انتشر الفن الاسلامي في المتاحف الفخمة والمجموعات الخاصة لهواة الفن على مدى العقود الماضية. واشتهر "متحف أرميتاج الوطني" في سان بطرسبورغ بحيازته 3 ملايين قطعة فنية، صنعت عبر قرنين ونصف القرن في مختلف أرجاء العالم، من بينها أعمال فنية اسلامية نادرة للغاية. وشرح الأمين الفخري لمجموعة ناصر خليلي الخاصة، البروفسور مايكل روجرز، العلاقة التجارية التاريخية بين الدول الاسلامية وروسيا التي أدت الى وصول هذه القطع الى روسيا. وقال إن "العرب كانوا يشترون الفرو النادر من التجار الروس منذ القرن الثامن ويدفعون ثمنه بالذهب والأحجار الكريمة. وبعد عقود من العلاقات التجارية والسياسية بين المنطقتين، أصبح لدى القياصرة الروس ثروات هائلة من التحفيات الاسلامية". وافتتح الأسبوع الماضي معرض "الجنة على الأرض: فنون اسلامية" في "غرف أرميتاج" في العاصمة البريطانية. وخصص جناح في "سومرست هاوس" وسط لندن لمتحف "أرميتاج الوطني" ليستضيف معارض لقطع من المتحف الروسي. وترعى شركتا "سابك" و"نيتغيتس" المعرض الذي يتيح للزائر رؤية 133 قطعة فنية قد لا يراها ثانية، خصوصاً انها مستعارة من مجموعتين فريدتين، هما مجموعة "أرميتاج" بالاضافة الى المجموعة الخاصة للبروفيسور خليلي. ويعبر اسم المعرض عن الفكرة الاساسية منه، إذ يضم نسخاً نفيسة نادرة من القرآن الكريم ولوحات نادرة، اضافة الى سجاد ومجسمات لحيوانات وتماثيل فريدة من نوعها. وتعود المعروضات الى فترة تمتد من القرن الثامن حتى القرن التاسع عشر الميلادي، وهي من منطقة تمتد من العراق حتى اسبانيا، مروراً بشبه القارة الهندية. وباستطاعة الزائر ان يتجول في غرف "أرميتاج" الأربع مع دليل صوتي فائق الفعالية، يقوم بدور خبير فني يشرح للزائر تفاصيل القطع الفنية حينما يمر بجانبها. وتقدم هذه التكنولوجيا معلومات واسعة، اذ يمكن لمستخدمها ان يوقف التسجيل في أي وقت وأن يختار رقم التحفة التي يريد معرفة المزيد عنها. ونجح منظمو المعرض في اعطاء صورة، ولو بسيطة، عن تاريخ الاسلام منذ الجاهلية حتى وقتنا الحاضر عبر الدليل التسجيلي. فقبل الحديث عن المعرض، يشرح الدليل أهمية الاسلام ودور الفن والجمال في تعاليمه وعالمه الخاص. وربما كان هذا من أهم انجازات معرض يقام في العاصمة البريطانية، إذ يعطي الزائر الذي لا يعرف عن الاسلام الا ما يقدمه له الاعلام الغربي، معلومات دقيقة. وأول ما يعرض للزائر خريطة تبين انتشار الدين الاسلامي في ارجاء العالم، و كل الدول التي قادها المسلمون في عصور مختلفة. والقطع الفنية وزعت في أربع غرف، يفصل ممر طويل بينها علقت على جدرانه منمنمات فارسية ومغولية من القرنين السادس عشر والسابع عشر. ويذكر ان لوحات "متحف أرميتاج الوطني" ستعرض حتى يوم 9 حزيران يونيو المقبل وبعدها ستعرض لوحات من مجموعة خليلي. وتحتفل الغرفة الأولى بعظمة الله وكتابه الكريم، وتمثل القطع الفنية نموذجاً للفن الاسلامي الذي يزين المصاحف والمساجد ومدخل الكعبة. وتعرض صفحة من نسخة قرآنية يعتقد بأنها تعود الى القرن الثامن من شمال افريقيا، مما يجعلها من أقدم المخطوطات القرآنية المكتوبة بالخط الكوفي المميز. وهي من أكبر المخطوطات على الرق. ويقول روجرز ان مصحفاً بهذا الحجم على الأرجح كان يستخدم للزينة وليس للتلاوة اليومية. ويوجد في الغرفة الثانية قطع فنية تروي قصصاً عن حياة القادة المسلمين. وتتميز بمجسمات الحيوانات مثل نسر يعود الى بلاد ما بين النهرين العام 796 ميلادية عليه اسم "سليمان" الذي صنعه من النحاس والفضة. ويتوسط القاعة دلو مدور يعود الى العام 1163 حينما كلف تاجر من هيرات أحد النحاتين بصنعه ونقش عليه ملامح من الحياة في ديوان الحاكم. وتحتوي القاعة الثالثة أثواباً وتحفيات نادرة كانت في قصور القياصرة سابقاً وأصبحت ضمن ثروة "متحف أرميتاج الوطني". وتعود هذه القطع النادرة الى عصر امتد فيه نفوذ الامبراطورية الروسية الى الجنوب والشرق، لتتوسع علاقاتها مع البلدان الاسلامية. والصفة المشتركة بين قطع هذه المجموعة هي الاسراف باستعمال الأحجار الكريمة والأقمشة الفاخرة. ومن النماذج المميزة لهذا الترف طاولة صغيرة تعود الى القرن السابع عشر لا يتعدى عرضها 24 سنتيمتراً وطولها 10 سنتيمترات مصنوعة من الذهب والمينا والأحجار الكريمة. وعند دخول القاعة الرابعة يطغى طابع السلاطين الأقوياء، إذ تحوي سيوفاً وأوسمة اسلامية. وتحتل لوحة للشاه القاجاري فاتح علي شاه حكم ايران بين 1797 و1834، وكان مولعاً بالفن واللوحات التي تجسده في قمة الأناقة الملكية، أحد جدران القاعة الأخيرة. وأبعاد اللوحة التي استغرقت الفنان ماهر علي مدة عامين 1809 و1810 253 سنتيمتراً و124 سنتيمتراً، لتبدو مهيمنة على كل من يقف أمامها. وعلق روجرز بالقول إن "التأثير الغربي واضح على هذه اللوحة التي تشبه صور نابوليون بونابرت"، مضيفاً ان "الشاه كان يحب رسمه بأحلى الملابس والمجوهرات ليبين انه أعظم الملوك". كما عرضت في هذه الغرفة لوحات لسيدات من ديوان الشاه، وهذا جانب غير مألوف في الفن الاسلامي ومرة أخرى يظهر التأثير الغربي على سلالة القاجار. وقرر منظمو العرض تنظيم سلسلة من المحاضرات تتزامن مع فترة العرض لتعطي صورة واضحة عن الفن الاسلامي. وتقام المحاضرة الأولى يوم 27 نسيان أبريل تحت عنوان "التقوى والملكية في الفن الاسلامي" وستلقيها البروفسورة دوريس بيهرنز- أبو سيف من كلية الدراسات الشرقية والافريقية في لندن. كما ستقام محاضرات اسبوعية ظهر كل يوم اربعاء لطلاب الدراسات العليا في "معهد كورتولد للفن".