شكلت شبكة الانترنت خير وسيط يمكن أن يعبر عن روح مجلة "أقلام شابة" التي خرجت إلى النور منذ ثلاث سنوات. فأصحاب المجلة ابتعدوا عن كل تعقيدات النشر الورقي ليخلقوا لأنفسهم مجالاً رحباً بلا رقابة خانقة، ولا خوف من سخرية أو استخفاف الكبار. جميع المشرفين على المجلة من الشباب الذين تتفق ميولهم إلى حد كبير، يكتبون بأنفسهم ويشجعون غيرهم على إرسال أعمالهم إليهم، ثم ينشرونها في المجلة التي تصدر شهرياً، ويفتتحون منتديات عدة لمناقشة الأعمال التي ترد إلى المجلة، ليصنعوا بذلك أول منتدى على شبكة الانترنت يعتمد على مناقشة المجلة، التي تترأس تحريرها فتاة عمرها ستة عشر عاماً، ولا يتجاوز عمر محرريها الخامسة والعشرين. أطلقوا المجلة عبر شبكة الانترنت لتحمل كل طاقات الإبداع المختزنة فيهم، وكل صرخات الغضب التي لا تجد من يسمعها، ولكي يقولوا للعالم انهم ليسوا مجرد طاقات ثائرة فوضوية لا تعرف ماذا تفعل ولا إلى أين تتجه. انهم ببساطة يعرفون ما يقولون ويدركون هدفهم وربما في شكل أكثر وضوحاً من الكبار. المجلة خرجت من رحم منتدى آخر على شبكة الإنترنت، هو منتدى "روايات"، وهو موقع متخصص في مناقشة إصدارات المؤسسة "العربية الحديثة للنشر" التي تحظى بقاعدة عريضة من القراء الشباب، أمزجة متوافقة التقت لتصنع تجربة متجانسة، وهي التجربة التي يرويها أحمد عبدالمولى، مدير تحرير المجلة الذي يبلغ من العمر 21 عاماً قائلاً: "حينما تعرفت على منتدى "روايات" في المرة الأولى أحسست بأنني - أخيراً - عثرت على الشيء الذي أبحث عنه منذ زمن، وجدت فيه أصدقاء لديهم الأفكار والميول ذاتها والاهتمامات. بدأت أتعرف أكثر على هؤلاء الأصدقاء الذين أعتبرهم أفضل من قابلتهم في حياتي، وربطت بيننا صداقة متينة تزداد أواصرها قوة مع كل يوم. التقينا خارج المنتدى، تبادلنا الرسائل والمكالمات الهاتفية، وعملنا بكل جهد لئلا تنفصم عرى الصداقة بيننا مهما كلفنا هذا، ومهما باعدت بيننا المسافات أو فرقتنا الظروف، وشعرت بأننا أسرة واحدة". أحمد هو صاحب اقتراح إصدار المجلة، يقول: "تقدمت باقتراح اصدار هذه المجلة، وشعرت بأن علينا أن نفعل شيئاً يعبر عنا وعن أفكارنا" عمل نتميز به ويتمتع بالخصوصية، وكانت الفكرة التي لم أتوقع لها نجاحاً، وتقدمت بها على أساس أنها مجرد اقتراح سخيف، ولكنني فوجئت بحماسة مدهشة من كل الأصدقاء". ودارت المناقشات طويلاً... اسم المجلة، الأبواب، المواضيع، المحررون، التصميم، توزيع الأدوار، المقالات، رئيس التحرير، موعد الصدور. ويشرح أحمد: "اتفقنا جميعاً على المبدأ ومن ثم بدأنا العمل الذي دار على قدم وساق... وصادفنا الكثير من العقبات والإحباطات، وكاد الموضوع ينتهي إلى الفشل لولا أن نهضت رئيسة التحرير النشطة لتعيد الحماسة إلينا من جديد، وبذل كل منا جهده لعمل الأفضل وتجمعت لدينا المقالات والمواضيع والأفكار وبدأت عملية التنسيق والتصحيح والمراجعة، وقد بذل صديقنا ناير حسان 19 عاماً جهداً كبيراً في التدقيق النحوي واللغوي لمواضيع المجلة... وحينما انتهينا، عهدنا بذلك كله إلى مصمم موقعنا عبدالله ايهاب 18 عاماً الذي بذل جهداً لا يخفى أثره في تصميم صفحات المجلة... وتحمل - بشجاعة - الكثير من الصعاب، كتعديل المواضيع أو إرسال مواضيع جديدة أو حذف مواضيع قديمة، وصدر العدد الأول من مجلتنا الشابة أواخر عام 2001. وقد راعينا فيها تنوع المواضيع والأساليب والمجالات، وأن تحتوي صفحاتها ما يهم القارئ ويفيده ويمتعه في الوقت ذاته. تتنوع أبواب "أقلام شابة" بين العلم والأدب والفن والسياسة والتاريخ والرياضة وعلم النفس والتقارير الصحافية، وحتى أسماء الأبواب تحمل روح التجديد، وهي تشمل: باب "لغة الضاد" الذي تنشر فيه مقالات عن اللغة العربية والبلاغة والشعر، ويعرض بعض الكتب التي ينصح بقراءتها" باب "آهة العرب" وهو الجزء السياسي، ويتضمن مقالات تناقش قضايا الأمة