دخلت البطولة الأوروبية لكرة القدم في دورتها السادسة عام 1980 بؤرتي الاهتمامين القاري والعالمي، واضطر الاتحاد الأوروبي لإجراء تعديلات في برنامجها لمواكبة هذين الاهتمامين، وبدأ بإقامة النهائيات بين ثماني دول بدلاً من أربع، وإعفاء الدولة المنظمة من المشاركة في التصفيات، وكانت إيطاليا أولى الدول المستفيدة. تقرر إقامة النهائيات بنظام الدوري من مجموعتين لزيادة عدد المباريات وجذب جماهير أكثر والحصول على دخل أكبر من البث التلفزيوني، ومع قصور عدد المنتخبات المتأهلة إلى سبعة فقط تحت زيادة المنتخبات المشاركة في مجموعات التصفيات من 4 إلى 5 وهو ما زاد أيضاً من عدد المباريات في التصفيات وزادت المهمة صعوبة على المنتخبات الصغيرة في الحصول على مقاعد في النهائيات، ومع مشاركة 31 منتخباً لانسحاب ألبانيا قسمت إلى 3 مجموعات من 5 منتخبات و 4 مجموعات من 4 فقط. للمرة الثالثة على التوالي لم تلعب الأرض مع أصحابها.. وبعد فوز بلجيكا ويوغوسلافيا الدولتين المنظمتين لنهائيات 1972 و1976 جاء الدور على إيطاليا أيضاً وحرمتها ركلات الجزاء الترجيحية التي نالت لقباً جديداً في الصحافة الإيطالية" بعد خسارة فريقها في تحديد المركز الثالث أمام منتخب تشيخوسلوفاكيا 8-9 وأصبحت "ركلات المعاناة الترجيحية"، ولكن المنطق في كرة القدم بقي موجوداً ومعقولاً بفوز منتخب ألمانيا الغربية المجدد باللقب الثمين وللمرة الثانية في تاريخه. ولم يكن خروج منتخبات عملاقة مثل هولندا وتشيخوسلوفاكيا حامل اللقب وإسبانيا وإيطاليا الدولة المنظمة وإنكلترا وفرنسا وإسبانيا إلا قسطاً من تلك الأحداث النادرة. أما الأعجب فهو ما حدث للمنتخب الألماني الذي ظهر شبحاً باهتاً عاجزاً عن الفوز أو عن هز الشباك في الدور الأول أمام منتخب مالطة المتواضع ثم أمام تركيا وتعادل سلباً في المباراتين وجاءت النهائيات ليكرر أفعاله بتعادل غريب مع اليونان وسلسلة انتصارات على العمالقة هولندا وتشيخوسلوفاكيا وبلجيكا. الإيجابيات التي شهدتها نهائيات البطولة السادسة بنظامها الجديد كثيرة، وأبرزها زيادة الإقبال الجماهيري والمتابعة الإعلامية وانتشار البث التلفزيوني خارج القارة واحتدام دائرة المنافسة والإثارة وارتفاع عنصري القوة والمستوى في المباريات.. ولكن السلبيات لم تكن قليلة وبينها انخفاض معدل الأهداف إلى ما دون هدفين في المباراة الواحدة، وظهور العنف في الأداء بين اللاعبين وتدني الروح الرياضية بينهم. شغب إنكليزي السلبية العملاقة والمؤسفة كانت في مدرجات الملعب البلدي في تورينو في مباراة إنكلترا ضد بلجيكا ضمن المجموعة الثانية وأمام 15 ألف متفرج فقط.. وهو عدد لم يكن مثيراً للقلق لدى سلطات الأمن" لأنهم تناثروا في مدرجات تزيد سعتها على أربعة أضعاف الحضور. وخطف اللاعبون الأضواء في الشوط الأول بهدفين للإنكليزي ويلكينز والبلجيكي كوليمانز، وعندما ندرت الخطورة وباتت المباراة مملة تحولت الجماهير الإنكليزية المصاحبة لفريقها إلى الهتاف بأناشيد جماعية ضد البلجيكيين تتهمهم بالغباء وتدني الذكاء، ورد البلجيكيون بهتافات مماثلة ضد الإنكليز، وسرعان ما فقد الإنكليز الأكثر عدداً اتزانهم وبدأوا في إلقاء الأجسام الصلبة وكراسي الملعب على جمهور بلجيكا.. وهو الأمر الذي دفع رجال الشرطة الإيطالية إلى التدخل السريع والحازم قبل اشتباك الطرفين ووقوع خسائر بشرية. التصفيات أوقعت القرعة الجيران الثلاثة إنكلترا وآيرلندا الشمالية وآيرلندا مع بلغاريا والدنمرك في المجموعة