لم يكن اللقاء الماراثوني الذي عقد ليل أول من أمس بين رئيس الحكومة رفيق الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في منزل معاونه السياسي حسين الخليل في بئر العبد، مفاجئاً للذين واكبوا التحضيرات للاجتماع الذي فرضته التطورات الأمنية والسياسية المتسارعة على خلفية الذهول الذي أصاب الجميع جراء الصدامات الدموية التي شهدتها الضاحية الجنوبية الخميس الماضي بين الجيش اللبناني ومجموعات من المتظاهرين. وفي معلومات "الحياة" ان الحريري كان المبادر الى طلب لقاء نصرالله، بعدما كان اجتمع مطولاً الجمعة الماضي مع الخليل. وقد استمر اللقاء نحو ثلاث ساعات. وذكرت مصادر مقربة من المجتمعين ان العنوان الرئيس للاجتماع، يتعلق في عدم توافر أجوبة صريحة عن الهدف من الصدامات الدموية التي حصلت والجهة التي خططت لها أو ساهمت في تعبئة النفوس، خصوصاً أن الضاحية لم تكن ملحوظة في التحرك العمالي. وقالت ان تساؤلات طرحت في لقاء الحريري - نصرالله، لكنها بقيت معلقة بينما ما زالت التحليلات السياسية تفتقر الى وضوح الرؤية على رغم ان الطرفين يعتقدان ان هناك قوى مستهدفة وان الحزب ورئيس الحكومة في طليعة المستهدفين. ولفتت الى أن اللقاء لم يصل الى معرفة أسباب ما شهدته الضاحية فحسب، وإنما زاد من طرح التساؤلات في ضوء السؤال الأساس الذي طرحه الحريري ويدور حول مبادرة الاتحاد العمالي بالدعوة الى الاضراب والتظاهر من دون أن يخسر اتصالاً هاتفياً عليه يبدي فيه استعداده للحوار وطرح مطالبه للوقوف على رأي الحكومة؟ وأوضحت ان الحريري فوجئ بالدعوة الى الاضراب والمطالب، خصوصاً أنه لم يعرف الأسباب التي حالت دون تثبيت سعر صفيحة البنزين على رغم القرار الذي كان اتخذه مجلس الوزراء في هذا الخصوص ولا الدواعي التي دفعت بعدد من الوزراء الى التظاهر ضد الحكومة. وكأنهم يريدون ركوب موجة المزايدات العمالية والشعبية بدلاً من قيامهم بواجبهم في تنفيس أجواء الاحتقان وفي تشجيع الاتحاد العمالي على الحوار. وذكرت ان نصرالله أبدى تفهماً للتساؤلات التي أثارها الحريري والتي أضيفت الى تساؤلات أخرى عن نقل ساحة المعركة الى الضاحية التي تتميز بخصوصية أمنية وسياسية، وتحديد اسم الجهة التي أوعزت للمتظاهرين بقطع الطرق وإشعال دواليب المطاط. وأشارت المصادر الى أن نصرالله تحدث في معرض تكراره التساؤلات التي كان أوردها في مؤتمره الصحافي وكأنه أصيب شخصياً بجروح سياسية مباشرة وان الحزب مستهدف من خلال الحوادث التي لم يكن طرفاً فيها، مؤكدة ان بعض الجهات الرسمية كانت تتوقع قيام مجموعات بقطع الطرق وحرق الدواليب وافتعال حوادث شغب، من دون أن تبادر الى اتخاذ التدابير لقطع الطريق على من يحاول افتعال حوادث لا مبرر لها. وقالت ان حال التساؤل كانت القاسم المشترك لدى الحريري ونصرالله الذي كرر تساؤله عن الأسباب التي أدت الى فرض حصار حول حي السلم بدلاً من المبادرة الى تسهيل خروج الناس، لا سيما أن الجيش بدا مستهدفاً وهذا ما يستعجل انهاء التحقيق الى نتائج ملموسة. الى ذلك نقلت المصادر عن لسان كبار المسؤولين السوريين انزعاجهم الشديد مما حصل في الضاحية، خصوصاً أن المعلومات الأولية عن حصول الصدامات في حي السلم كانت وصلت الى القيادة السورية اثناء استقبال الرئيس بشار الأسد الحريري. وقال قطب سياسي بارز على اتصال بدمشق ان الأخيرة لا تحبذ اسقاط الحكومة في الشارع لا بل تقف ضد مثل هذه المحاولات ولا ترى من جدوى للتظاهر للضغط من أجل تحقيق المطالب طالما ان الجهات المعنية بها لم تسلك طريق الحوار واتبعت طريقاً آخر. وأوضح ان الموقف السوري من احداث الضاحية أبلغ الى كبار المسؤولين اللبنانيين، خصوصاً ان لقاء الأسد والحريري كان ايجابياً جداً رافضاً الدخول في التفاصيل ومكتفياً بالقول إن خطوطه العريضة لا تنسجم أبداً مع الكلام الذي أخذ يشاع في بيروت منذ أكثر من اسبوع عن احتمال المجيء بحكومة جديدة. ورأى ان اركان الدولة في لبنان يعرفون جيداً الموقف السوري بالنسبة الى عدم تشجيع دمشق استبدال الحكومة الحالية وبعودة الحديث مجدداً عن الاستحقاق الرئاسي مؤكداً ان القيادة السورية ما زالت عند موقفها بسحبه من التداول. وأضاف ان دمشق التي تتواصل باستمرار مع الحريري ليست في حاجة الى تمرير رسائل اليه أكانت بالواسطة أم من خلال نتائج الانتخابات البلدية. ولكن يبقى الأهم في قراءة متأنية لخطورة ما حدث في الضاحية ان حلفاء سورية لم يكونوا في جبهة واحدة، وان معظمهم توزعوا على جبهتين وهذا ما أساء الى صورة الحكومة التي هي في الأساس مهزوزة والى هيبة الدولة، اضافة الى أنه سهل استغلال هذا الفريق أو ذاك في تمرير رسالة رفض الجميع أن يتسلمها وقد ارتدت سلباً على مجمل الوضع. كما ان الموقف الذي عبر عنه نصرالله برفضه ان يكون الحزب بمثابة صندوق بريد لتمرير رسائل في أي اتجاه كان أو ان يستخدم في تصفية الحسابات أو في اقحامه في لعبة الاطاحة بالحريري، ما يعني انه في ظل عدم وضوح النيات لدى الذين خططوا لحوادث الضاحية كان لا بد من قطع الطريق على أي طرف في الاسترسال في قراءة ما حصل بما يخدمه ضد خصومه. يضاف الى كل ذلك، ان التمادي في قطع الطرقات الدولية وخصوصاً طريق بيروت - دمشق وفي السيطرة على طريق الاوزاعي والمعابر الدولية المؤدية الى مطار بيروت، تسبب في انزعاج دمشق المعنية بالوضع في الضاحية وبالتالي ليست في وارد السماح في ظل الضغوط التي تتعرض لها من جانب الولاياتالمتحدة بأن يقال انها غير قادرة على توفير الدعم اللوجستي والأمني للسيطرة على الوضع. وهذا ما يفسر تشددها في ازالة كل أسباب التوتر من ناحية وفي فتح الطرقات التي أعادت الأمور الى مجراها الطبيعي.