال وهو ارض المسرح العادية. حليق الرأس يرتدي فستاناً في التاسعة إلا خمس دقائق ضاق الحضور ذرعاً بالتأخير الذي قارب الساعة، وأخذ بعض الحضور بالتصفيق كدعوة للبدء بالعرض. وما هي إلا ثوان حتى استجاب المنظمون لرغبة الجمهور. وأطفئت الأضواء ليتسلط ضوء واحد على رجل حليق الرأس يرتدي فستاناً من الشيفون ويضع ماكياجاً كاملاً لوجهه حاملاً بيده وشاحاً احمر يخرج من وراء الستار في أعلى الشرفة المنصوبة. وما ان ألقى الوشاح من يده وبدأ بنزول الدرج حتى ظهرت صورة جبران وقد رسمت بخيوط ذهبية على صدر الفستان. نزل "شادي" الدرج معتمداً على جوانبه الخشبية لئلا يقع متمايلاً في جميع الاتجاهات، شاكياً حاله إلى الجمهور، معرباً عن الملل وعدم الراحة باللغتين العربية والفرنسية، ناقماً على الأيام التي جعلته غير واثق حتى من هويته. وفي النهاية يدعو السيدات الى الخروج بألوانهن وأزيائهن لينشرن الفرح على المحيط. الدهشة التي خلفتها بداية العرض، استمرت مع عودة الإضاءة وظهور العارضات اللواتي خرجن من وراء الستار في شكل جماعي وانتشرن على الشرفة والأدراج في طريقة قلّما نشهدها في عروض الأزياء. استوحى نيكولا جبران في عرضه للموسم الجديد أزياءه من إسبانيا. فطغت الفساتين الضيقة التي تتسع تدريجاً نحو الأسفل مجسدة الأزياء التراثية الإسبانية، بألوان صارخة تماشت مع الأجواء الاحتفالية للعرض. العارضات خرجن من "الكواليس" مترنحات... يحملن بأيديهن كؤوساً... يتمايلن مع الموسيقى... يتراقصن... يتهامسن وتعلو ضحكاتهن... يتلامسن... ينفخن دخان السجائر... ويرشفن من الكؤوس... المشهد أعاد إلى الأذهان رقصات أفلام سينمائية ك Moulin rouge Chicago ، وباتت ملاحقة حركات العارضات أكثر جذباً من التأكد من أزيائهن. خرجن مجموعات بحسب تقارب ألوان الفساتين التي تنوعت أقمشتها بين الشبك والحرير والأورغنزا... وان كان اكثر ما ميّز المجموعة القصّات والأشكال والتطريزات اليدوية التي أضفت لمسة سحرية على التصاميم. واحد وخمسون زياً عرضت في أجواء احتفالية كرنفالية، شدت أنظار الجمهور وحبست أنفاسه بألوانها الصارخة، وبجرأتها لقلة ما تخفيه من الجسد. وعلا التصفيق الذي غاب طوال العرض مع ظهور عارضة ترتدي ما يشبه الثياب الداخلية. استخدم جبران مراوح الريش الإسباني كجزء من الاكسسوار الذي جاء مكملاً لأجواء الفرح التي اتسمت بها ملامح العرض، واحتل مساحة كبيرة من المجموعة. رافقت الحقائب اليدوية والسلال والأحزمة والقبعات الأزياء، ليضيف الكريستال والبلاستيك الملون بريقاً ولمعاناً على الأزياء المتلألئة. وللأحذية دورها في العرض المُمسرح... إذ خلعت بعض العارضات أحذيتها، ووضعت أخريات حليهن في كؤوس زميلاتهن... كما ساهمت فكرة الترنّح والتخبّط بتغطية بعض الهفوات كأن يعلق قماش فستان في الخشب... إضافة إلى أن "حال السكر" المفترضة أظهرت التعثر بالخطوات كجزء من العرض... الفكرة التي يقدم بها نيكولا جبران مجموعاته أصبحت جزءاً لا يتجزأ من انتظار جديده... تناغم واضح بين الماكياج وتصفيف الشعر مع الأزياء طوال مدة العرض، ولم تقل "عروس" جبران تميزاً عن أزيائه الإسبانية، فخصها بأربعة فساتين وفي حين تداخلت الألوان مع بياضها طرّز أحدها بالخشب... حافظ جبران على تميز فكرته حتى النهاية... واستطاع جذب انتباه الحضور إلى الفستان الأخير... وخلافاً لأعراف عروض الأزياء، ختم جبران مجموعته بفستان من قصاصات الصحف والمجلات التي طبعت على القماش، و"هي لفتة أرادها جبران تكريمية لفرسان الصحافة"، بحسب ما جاء في كلمة التعريف بالمجموعة.