تستضيف البرتغال من 12 حزيران يونيو إلى 4 تموز يوليو المقبلين بطولة الأمم الأوروبية الثانية عشرة لكرة القدم بمشاركة 16 منتخباً هي: البرتغال واليونان وإسبانيا وروسيا في المجموعة الأولى، وفرنسا وإنكلترا وكرواتيا وسويسرا في الثانية، وإيطاليا والسويد والدنمارك وبلغاريا في الثالثة، وألمانيا وتشيخيا ولاتفيا وهولندا في الرابعة. وفي 22 حلقة تقدم "الحياة" أكبر تحليل معلوماتي مفصّل لثاني البطولات الكروية في العالم من حيث القوة والاهتمام، ونقدم أولاً تاريخ البطولات السابقة عبر 11 حلقة، وتشتمل كل منها تفاصيل البطولة ونجومها ومبارياتها ونتائجها وأحداثها وغرائبها وهدافيها، وبعدها نقدم 8 حلقات عن المنتخبات المشاركة في النهائيات بواقع منتخبين في كل حلقة. ونستعرض تاريخ المنتخب ومشواره في التصفيات وأبرز لاعبيه ومدربه وأسلوب اللعب واستعداداته للبطولة، وننهي حلقاتنا مع ملاعب البطولة وحكامها وقوائم اللاعبين وبرنامج المباريات والترشيحات واللوائح المنظمة للبطولة. وفي هذه الحلقة سنستعرض تاريخ البطولة الأولى التي استضافتها فرنسا، وأحرز لقبها المنتخب السوفياتي وما صاحبها من أحداث على الساحة الأوروبية أثرت في مجرياتها. كما سنتطرق إلى أهم اللاعبين الذين برزوا من خلال هذه البطولة. لا يصدق الكثيرون أن اوروبا القارة التي مارست كرة القدم وطورتها قبل أي قارة اخرى في العالم هي آخر القارات التي تنظم بطولة داخلية لمنتخباتها، سبقتها اميركا الجنوبية وافريقيا واسيا واميركا الشمالية. ولكن الاوروبيين كان لهم السبق في تنظيم بطولات اقليمية بين الدول المتجاورة. ووسط هذا العدد الكبير من البطولات الاقليمية التي مزقت اوروبا ظهرت بارقة أمل في شخص فرنسي عاشق لكرة القدم، الامين العام للاتحاد الفرنسي وقتذاك هنري دولوني، وهو الساعد الايمن لمواطنه جول ريميه صاحب فكرة كأس العالم لكرة القدم، وهو من الاعضاء المؤسسين ايضاً للاتحاد الاوروبي. قدم دولوني الفكرة أولاً للاتحاد الفرنسي وحاز القبول، وقام بتصعيدها الى الاتحاد الدولي ولكن اعضاءه لم يتحمسوا للفكرة، وتأجلت طويلا حتى اعاد طرحها عام 1955 ونال الموافقة، وتقرر ان تقام نهائياتها الاولى عام 1960 وأن تجري لمرة واحدة كل اربع سنوات ما بين بطولتي كأس العالم. البداية كانت عسيرة جداً، لأن المنتخبات العملاقة في عالم كرة القدم قاطعت البطولة بشكل جماعي، ورفضت انكلترا وايطاليا والمانيا والسويدوسويسرا وهولندا واسكتلندا المشاركة لاسباب مختلفة، واقتصر عدد الدول المشاركة على 17 فقط. وتحدد عام 1958 موعدا لبدء تصفيات البطولة التي اجريت القرعة لها خلال نهائيات كأس العالم في السويد صيف 1958 . الطريف أن الارجنتين توجت بطلة لكأس اميركا الجنوبية عام 1957 في دورتها رقم 25 قبل أن ينظم الاوروبيون بطولتهم الاولى، وأن مصر توجت بطلة لافريقيا عام 1957 في السودان قبل البطولة الاوروبية ايضاً. اللجنة المنظمة للبطولة الاوروبية اختارت نظام خروج المغلوب في مجموع مباراتي الذهاب والاياب من الدور التمهيدي وحتى ربع النهائي، وتقرر اقامة الدورين الاخيرين في فرنسا مع استمرار خروج المهزوم ولكن من مباراة واحدة. القرعة اوقعت تشيخو سلوفاكيا مع ايرلندا، لتحديد المنتخب رقم 16 في الدور الاول للبطولة وهي المواجهة الوحيدة في الدور التمهيدي للبطولة. وفي غياب الكبار الرافضين للبطولة بسطت الدول الشرقية هيمنتها على البطولة رغم اقامة النهائيات في فرنسا. المباراة الأولى... الصافرة الأولى الحكم النمساوي الفريد