الأولى. وأجهز المنتخب الإنكليزي على منافسيه بأداء قوي وجاد ولم يهدر من رصيده إلا نقطة واحدة بالتعادل في دبلن مع آيرلندا 1-1 وتأكد تأهلهم قبل مرحلتين من النهاية. المنافسة في المجموعة الثانية كانت أكبر بين بلجيكاوالنمسا مع دور محدود للبرتغال واسكتلندا ودور الكومبارس للنروج حصالة الأهداف، وانتزع المنتخب البلجيكي بطاقة التأهل بفارق نقطة واحدة عن النمسا . ندية أكبر كانت في المجموعة الثالثة بين إسبانيا ويوغوسلافيا ورومانيا وخرج اليوغوسلافيون من اللعبة باكراً بهزيمتين مريرتين أمام إسبانيا ثم رومانيا. ارتفعت الإثارة من مجموعة إلى أخرى، ووصلت أعلى درجاتها في المجموعة الرابعة بين منتخبات هولندا وبولندا وألمانياالشرقية، وانتهى الأمر بصدارة الهولنديين أصحاب الهجوم الأقوى وبفارق نقطة عن بولندا وهي بالتالي تفوقت بنقطة واحدة عن ألمانيا بينما لعبت سويسرا وآيسلندا دوراً شرفيا. انحصرت المنافسة في المجموعة الخامسة بين منتخبي تشيخوسلوفاكيا وفرنسا. وانتهز كلاهما مبارياته ضد السويد ولوكسمبورغ وحصد النقاط. ولكن غلطة فرنسية في مباراتها الأولى ضد السويد في باريس كلفت الفريق هدفاً في الدقيقة الأخيرة لتفقد فرنسا نقطة كانت سبباً في تأهل تشيخوسلوفاكيا. مفاجأة غير منتظرة الغرابة الكبرى في التصفيات كانت في المجموعة السادسة التي جمعت الاتحاد السوفياتي وهنغاريا واليونان وفنلندا. وتوقع الجميع أن تنتهي بالترتيب السابق ولكنها انتهت عكسية تماماً .. وقبع المنتخب السوفياتي في قاع المجموعة ولم يفز إلا مرة واحدة وصعدت فنلندا في الترتيب للمرة الأولى، وتأهل اليونانيون للمرة الأولى إلى النهائيات بفارق نقطة واحدة عن هنغارياوفنلندا. المجموعة السابعة والأخيرة في التصفيات خلت من المنافسة الجادة" لأن المنتخب الألماني الغربي لم يجد أحداً من الكبار أمامه وسجل 17 هدفاً واهتزت شباكه بهدف واحد وجمع 10 نقاط من 4 انتصارات وتعادلين، وكانت البداية بالغة الاهتزاز للألمان" لأنهم تعادلوا سلباً مع مالطة الضعيفة وكرروا النتيجة الباهتة في أزمير بالتعادل مع تركيا، ولكن الصدام الأول بين ويلز في ملعبها وألمانيا الغربية انتهى بفوز الضيوف بقيادة رومنيغيه 2- صفر ودارت عجلة الانتصارات الألمانية الهائلة بالفوز إياباً وذهاباً 5-1 ثم على تركيا 2- صفر وعلى مالطة 8- صفر. النهائيات استضافت إيطاليا نهائيات البطولة بمشاركة 8 منتخبات في 4 مدن روما وميلانو ونابولي وتورينو ونصت اللائحة على صعود بطل كل مجموعة فقط لخوض المباراة النهائية دون إقامة الدور نصف النهائي وهي القاعدة التي ظلمت أصحاب الملعب وحاملي اللقب. القرعة لم تكن عادلة ووضعت ألمانيا الغربية وهولندا وتشيخوسلوفاكيا في المجموعة الأولى، وجمعت إيطاليا وإنكلترا وإسبانيا وبلجيكا في مواجهة شرسة، الماكينات الألمانية دارت باكراً وحققت فوزين متتاليين على المنافسين الأول والثاني. المباراة النهائية للبطولة الماضية بين ألمانيا الغربية وتشيخوسلوفاكيا عادت إلى الواجهة مجدداً، ولكن الجديد فيها أن التشكيلتين تعدلتا بشكل كبير. وتوافرت الندية تماماً واحتاج الألمان إلى جهد خارق وبراعة فردية من رومنيغيه لخطف هدف الفوز، واقتنصوا النقطتين، واحتاج الهولنديون إلى ركلة جزاء من الحكم الألماني الشرقي بروكوب أثارت غضب لاعبي اليونان وسجل منها كيست هدف اللقاء، ووضح أن لقاء ألمانياوهولندا يمثل صراعاً على الصدارة. قمة كرة القدم الحقيقية شهدت فوز الألمان 3-2 وجاء النصر مستحقاً