أكدت الحكومة البريطانية أمس أنها تأخذ على محمل الجد القلق الذي أثاره 52 سفيراً وديبلوماسياً سابقاً في رسالة بعثوا بها الى رئيس الوزراء توني بلير عبروا فيها عن قلقهم البالغ لسياسته ازاء النزاع العربي الاسرائيلي والعراق. وطالب هؤلاء السفراء في الرسالة التي نشرت تفاصيلها أمس في وسائل الاعلام رئيس الوزراء بأن يمارس "نفوذه على السياسة الأميركية المحكوم عليها بالفشل في الشرق الاوسط أو أن يتوقف عن دعمها". وقال السفراء في رسالتهم المفتوحة إنهم "راقبوا بقلق عميق التحاق بريطانيا بسياسات الولاياتالمتحدة ازاء العراق واسرائيل" وطالبوا باجراء نقاش في مجلس العموم البرلمان لهذه المسائل. وعلّقت رئاسة الوزراء باقتضاب على الرسالة التي تصدّرت الصفحات الاولى من الصحف قائلة: "ان تحقيق الاستقرار والسلام والحرية لا يزال الهدف الذي تسعى بريطانيا اليه في الشرق الاوسط والعراق". وقال ناطق باسم بلير ان رئيس الوزراء يرفض فكرة عرض ما يمارسه من نفوذ على الرئيس جورج بوش. وشملت قائمة الديبلوماسيين البارزين سفراء خدموا في العالم العربي واسرائيل والامم المتحدة والمانيا ولوكسمبورغ والمجر والاتحاد السوفياتي السابق وبلجيكا والنمسا وباكستان وايران ومالطا وتركيا وعدد من الدول الافريقية، وكولومبيا وجورجيا والبانيا وفنلندا والمكسيك وتشيلي. ووضع الترتيبات الخاصة بإعداد الرسالة الى بلير السفير السابق في ليبيا اوليفر مايلز. وأعرب السفراء عن احساسهم ب"خيبة الأمل ازاء التدهور الحالي في العراق والشرق الاوسط"، متهمين "التحالف" الذي تقوده الولاياتالمتحدة بأنه يفتقد لخطة في العراق، وأن هناك اغفالاً واضحاً لحياة المدنيين العراقيين. وبالنسبة الى النزاع الفلسطيني الاسرائيلي قال السفراء السابقون إن بلير ظل يترقب قيام اميركا بالتحرك لدفع "خريطة الطريق" قدماً، ونددوا بقرار بوش الموافق على خطة اسرائيل الرامية الى الاحتفاظ بمستوطنات في الضفة الغربية، ووصفوا مثل هذا الاجراء بأنه "غير مشروع وخطوة احادية". وهاجموا الدعم العلني الذي قدمه بلير لهذه الخطوة، خلال زيارته الاخيرة لواشنطن. وأوضح مراقبون ان بلير لم يبد اهماماً كافياً حتى اليوم بالانتقاد الواسع النطاق لسياسة المغامرات التي يمارسها بوش في الشرق الاوسط، ومطالبة صحيفة "ذي اندبندنت" بأن يصغي الى ما يقوله هؤلاء الديبلوماسيون السابقون البارزون الذين أقدموا على عمل غير مسبوق بالنسبة إلى رجال يعتبرون جزءاً من المؤسسة الديبلوماسية القائمة في البلاد. ويشير معلّقون إلى المخاوف والقلق العميقين الذين أعرب عنهما هؤلاء الديبلوماسيون السابقون، ما يعكس مدى الاحباط والاعتراض القائم داخل وزارة الخارجية ازاء العراق والقضية الفلسطينية. وعكست التعليقات أيضاً مدى إبعاد وزارة الخارجية البريطانية عن إدارة شؤون القضايا الديبلوماسية الساخنة مثل العراق والشرق الاوسط عموماً، حيث ان بلير يشرف شخصياً بمعاونة فريق محدود من العاملين معه على إدارة دفة الشؤون الخارجية. وفي هذا الصدد تقول صحيفة "دايلي ميل" ان بلير هو وزير الخارجية الفعلي بسبب الاسلوب الذي يدير به الشؤون الخارجية. وان وزير الخارجية جاك سترو لا يسيطر على الأمور داخل وزارته، فبلير هو الذي تعامل مع أزمات 11 ايلول سبتمبر في اميركا وأفغانستان وبعد ذلك العراق. وأعلنت رئاسة الوزارة أن بلير يدرس الرد على خطاب السفراء السابقين، ولكن مايك اوبراين، وزير الدولة في وزارة الخارجية، حاول الدفاع عن موقف الحكومة، قائلاً إن السفراء السابقين يستندون على "فرضية زائفة". وأضاف انه لم يحدث أي تغيير في سياسة بريطانيا في الشرق الاوسط. وأعرب ل"هيئة الاذاعة البريطانية" بي بي سي عن اعتقاده بأن "الرسالة ليست سوى صرخة تعبّر عن الاحباط، لأن الأمور لا تمضي على نحو جيد بسرعة كما نريد، خصوصاً في الشرق الاوسط". وكان اوليفر مايلز أوضح تعليقاً على الرسالة أن السياسة الاميركية والبريطانية الحالية تستبعد احتمال التوصل الى تسوية عن طريق التفاوض بين الفلسطينيين واسرائيل. وقال إن الاميركيين لم يفعلوا أي شيء ازاء "خريطة الطريق"، كما ترك فيه الزعماء الأوروبيون بما في ذلك الزعماء البريطانيون زمام المبادرة بالكامل للأميركيين.