غريل دخل تاريخ الكرة الاوروبية، من اوسع الابواب، وهو صاحب اول صافرة في تاريخ البطولة، وادار المباراة الاولى في المسابقة وهي اقيمت في الملعب المركزي في موسكو ويحمل اسم ملعب لينين بحضور 100 ألف في 28 ايلول سبتمبر 1958 ورغم نجاحه الكبير في ادارة المباراة الا ان الاختيار لم يقع عليه لادارة اي مباراة أخرى في البطولة ذاتها ، وكانت المباراة الاولى والاخيرة له في بطولة اوروبا، ودخل معه اللاعب السوفياتي ايلين اناتولي التاريخ بصفته صاحب اول هدف في البطولة. المباراة الافتتاحية جمعت المنتخب السوفياتي صاحب الملعب والجمهور ونظيره الهنغاري وكان المنتخبان في حالة سيئة بعد اخفاقهما الكبير في نهائيات كأس العالم 1958 في السويد. اصحاب الملعب اكتسحوا المباراة من بدايتها بهجوم شرس وتمكنوا من احراز ثلاثة اهداف متتالية وسريعة، سجلها ايلين اناتولي وسلافا ميتريفيلي وفالنتين ايفانو، وأحرز هدف هنغاريا يانوس غوروشتش. انتظر الطرفان عاماً كاملاً لاداء مباراة الاياب في ملعب ينب شتاديون في العاصمة الهنغارية بودابست في 27 ايلول سبتمبر 1959 وامام 90 ألف متفرج، وادخل المدرب الهنغاري باروتي تعديلاً جديداً على فريقه باعادة المخضرمين غيولاغروشتش حارس المرمى وجوزيف بوجيك لاعب الوسط من المنتخب الذهبي لبداية الخمسينات، واشرك ناشئاً موهوباً صاعداً هو فلوريان البرت. التفوق الهنغاري الملموس ميدانياً لم يترجم الى اهداف بعدما عاد الحارس العملاق ليف ياشين الى مرمى المنتخب السوفياتي، وتمكن الحارس الذي اطلقوا عليه لقب النمر الاسود والعنكبوت والاخطبوط من التصدي لكل الالعاب الهنغارية الخطيرة، واحتفظ بشباكه نظيفة على مدار 90 دقيقة بينما تمكن المهاجم السوفياتي يوري فونيوف من خطف هدف لبلاده. السياسة تفسد الرياضة ألقت السياسة سريعاً بظلالها على البطولة بعد ما اوقعت القرعة المنتخبين الاسباني والسوفياتي في المواجهة، وكانت كل الترشيحات تصب لمصلحة اسبانيا للفوز في وجود العمالقة دي ستيفانو وسواريز وخنتو، وفاجأ الجنرال فرانكو ملك اسبانيا وقتذاك العالم باعلان رفضه منح تأشيرات دخول للاعبي المنتخب السوفياتي رداً على تدخل السوفيات خلال الحرب الاهلية الاسبانية، وكانت العلاقات مقطوعة بين البلدين في تلك الفترة ورد الاتحاد الاوروبي مهدداً اسبانيا باستبعادها من البطولة إذا لم تمنح للضيوف تأشيرات الدخول، واختار فرانكو الحل الاسهل واعلن انسحاب اسبانيا من البطولة ليحرم دي ستيفانو ورفاقه من لقب بدا مضموناً، واهدى للمنتخب السوفياتي بطاقة التأهل الى نصف النهائي دون أي مشقة. الفرنسيون جددوا تفوقهم الساحق، وجاء هذه المرة على حساب النمسا بفوزين كبيرين 2-5 في باريس و2-4 في فيينا، ووضع فونتين اسمه مجدداً في لائحة التسجيل محرزاً 3 اهداف في مباراة الذهاب، وحرمته الاصابة من المشاركة ايابا، واكتفى رايمون كوبا الذي وضع شارة الكابتن علي ذراعه في مباراة الاياب باحراز آخر اهداف المباراتين من ركلة جزاء. منتخب يوغوسلافيا لم يهتز لهزيمته ذهاباً في البرتغال 1-2 ورد بانتصار ضخم في بلغراد 5-1 وخطف الجناح الايسر بوريفوجي كوستيتش الاضواء من الجميع باحرازه ثلاثة اهداف منها هدفان في المباراة الثانية. ومع عودة العملاق المخضرم جوزيف ماسوبست الى صفوف المنتخب بعد غياب عن الدورين السابقين وضحت معالم الخطورة في تشكيلة تشيخوسلوفاكيا، وقاد ماسوبست بلاده لفوز ثمين في بوخارست على مضيفه رومانيا 2-صفر واحرز بنفسه هدفاً، واكد الفائز جدارته اياباً في براتيسلافا