العربية، وعلى رأسها قضية فلسطين والأعمال الأدبية الخاصة بها، باب "الواحة العلمية" المتخصص في عرض المقالات والأبحاث العلمية" باب "الواحة الأدبية" الذي يهتم بنشر الأعمال الأدبية، من روايات طويلة مسلسلة أو قصص قصيرة أو خواطر أو أشعار" باب "فنون بدون جنون" الخاص بالفنون من سينما ومسرح وغناء ويعرض بعض القضايا الخاصة بالفن للمناقشة والانتقاد" باب "مشكلة وآراء" وهو متخصص في مشكلات الشباب" باب "نفس وما سواها" المتخصص في الدراسات النفسية" باب "مونولوج" الخاص ويعرض مقالات متنوعة عن الظواهر التي تصادف الإنسان في حياته" باب "عبق التاريخ" وهو باب القصص والبطولات التاريخية" "ترووت" وهو الباب الرياضي في المجلة" "هع هع هع" وهو باب الكوميديا والقصص القصيرة الساخرة" "أسرار مقدسة" ويعرض بعض المعلومات عن الأكلات المختلفة من أنحاء العالم وكيفية تحضيرها بأسلوب ساخر" وأخيراً باب "كنت هناك" وتنشر فيه تحقيقات من مراسلي المجلة من الشباب من كل أنحاء العالم. على أن مجلة "أقلام شابة" على رغم تميزها، ما زالت تعاني المشكلة التي تواجه كل إصدار جديد: ضعف التفاعل. فصدور المجلة عبر شبكة الإنترنت وان كان يضمن لها الكثير من المميزات، إلا انه يجعلها مقتصرة على فئة الشباب الذي يجيد التعامل مع الشبكة. هبة حسن سعيد طالبة في كلية الإعلام في جامعة القاهرة، أعلنت أنها لم تسمع بمجلة "أقلام شابة" من قبل، وما زالت تأمل أن تجد فرصة ليظهر إنتاجها الأدبي إلى النور من خلال ملتقى المبدعين الشبان في معرض القاهرة الدولي للكتاب. إيمان علي الطالبة في الجامعة نفسها أعلنت أنها لا تثق في شبكة الإنترنت كوسيلة للنشر، ولا تريد إرسال جهدها إلى مجهولين، لا تعرف عنهم إلا أسماء حركية تظهر على الشاشة، ولن تجد وسيلة للاتصال بهم في شكل مباشر إذا ما حدثت أية مشكلة ولا حتى عبر البريد الالكتروني الذي يسهل تجاهل الرد على محتواه. أما أحد أعضاء المنتدى نفسه، ويدعى محمد حمدي غانم، فتناول أثناء إحدى المناقشات، أهم سلبيات المجلة من وجهة نظره، وهي وجود لجنة صلاحية المواضيع للنشر في المجلة من عدمها، وقال أثناء نقاشه مع المشرفين على المجلة: "لماذا يجب أن نرسل إليكم أعمالنا أولاً؟ هذه ليست مطبوعة ورقيّة ولن تكلفكم شيئاً، وكما هي الحال في عالم الإنترنت، فإن الحرية هي الطابع الأساسي، إلا في حالة واحدة فقط: إذا كان النشر لديكم في مقابل مادي... في هذه الحال يمكننا أن نفهم لماذا يجب أن نرسل أعمالنا، ولماذا يجب أن تراجعها لجان لا ندري عن صلاحيتها للمراجعة شيئاً! ولماذا يجب أن ننتظر لشهور قبل أن نرى أعمالنا. أنتم تتعاملون على النت بعقلية أصحاب دور النشر الورقية". وواصل غانم: "تراودني هذه الأسئلة: ما المكسب الذي يعود عليّ من نشر أعمالي في مجلّة "أقلام شابة" الواعدة؟ هل سأتقاضى أجراً مجزياً؟ هل سأحصل على الشهرة والمجد؟ هل سأغيّر من واقع المجتمع؟ الإجابة عن كل ذلك: لا... فالفائدة الوحيدة المرجوة من الإنترنت هي حرية النشر، وحرية الحوار وتبادل الآراء ويبدو أن هذا مكبّل في منتداكم! مَنْ هؤلاء الذين سيقوِّمون عملي؟ ما مؤهلاتهم؟ ما خبراتهم؟ وإلى أي اتجاه أدبي ينتمون؟ والإجابة عن كلّ ذلك: لا أعلم.. وهذا يدفع لسؤال آخر: هل أطمئن أن أرسل أعمالي الى مجهولين؟". وجهة نظر غانم لا تبدو هي السائدة لدى المشاركين في المجلة، فمعظم من يرسلون أعمالهم يتعاملون معها من منطلق أنها تحمل أهم ميزة بالنسبة اليهم، وهي حرية النشر، وكذلك متعة النشر التي تجعلهم يشعرون بأنهم يساهمون في خلق شيء خاص بهم حتى وان لم يصل إلى درجة الاحتراف بعد. في طاقم التحرير شباب من مصر وسورية والأردن ولبنان والمملكة العربية السعودية. ورئيسة تحريرها الأولى فتاة اسمها داليا يونس عمرها 16 عاماً، تلتها شابة أخرى تعمل مساعد باحث في مركز بحوث الهندسة الوراثية اسمها دعاء حسين عمرها 22 عاماً.