1 خصَّص ابن عبد ربه الأندلسي كتاب المرجانة الثانية من كتاب العقد الفريد للنساء وصفاتهن، ومما جاء في باب أخبار النساء، تحت عنوان: المنجبات من النساء: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا بَنِي السائب، إنكم قد أَضْوَيْتُمْ فأنكِحُوا في النَّزَائع. وقالت العرب: بناتُ العمِّ أصبر، والغرائبُ أَنْجَب. والعربُ تقول: اغتَرِبُوا لا تَضْوَوا. أيْ أنكِحوا في الغرائب، فإن القَرَائِبَ يضوينَ البَنِيْنَ. والنَّزيعَةُ من النَّجائِبِ التي تُجْلَبُ إلى غير بِلادِها ومَنْتِجِها والمرأةُ التي تُزَوَّجُ في غيرِ عَشِيرَتِها فَتَنْقَلَ ]ج[ نَزائِعُ. الضَّوَى: دِقَّةُ العَظْمِ وقَلَّةُ الجِسْمِ خِلْقَةً أو الهُزالُ ضَوِيَ كرضِيَ فَهو غُلامٌ ضاوِيُّ بالتشديدِ وهي بهاءٍ. وأضْوَى دَقَّ وأضْعَفَ والمرأةُ ولَدتْ ضاوِيًّا وَحَقَّهُ إِيَّاهُ نَقَصَهُ. 2 قالت أمُّ تأبَّطَ شَراًّ: والله ما حملته تضعاً ولا وضعاً، ولا وضعته يتناً ولا أرضعته غِيلاً، ولا أنَمْتُهُ مئِقاً. ومعنى هذا الكلام: حَمَلَتْهُ وَضعاً وتضعاً، وهي أنْ تحملَهُ في مقتبل الحيض. ووَضَعَتْهُ يتناً، وضَعَتْهُ مَنكّساً، تخرج رجلاه قبل رأسه. وأرضَعَتْهُ غيلاً، أرضَعَتْهُ لَبَناً فاسِداً، وذلك أنْ تُرْضِعَهُ وهي حَامِل، وأَنَمْتُهُ مئقاً، أيْ: مُغضباً مُغتاظاً. ومن أمثال العرب قولُهم: أنا مئِق، وأنت تئق، فلا نتفق. المئق: المغضب المغتاظ. والتئق: الذي لا يحتمل شيئاً. 3 قال محمد بن الفارّ: حدثني عبدالرحمن بن محمد بن أخي الأصمعي قال: سمعت عمي يقول: قال عمي للخليفة هارون الرشيد، في بعض حديثه: بلغني يا أمير المؤمنين أن رجلاً من العرب طلَّق في يوم خمسَ نَسْوَة. فقال الرشيد: إنما يجوز مِلْكُ الرجلِ على أربع نِسوة، فكيفَ طَلَّقَ خَمْساً؟ فقال عمي: كان لرجلٍ أربعُ نسوة، فدخلَ عليهن يوماً فوجدَهُنَّ مُتلاحياتٍ مُتنازعات، وكان شنظيراً. فقال: إلى متى هذا التنازع؟ ما أخالُ هذا الأمر إلا من قِبَلِكِ، يقول ذلك لامرأةٍ منهُنَّ، اذهبي فأنت طالق. فقالت له صاحبتُها: عجَّلتَ عليها الطلاقَ، ولو أدَّبتَها بغير ذلك لكُنْتَ حَقِيْقاً. فقال لها: وأنت أيضاً طالق. فقالت الثالثة: قَبَّحَكَ الله، فوالله لقد كانتا إليكَ مُحسِنَتَيْن، وعليك مُفَضِّلَتَين. فقالَ: وأنتِ أيَّتُها الْمُعَدِّدَةُ أيادِيْهِمَا طَالِقٌ أيضاً. فقالت له الرابعةُ، وكانت هِلاليّةً وفيها أَنَاْةٌ شَديدَةٌ: ضاق صدرُكَ عن أنْ تُؤَدِّبَ نِسَاءَكَ إلاّ بالطلاق. فقال لها: وأنتِ طالِقٌ أيضاً. وكان ذلك بمسمع جارةٍ له، فأشرفتْ عليه وقد سَمِعَتْ كلامَه، فقالتْ: والله ما شَهِدَت العرَبُ عليك، وعلى قومِكَ بالضَّعْفِ إلاَّ لِمَا بَلَوْهُ مِنكُم ووجَدُوْهُ فيكم، أَبَيْتَ إلاَّ طلاق نِسائِكَ في ساعةٍ واحدة. قال: وأنتِ أيضا أيَّتُها الْمُؤنِّبَةُ الْمُتكلِّفَةُ طالِقٌ إِنْ أَجازَ زَوْجُكِ. فأجابَهُ زوجُها من داخِلِ بَيْتِهِ: هِيْهٍ، قد أجَزْتُ، قد أَجَزْتُ. جاء في لسان العرب: الشِّنْظِير السَّخِيف العقل، وهو الشِّنْظِيرة أَيضاً. والشِّنظِير: الفاحشُ الغَلْقُ من الرجال والإِبلِ السَيِّئ الخُلُقِ. ورجل شِنْغِير وشِنْظِير و شِنْظِيرة بَذِيٌّ فاحش" أَنشد ابن الأَعرابي لامرأَة من العرب: شِنظيرةٌ زَوَّجَنِيهِ أَهْلِي من حُمْقِه يَحْسَبُ رأْسِي رِجْلي كأَنه لم يَرَ أُنثى قَبْلِي 4 دخل الْمُغيرةُ بنُ شُعبة على زوجته فارِعَة الثَّقَفِيَّة، وهي تَتَخَلَّلُ حِيْنَ انْفَتَلَتْ مِن صلاةِ الْغَدَاة، فَقالَ لها: إنْ كُنْتِ تَتَخَلَّلِيْنَ من طعامِ اليومِ إِنَّكِ لَجَشِعَة، وإنْ كنتِ تتخللين من طَعامِ البارِحَةِ إنك لَبَشِعَة، كُنْتِ فَبِنْتِ. فقالتِ الفارعةُ: والله ما اغْتَبَطْنَاْ إِذْ كُنَّاْ وَلا أَسِفْنَاْ إِذْ بِنَّاْ، وما هو لِشيءٍ مِمَّا ذَكَرْتَ، وَلَكِنِّيْ اسْتِكْتُ فتخَلَّلتُ لِلسّواك. فَخَرَجَ الْمُغيرةُ نادِماً على ما كان مِنْهُ. فَلَقِيَهْ يُوسُفُ بِنُ أبِيْ عَقِيْل الثقفي، فقالَ له المغيرةُ: إنِّيْ نَزَلْتُ الآن عن سَيِّدَةِ نِسَاْءِ ثَقِيْفٍ، فَتَزَوَّجْهَا، فإِنَّها سَتُنْجِبُ، فَتَزَوَّجَهَا يوسفُ، فَأنجبتْ ووَلدتْ لَهُ الْحَجَّاْجُ بن يوسف الثقفي الذي بنى مدينة واسط في العراق. 5 قال الحسنُ بنُ عليٍّ لامرأتِهِ عائشة بنت طلحة: أمْرُكِ بِيَدِكِ. فقَالت عائشةُ: قد كان أمري بِيَدِكَ عشرين سَنَةً، فأحْسَنْتَ حِفْظَهُ، فَلَنْ أُضَيِّعَهُ إِذْ صَار بِيدي ساعةً واحدةً، وقَدْ صَرَفْتُهُ إِلَيْكَ. فأعْجَبَهُ ذلك الكلامُ منها وأمْسَكَهَا. 6 قال أبو عُبيدة: طلَّق رجلٌ امرأته، وقال في ذلك: لقَدْ طَلَّقْتُ أُخْتَ بَنِيْ غلابٍ طَلاقاً ما أَظنُّ لَهُ ارْتِدَاْدَا وَلَمْ أَكُ كَالْمُعدّلِ أَوْ أُوَيْسٍ إِذَا ما طَلَّقَا نَدَماً فَعَادَا وطلاق المعدل وأويس يُضْربُ به الْمَثَلُ لِمَنْ يُطَلِّقُ ويرجعُ عن الطلاق. 7 تزوج رجلٌ امرأةً مِن العرب، فلما اهْتَدَاْهَاْ رَأَتْ رَيْعَ دارِه أَحْسَنَ رَيْعٍ، وشَمْلَ عِياله أَجْمَعَ شَملٍ، فقالتْ: أما والله لَئِنْ بَقيْتُ لَهُمْ لأُشَتِتَنَّ أَمْرَهُم، وقالتْ في ذلك: أرى ناراً سأَجْعَلُها إِرِيْنَا وأترُكُ أهلَها شَتَّى عِزِيْنَا فلما انتهى خبرُ ذلك إلى زوجها طلَّقَها، وقال في ذلك: ألا قالتْ هَدِي بَنِي عَدِيٍّ أَرَىْ نَاراً سأَجْعَلُها إِرِيْنَا فَبِيْنِيْ قَبْلَ أَنْ تلحِيْ عَصَانا وَيُصْبِحُ أَهْلُنَا شَتَّى عِزِيْنَا إرين: قال الخطابي: هذا حرف طال ما اسْتَثْبَتُّ فيه الرُّواةَ وسأَلتُ عنه أَهلَ العلم فلم أَجدْ عند واحد منهم شيئاً يُقْطعُ بصحته، وقد طلبت له مَخْرَجاً فرأَيته يتجه لوجوه: أَحدها أَن يكون من قولهم أَرانَ القوم فهم مُرينون إذا هلكت مواشيهم، فيكون معناه أَهلِكْها ذَبحاً وأَزْهِقْ نفْسَها بكل ما أَنَهَرَ الدمَ غير السنّ والظفر، على ما رواه أَبو داود في