بثلاثة اهداف نظيفة منها اثنان لبوبيرنيك وثالث لبوبنيك. واحتلت المنتخبات الشرقية الاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا وتشيخوسلوفاكيا الاماكن الثلاثة المخصصة للضيوف في الدور نصف النهائي الذي نظمته فرنسا. ثلاث دقائق مأساوية لن تتكرر لحظة حزن قاسية على جماهير كرة القدم الفرنسية مثل التي شهدها 27 ألفاً في مدرجات ملعب بارك دي برنس في 3 دقائق متتالية في مباراة فرنسا ويوغوسلافيا في نصف النهائي الغريب. الفرنسيون لعبوا بتشكيلة اضطرارية غاب عنها النجمان رايون كوبا وجوست فونتين للاصابة، وكانا وراء كل انتصارات فرنسا السابقة وتقاسما صناعة وتسجيل 75 في المئة من اهدافها، ورغم النقص الفني الواضح الا ان الحماية الجماهيرية الزائدة دفعت اللاعبين الى تقديم عرض قوي بقيادة كابتن المنتخب جون فنسان، وانهى المضيف الشوط الاول لمصلحته 1-2 بعد ما تقدم غاليتش للضيوف ورد فنسان وهيوت بهدفين، وعندما اشارت ساعة الملعب الى مرور 62 دقيقة كان الفرنسيون على اعتاب فوز كبير بعد ما تقدموا 2-4، وعلى مدار 13 دقيقة اخرى انتقض اليوغوسلافيون ولكن بلا جدوى واخيراً حدثت الواقعة وانهار الدفاع الفرنسي اعتباراً من الدقيقة 75، واهتزت شباك غورغ لاميا بثلاثة اهداف في ثلاث دقائق، احرزها كينيز والنجم الشهير يركوفيتش بهدفين متتاليين. الغريب أن الحارس اليوغسلافي ميلويتي سوسكيتش روى قصة غريبة بعد المباراة عن الحكم البلجيكي غامشون غراندين الذي ادارها، ويقول ان الهدف الرابع جاء من تسلل واضح للفرنسي فرانسوا هيوت، وعندما وجد هيوت نفسه وحيداً امام المرمى ودون أي اشارة من المساعد بتسلله توقف وتردد قبل التسديد، وهنا صرخ فيه الحكم - كما يدعى الحارس اليوغوسلافي - وقال له: سدد وسجل يا هيوت، وبالفعل احرز هدفا وعبثاً احتج اليوغوسلافيون، ولولا نجاحهم في الفوز لتقدموا باحتجاج صارخ ضد الحكم بعد المباراة التي انتهت لمصلحتهم 4-5 . في الجانب الثاني من نصف النهائي فاز المنتخب السوفياتي بجدارة على تشيخوسلوفاكيا 3-صفر في مرسيليا في جو خانق ارتفعت خلاله درجة الحرارة لتصل الى 40 درجة مئوية. ومع هبوط العامل المعنوي والدوافع عن الفرنسيين ونقص الصفوف اهتز المضيف جداً في مباراة تحديد المركز الثالث وخسر من تشيخوسلوفاكيا صفر-2 وهي المباراة الوحيدة التي عجز فيها عن هز الشباك. وواصل المنتخب السوفياتي نجاحه ودخل الى المباراة النهائية بكل قوة مستغلاً الارهاق الشديد الذي حل بلاعبي يوغوسلافيا بعد مباراة فرنسا المرهقة. وزاد من استفادة السوفيات بفارق المخزون اللياقي والبدني ان المباراة النهائية امتدت الى وقت اضافي بعد نهاية وقتها الاصلي بالتعادل. اسند الاتحاد الاوروبي ادارة المباراة للحكم الانكليزي الشهير ارثر اليس الذي حرمته الظروف من ادارة المباراة النهائية لكأس العالم مرتين متتاليتين في سويسرا 1954 والسويد 1958، وحان الوقت لتعويضه واعادة الحق اليه. بادر غاليتش بالتسجيل ليوغوسلافيا وهو الهدف الاول الذي يسكن مرمى ياشين في البطولة، ولكن هذا الهدف لم يقلل مطلقاً من الدور المميز الذي لعبه الحارس العنكبوت في مواجهة الهجوم اليوغوسلافي السريع، وعاد السوفيات الى اللقاء بقوة في الشوط الثاني بهدف باكر جداً لميتريفيلي، وظل اللقاء متكافئاً حتى انتهى بالتعادل، ومع تمديد الوقت لشوطين اضافيين تمكن المهاجم بونيديلنيك من احراز اغلى الاهداف بعد 113 دقيقة ليهدي بلاده كأس هنري دولوني، وهو اللقب العالمي الكبير للفريق في دنيا كرة القدم.