صباح 31 تشرين الأول أكتوبر 1984 كنت متوجهاً من مكتبي في السفارة السعودية في لاغوس العاصمة النيجيرية لزيارة سفير الهند مودعاً، في مناسبة تعييني سفيراً للسعودية وفقاً للعرف الديبلوماسي، حين تلقيت اتصالاً هاتفياً من السفارة الهندية يفيد أن السفير يعتذر عن عدم استقبالي في الموعد المحدد بسبب حادث طارئ لرئيسة الوزراء الراحلة أنديرا غاندي توفيت إثر ذلك الحادث المؤسف. واقتضت الظروف أن يتأخر وصولي الى نيودلهي حتى مطلع العام 1985 حين خلف السيد راجيف غندي والدته رئيساً لوزراء الهند وزعيماً لحزب المؤتمر الحاكم. وتشاء الأقدار أن أعاصر الحادث المؤسف المأسوي الذي راح ضحيته رئيس الوزراء الشاب راجيف غاندي 31 أيار/ مايو 1991 بعد نحو ثماني سنوات من اغتيال والدته، وشهدت بحكم منصبي مراسم حرق الجثمان وفقاً للطقوس الهندوسية. ولعل أكثر ما أثار في نفسي من مشاعر الحزن تولي ابنه راؤل وابنته بريانكا اشعال النار في المنصة الخشب التي كان جثمان والدهما مسجى عليها. كانت لحظات عصيبة من الصعب نسيانها. فقد فقدنا نحن العرب صديقاً سار على نهج جده جواهر لآل نهرو ووالدته انديرا غاندي في مناصرتهما القضايا العربية. هذه مقدمة لدعوتي الدول العربية والجامعة العربية الى العمل الدؤوب لاستعادة الهند دورها السابق في مناصرة القضايا العربية في مناسبة عودة حزب المؤتمر الى الحكم بزعامة صونيا غاندي، بعد ثماني سنوات من حكم الحزب المنافس ذي التوجه الهندوسي اليميني المتعصب الذي انحرف بسياسة الهند التقليدية المعروفة بمناصرتها للقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فشهدت العلاقات الهندية - الاسرائيلية تطوراً نوعياً مهماً في الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية... كان الوجود الاسرائيلي في الهند في تلك الحقبة من الثمانينات محصوراً في قنصلية اسرائيلية في مدينة بومباي العاصمة التجارية، ولا تتجاوز صلاحياتها حدود تلك المدينة واقتصار النشاط التجاري مع اسرائيل على تجارة الألماس التي تشتهر بها بومباي. وأذكر أنه عندما حاولت القنصلية الاسرائيلية القيام بدور سياسي لخدمة الدولة الصهيونية، ووجهت برفض حازم من السلطات الهندية بزعامة راجيف غاندي جرى على أثرها إبعاد القنصل الاسرائيلي وضبط نشاط القنصلية السياسي وحصره في نطاق العمل القنصلي التقليدي المحدود. وكانت العلاقات العربية - الهندية تشهد تعاوناً ملحوظاً، لا سيما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والدعم السياسي في المحافل الدولية، إذ كان مجلس السفراء العرب في نيودلهي على صلة دائمة بوزارة الخارجية وعلى أعلى المستويات وصولاً الى رئيس الوزراء الراحل راجيف غاندي الذي كان يخص مجلس السفراء العرب بمعاملة متميزة وحميمة، وكثيراً ما كان يدعو بعض السفراء العرب وزوجاتهم الى المناسبات العائلية الخاصة أو حفلات الافطار في رمضان أو الأعياد الإسلامية. وعندما أعلن عن قيام الدولة الفلسطينية، تحولت البعثة الفلسطينية في نيودلهي الى سفارة حين حضر الرئيس ياسر عرفات خصيصاً لرفع العلم الفلسطيني على مقر السفارة برعاية السيد راجيف غاندي وحضوره. الا ان مجيء الحزب اليميني المتطرف بهارتيا جاناتا بزعامة فاجبايي وأركان الحزب المعروفين بتعاطفهم مع اسرائيل، أحدث انتكاسة واضحة في العلاقات العربية - الهندية، ووصل التغلغل الاسرائيلي الى أجهزة الدولة، ورفع العلم الاسرائيلي في العاصمة نيودلهي، وتوافدت الشركات الاسرائيلية لتعويض ما فاتها من فرص في عهد حزب المؤتمر. لهذا أقول ان عودة هذا الحزب الحاكم تعد فرصة يجب عدم اغفالها لاستعادة الدور الذي تميزت به العلاقات الهندية - العربية، وأرجو من الأمين العام لجامعة الدول العربية الصديق عمرو موسى ايلاء هذا الأمر عنايته بحكم اطلاعه على مجرى هذه العلاقات عندما كان سفيراً لمصر لدى الهند، وعلاقته الوثيقة بالسيد راجيف غاندي في الفترة التي كان لي شرف زمالته والعمل معاً في مجلس السفراء العرب على متابعة العلاقات العربية - الهندية والتركيز خصوصاً على قضية فلسطين. والمجال لا يتسع هنا للحديث عن أهمية الهند ووزنها السياسي والاقتصادي والدولي وما ينتظرها من دور خطير ومؤثر في المنطقة في ظل المتغيرات الدولية الراهنة واعادة رسم خريطة التوازنات الدولية في غرب آسيا، وبروز الهند قوة رئيسة في موازاة العملاق الصيني المتوثب، ونشوء ما يسمى بالنمور الآسيوية، والتمدد الأميركي الشره لاحتواء تلك القوى... لا يمكن تجاهل تأثير ذلك كله في المنطقة وخصوصاً الدول العربية التي تتقاسم مياه الخليج العربي والبحر العربي وصولاً الى المحيط الهندي. التحرك مطلوب وبإلحاح قبل فوات الأوان. * سفير السعودية السابق لدى الهند.