وباكراً بثلاثية - هاتريك - لكلاوس ألوفس، ولم يهتز الفائز بهدفين متأخرين لريب وفيلي فان وماكيركوف وأثبت الألمان علو كعبهم على جيرانهم. تشيخوسلوفاكيا هزمت اليونان 3-1 وأصبحت بحاجة للفوز على هولندا وانتظار معجزة من اليونان.. ولكن الأحلام تبخرت بتعادل تشيخوسلوفاكيا وهولندا 1-1 وخروجهما معاً من سباق الصدارة.. واحتلال حامل اللقب المركز الثاني في مجموعته بفارق هدف عن هولندا وتأهلت لخوض مباراة تحديد المركز الثالث. المباريات السهلة غابت عن المجموعة الثانية، وتعرض جمهور إيطاليا لصدمة أولى بالتعادل السلبي مع إسبانيا في ميلانو، وعجز المهاجمون المشاهير بيتيغيا وغرازباني وكلوسيو وأنطونيوني وتارد يللي عن هز شباك الحارس أركونادا وتبددت الأحزان نسبياً بتعادل إنكلترا وبلجيكا في مباراة الشغب الشهيرة في تورنتو. المرحلة الثانية في المجموعة شهدت صدمة ثانية للإيطاليين ونكسة كاملة لإنكلترا وإسبانيا.. إيطاليا فازت بهدف متأخر لنجم الوسط ماركو تارديللي على إنكلترا.. واستحق الروماني حكم المباراة نيكولاس رانيا احترام الجميع بأدائه المبهر والحازم وخسرت إسبانيا أمام بلجيكا. تساوت بلجيكا مع إيطاليا في الصدارة ولكل 3 نقاط وبقيت مباراتهما الأخيرة لتحدد بطل المجموعة، وكان الفريقان متساويين في فارق الأهداف ولكن قاعدة تفضيل الفريق الذي أحرز أهدافاً أكثر منحت منتخب بلجيكا حق التأهل إلى النهائي في حال التعادل. وفي مباراة تحصيل حاصل حقق الإنكليز فوزهم الأول والوحيد على إسبانيا 2-1 وحانت لحظة الحقيقة للإيطاليين أمام 43 ألفاً من أنصارهم في الملعب الأولمبي في روما. وللمرة الثانية عجز المهاجمون الكبار عن هز الشباك، ووقف الحارس البلجيكي فافس عملاقاً أمام هجماتهم وانتهى اللقاء بالتعادل سلبياً وعجزت إيطاليا عن الوصول إلى النهائي. ومع ضياع الكأس لم يذهب أكثر من 25 ألف متفرج إلى مدرجات ملعب سان باولو في نابولي لمشاهدة مباراة إيطاليا وتشيخوسلوفاكيا لتحديد المركز الثالث.. ولكنها كانت مباراة تاريخية وهي الثانية التي تحسم بركلات الترجيح في البطولة الأوروبية، وكان المنتخب التشيخوسلوفاكي طرفا في المباراتين وفاز فيهما، ولكن الركلات زادت هذه الكرة إلى 18 ركلة بعدما نجح 16 لاعباً على التوالي في التسجيل حتى أضاع المدافع الإيطالي كولوفاني وسجل بارموس هدف البرونزية، وكانت المباراة انتهت بالتعادل 1-1 بعد وقت إضافي. المباراة النهائية استضاف الملعب الأولمبي في روما المباراة النهائية بين ألمانيا الغربية وبلجيكا مساء 22 حزيران يونيو 1980 وبحضور 47864 متفرجاً، وأطلق الحكم الروماني نيكولاي راينا صافرة البداية في تمام الثامنة والنصف بالتوقيت المحلي. مثل ألمانيا الغربية: هارالد شوماخر، مانفريد كالتز وأولريكي شتيلكه وكارل هاينز فورستر، وكابتن المنتخب برنارد ديتز، وبيرند فوستر، وبيرند شوستر وهانز بيتر بريغل برنهارد كولمان وهانز مولر وكارل هاينز رومنيغيه وهورست هروبيتش وكلاوس ألوفس والمدير الفني الوطني بوب ديرفال. ومثل بلجيكا: جون ماري فاف فالتر ميوز وإريك غيريتس ولوك ميل كامب وميشيل رينكين وكابتن الفريق جوليان كولز وفيلفرير فان موير ورينيه فانديركين وفان دبراليست ورايمون مومينز ويان كوليمانز، والمدير الفني الوطني غي تيس. وافتتح هروبيتش التسجيل بعد عشر دقائق بتسديدة قوية من حدود منطقة الجزاء لألمانيا، ورد فانديركين بهدف التعادل من ركلة جزاء بعد 72 دقيقة وأحرز هروبيتش هدف الفوز برأسه في الدقيقة 90.