المدارس التي افتتحتها احدى المنظمات المنضوية تحت مظلة الاممالمتحدة في العراق بعد سقوط بغداد كانت في منطقة شعبية قرب منطقة الشعلة حيث كان التشييد مدروسا بتفاصيله على درجة من الدقة والسرعة والنظافة والكمال. بعض العراقيين المثقفين ممن رافقوا "فريق" الافتتاح تحفظوا على اختيار موقع المدرسة الذي كان بالمقربة من "مسلخة" ولا يبعد كثيرا عن ساحات متروكة تحولت ارضيتها الى تلال من نفايات بيوت المنطقة - واكدوا ان هذه المدرسة سرعان ما ستتعرض للتخريب والسرقة من ابناء المنطقة ذاتها ولهم في ذلك وجهة نظر. المشرفون على المشروع ايدوا رأي المثقفين من حيث المبدأ لكنهم دافعوا عن قرارهم فلسفياً، فأساس التشييد كان وضع نقطة الصفر في ذهن ابناء المنطقة لتكون البداية نحو فهم اوسع الى ما يجب ان تكون عليه المدارس حيث السقف يحمي من الشمس والمطر، والمقاعد للجلوس والسبورة السوداء للكتابة عليها بالطبشور الابيض والملون. المقارنة امر لا مناص منه رغم خصوصية كل تجربة، والسعودية هي الى حد كبير نموذج امثل ليكون نقطة الصفر نحو مستقبل افضل والتعرف كيف يجب ان تكون الامور على الاقل خليجيا وعربيا، فبفعل الفورة النفطية وتوافر من كان حريصا على وضع اسس لخدمة المواطن السعودي تم تشييد الملاعب وتأسيس الاندية ووضع حجر الاساس لمشاريع المستقبل. ونظرا لحجم الدعم الكبير وصلادة رأي الحريصين على وضع خطوات تسير بالرياضة السعودية نحو الامام، اصبحت المملكة بفعل ثلاثة عقود من تراكمات الانفاق والاستقرار تملك اكبر وأمتن وأقوى بنى تحتية رياضية عربية لضمان ولو الحد الادنى لمستقبل من يطمح من ابناء المملكة في احتراف الرياضة. كل شيء تطور في الرياضة السعودية الا النقل والتغطية التلفزيونية، حتى بات المرء يظن ان عجلة الرياضة تسير بسرعة عقرب الثواني وتكاد تسبقه بينما التغطية التلفزيونية مصرة على السير كالسلحفاة. بالتأكيد النقل التلفزيوني السعودي افضل بكثير مما هو عليه في بقية الدول العربية لكن التلفزيون السعودي لا يملك تبريرا لتأخره ربما بسنة ضوئية عن بقية التلفزيونات العالمية عند تغطية الحدث الرياضي، علما ان المال لشراء الجهاز والحصول على التقنية والابداع عند المواطن السعودي المتلهف للحصول على فرصة عمل شريفة متوفران فأين الخلل؟ كان الحضور الرياضي لسنوات خلت مرتبطا بالقناتين الاولى والثانية فكان تصوري الشخصي ان الشأن الاداري والروتين التقليدي وعدم الاستقلالية الرياضية قد تكون الاسباب وراء قولبة النقل التلفزيوني بصيغة القناة الرسمية، لكن الخلل ظل جليا رغم استقلال الرياضة من خلال قناة متخصصة تصل الى القاصي والداني. وبالتأكيد للمسؤول في التلفزيون كل الحق في ان يطلب مني توفير البينة على وجهة نظري، وهنا ليس هناك اسهل من توفير الدليل ففضيحة التلفزيون من الصعب سترها، ولعل ما جرى مؤخرا خلال نقل مباراة منتخبي السعودية وعمان في التصفيات الاولمبية في الدمام مثال دامغ وغير حصري في تراجع التلفزيون السعودي بقناته الرياضية وابتعاده ليكون نقطة الصفر للآخرين من اجل غد افضل، حقا انني لست سعوديا لكنني شغوف بالرياضة السعودية مؤمن ان بوسع الكوادر السعودية ان تكون الاقرب لما تقدمه القنوات الاوروبية والاميركية البناءة والناجحة لمشاهديها رغم انني اجهل الاسباب التي تدعو مقدمي البرامج الرياضية في التلفزيون السعودي الى التجهم والبخل ولو بابتسامة واحدة الى عاشقي الرياضة والمتعطشين للترويح عن النفس ولو كان ترويحا كاذبا. ابتسموا تبتسم لكم الدنيا.