السُّنن، بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون النون، والثاني أَن يكون ائْرَنْ بوزن اعْرَنْ، من أَرِنَ يأْرَنُ إذا نَشِط وخَفَّ، يقول: خِفَّ واعْجَلْ لئلا تقتُلَها خَنْقاً، وذلك أَن غير الحديد لا يمورُ في الذكاة مَوْرَه، والثالث أَن يكون بمعنى أَدِمِ الحَزَّ ولا تَفْتُرْ من قولك رَنَوْتُ النظرَ إلى الشيء إذا أَدَمْتَه، أَو يكون أَراد أَدِمِ النظرَ إليه وراعِه ببصرِك لئلا يَزلَّ عن المذبح، وتكون الكلمة بكسر الهمزة. والنون وسكون الراء بوزن ارْمِ . قال الزمخشري: كلُّ مَن علاكَ وغَلَبكَ فقد رانَ بك. ورِينَ بفلان: ذهبَ به الموتُ وأَرانَ القومُ إذا رِينَ بمواشيهم أَي هلكت وصاروا ذَوي رَيْنٍ في مواشيهم، فمعنى أَرِنْ أَي صِرْ ذا رَيْنٍ في ذبيحتك، قال: ويجوز أَن يكون أَرانَ تَعْدِيةَ رانَ أَي أَزْهِقْ نَفْسَها. 8 ذُكِرَ أن رجُلاً يُقال له: أبو حمزةَ قد طَلَبَ من امرأته أن تَلِدَ له غُلاماً، فَولدتْ جَارِيَةً فَهَجَرَها عاماً، ومَرَّ بعد ذلك بِخَيْمَتِها، فَسَمِعَهَا تُداعِبُ وَلِيْدَتَها وتقول: مَا لأبِيْ حَمْزَةَ لا يأتِيْنا يَظلُّ فِي البيتِ الذي يَلِيْنَاْ غَضْبَاْنَ أَلاَّ نَلِد الْبَنِيْنَا تَالله مَا ذَاك فِي أيْدِيْنا وَنَحْنُ كَالأرضِ لِزَاْرِعِيْنَا نُخْرِجُ ما قد زَرَعُوْهُ فِيْنَا فَكأنَّها نَبَّهَتْ بِقَوْلِها في نَفْسِهِ أمراً، فَدَخَلَ عليها، وقَبَّلَ وليدَتَهُ، وقَبَّلَ زوجَتَهُ ورَضِيَ بِعَطاءِ الله. 9 خَطَبَ أميرُ المؤمنين الوليدُ بنُ عبدِ الملك بِنْتَ سَعيد بنِ الْمُسَيَّب إلى ابْنِهِ، فَرَفَضَ الخطوبةَ سَعيد بنُ الْمُسَيَّبِ إِمَاْمُ التَّابعين وسَيّدُهُم، رفضها وَرَعاً ومخافةً من الله تعالى أن تعيشَ ابنتُهُ في بيتِ الخلافة. ويَفْتَقِدُ سعيد بنُ المسيب تلميذَهُ عبدَالله بنَ أبي وَداعَةَ يوماً، فلما أتاهُ بعد ذلكَ، قال سعيدٌ: لِمَ تَغَيَّبْتَ بالأمس؟ قال عبدالله بن أبي وداعة: ماتتْ زوجتي. قال سعيد: ألا تريدُ أن تتزوَّجَ؟ قال: ليس معي مالٌ. فقال سعيد: وما عندك؟ قال: درهَمَيْن. فقال سعيد بنُ الْمُسَيَّب: زَوَّجْتُكَ ابنتي على دِرْهَمَين. وعاد عبدالله بنُ أبي وداعة إلى بيته بعد انتهاء الدرس، وما إن جلس حتى طُرِقَ باب بيته، فقال: من الطارق؟ فأجابه الطارقُ: سعيد بنُ المسيب. فظنَّ عبدالله بنُ أبي وداعة أن سعيداً جاء يعتذر عما أبرَمَهُ مُسْرِعاً، ففتَح الباب، ورأى وراء سعيد ظِلَّ امرأة، وقال سعيد: كَرِهْتُ أن تبيتَ أعزَبَ وهذه زوجَتُكَ، ودفعها إليه وأغلق الباب وذهب إلى منزله. فخرجَ ابنُ أبي وداعة إلى الجيران، وقال لهم: استروني ستركم الله، والله ليس عندي طعام أُطْعِمُ بِهِ ابنةَ سعيد بنِ الْمُسيب، فاحضروا له الطعام، ولما كان الصباح أراد أن يذهبَ إلى مجلس سعيد لطلب العلم، فقالت لي زوجته: إلي أين؟ قال: ذاهبٌ لأطلبَ العلم من والدك. فقالت: اجلِسْ فإنَّ عِلْمَ سَعيد بن الْمُسيب عِندي.