ظاهرة العنف داخل المدارس أو مراكز التكوين المهني الالمانية ليست حقيقة جديدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هذه الايام في هذا الاطار لدى العديد من الخبراء في علوم الاجتماع والجريمة في محاولتهم لرصد مدى تفشي العنف وأسبابه بين الاطفال وبوجه خاص تلاميذ المدارس هو هل هناك تنام في نوعية أعمال العنف وحجمها أم أن أسلوب وسائل الاعلام الالمانية في التعاطي مع هذه الاشكالية يضخم من شأنها من أجل الاثارة؟ ويجزم رئيس اتحاد المدرسين الالمان جوزيف كراوس بأن أعمال العنف زادت في حجمها ونوعيتها لأن عددا أكبر من الاطفال والشباب يميل في سن مبكرة الى استخدام العنف الذي ارتفعت حدته وأدى منذ عام 1999 داخل مدارس المانية الى سقوط 20 ضحية بينها 17 شخصاً في حادث دموي واحد وقع في 26 نيسان ابريل 2002 استخدم فيه تلميذ بندقية داخل ثانويته السابقة ليزهق أرواح 12 مدرساً واثنين من التلاميذ وكاتبة وشرطيين وصوب البندقية في الاخير ضد نفسه ليسقط هو الآخر ميتاً في باحة الثانوية. وكان وقع تلك الجريمة كالصاعقة، اذ هزت كيان المجتمع الالماني. وأقرت دراسة صادرة عن الشرطة الجنائية الالمانية العام الماضي بأن عدد التلاميذ "الصعبين" في ارتفاع وأن خمسة في المئة من مجموع التلاميذ في المانيا يعتدون بانتظام على زملاء لهم، أو يضايقونهم ويشتمونهم. وتفيد الدراسة أن اعمال العنف هذه صادرة بوجه خاص عن ذكور وغالباً ما تحصل في باحة المدرسة خلال الاستراحة من الدرس أو في الطريق الى المدرسة، واعترف 13 في المئة من مجموع ألف تلميذ وتلميذة شملتهم الدراسة الميدانية بأنهم قاموا بسرقة أو بعمل استفزازي. وتفيد احصاءات الشرطة الجنائية الالمانية أن نسبة المشتبه بهم في ارتكاب أعمال عنف تحت عمر الرابعة عشرة ارتفعت بقوة في الفترة الممتدة بين 1993 و2002. وتلاحظ بعض التحقيقات الميدانية أن نسبة كبيرة من "الجناة" هم من أصل أجنبي لا سيما من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق أو ما يسمى بالمهاجرين الشرقيين من أصل الماني الذين قدموا الى المانيا بعد انهيار جدار برلين. ويلاحظ أستاذ علم الاجتماع هرمان شتراسير من جامعة ايسن أن الشعور بالنقص لدى هذه الفئة من الشباب بين 14 و25 عاماً وعدم إلمامها باللغة الالمانية وعيشها في عزلة عن المجتمع الالماني يجعلها تعتبر استخدام العنف وسيلة معقولة لنيل طلباتها. في المقابل نجد من يشكك في صحة هذه التقديرات والارقام التي تصور المدرسة وكأنها حلبة مصارعة لا حظوظ للضعيف فيها. ويعتبر كلاوس يورغن تيلمان أستاذ علوم التربية في جامعة بيلفيلد أن دائرة العنف في المدارس الالمانية ظلت منذ فترة طويلة "ثابتة نسبياً"، ويقول ان الجدل في اشكالية العنف يثار في كل مرة عندما تسلط وسائل الاعلام الضوء على حالة مثيرة علماً بأن أعمال العنف والجريمة تحصل عادة بحسب وجهة نظره خارج المدرسة لأن المدرسة تبقى كما كانت عليه في السابق فضاء اجتماعياً ضيقاً يخضع للمراقبة ويتوقع فيه التلاميذ في حال ارتكابهم سلوكاً سيئاً عقوبات ملموسة.