خدعة اخرى يطلقها ارييل شارون عندما يعلن تراجعه عن وعد عدم المس بالرئيس الفلسطيني. والوعد الذي اطلقه رئيس الوزراء الاسرائيلي لم تكن تحركه المشاعر الانسانية او الحرص على القوانين الدولية او عدم القدرة على التنفيذ. فالقاتل لا يحسب الا استناداً الى المصلحة. وعندما وعد شارون الرئيس الاميركي عدم المس بعرفات نال في المقابل ما يكفي من الضمانات بابقاء عرفات حيث هو محاصراً ومتهماً بدعم الارهاب وبأنه ليس شريكاً في التفاوض. وما يهم شارون حالياً ان يبقى عرفات محاصراً في رام الله ومتهماً بدعم الارهاب ولا تعترف به واشنطن كشريك في التفاوض. واليوم أكثر من أي وقت مضى يحتاج شارون الى عرفات حياً ومحاصراً في رام الله. وهو عندما اطلق اعلانه التراجع عن وعده لم يكن يوجه كلامه إلا الى أعضاء ليكود، في ظل الحملة التي يقوم بها في طول اسرائيل وعرضها، لإقناعهم بالتصويت لخطته فك الارتباط في غزة، خصوصاً ان الفارق بين نسبتي المؤيدين والمعارضين ضئيلة. وليس اعلانه اكثر من محاولة لاستجابة رغبة دفينة لدى الاجنحة المتطرفة في تكتله التخلص من الزعيم الفلسطيني، ولإقناعهم بأن فك الارتباط لا يعني بأي شكل نوعاً من التراجع عن سياسة قتل الفلسطينيين وزعامتهم. اطلق شارون حملة الاستفتاء في ليكود على خطة فك الارتباط، بعد الضمانات الاميركية في شأن الحدود والاستيطان وحق العودة، وبعد تأييد الوزراء الاساسيين في حزبه. ولم يبق امامه سوى الحصول على غالبية اعضاء ليكود لتمرير الخطة، لعلمه ان نتيجة التصويت في الكنيست مضمونة لمصلحته بعد تأييدها المسبق في حزب العمل وشينوي. واعادة طرح المس بعرفات تأتي في هذا الاطار. اعلنت الأفكار الاولى لخطة فك الارتباط، بعدما اعلنت الادارة الاميركية قطع علاقتها بعرفات ونزعت عنه، من جانب واحد صفة المحاور والشريك الفلسطيني الشرعي في مفاوضات السلام. والتقط شارون هذا الموقف الاميركي ليؤسس عليه مبدأ فرض السلام من جانب واحد، ما دامت واشنطن لن تجبره على التفاوض مع شريك فلسطيني لا تعترف هي به. وأفشل شارون تجربة"ابو مازن"بالضبط لان واشنطن تعاملت معه كمحاور فلسطيني. فرفض تنفيذ اي التزام تفرضه"خريطة الطريق"، تاركا لبعض قصر النظر الفلسطيني اكمال المهمة. وبعدما انهى شارون امكان تحول حكومة محمود عباس، وبعدها حكومة احمد قريع الى محاور، يعمل على القضاء على اي امكانية اخرى في هذا المجال. وهو يعتبر ان عرفات الحي والمحاصر يوفر له التغطية. ان استمرار عرفات على قيد الحياة يمنع تبلور اي قيادة فلسطينية جديدة قد تسعى واشنطن واوروبا الى الضغط على اسرائيل للتعامل والتفاوض معها. كما ان استمرار الحصار على عرفات يجعل اي طموح فلسطيني للحلول مكانه بمثابة خيانة وطنية، خصوصا في ظل الاستقطاب الشعبي الكبير والتعاطف السياسي الواسع مع الرئيس الفلسطيني. وبذلك يبعد شارون، ولمستقبل غير منظور، شبح بروز محاور فلسطيني. مما يبرر له كل الخطوات المنفردة والاحادية الجانب، بذريعة عدم وجود المفاوض والشريك الفلسطيني، ما دامت الادارة الاميركية تستبعد اي اعادة اعتبار للقيادة الفلسطينية الحالية، خصوصا في هذه السنة الانتخابية التي تحتاج فيها الى دعم اللوبي اليهودي. وعندما يتحرك جميع اركان الادارة الاميركية، من البيت الابيض ومجلس الامن القومي مرورا بالخارجية، من اجل تذكير شارون بوعده عدم المس بالرئيس الفلسطيني، فان هذه الحركة ليست اكثر من"دموع تماسيح"لان بوش عندما قدم لاسرائيل باسم الفلسطينيين ضمانات خطة فك الارتباط، انهى اي معنى لاي تمثيل فلسطيني ولاي مفاوضات لاحقة. واذا اطلق شارون خدعته الجديدة من اجل توطيد مكاسبه السياسية من الادارة الاميركية، فان على الذين استنكروا وحذروا من المس بعرفات ان يضاعفوا الجهود والضغوط حتى الحصول على فك اسر الرئيس الفلسطيني. وعلى الذين يدافعون عن السلام ان يحبطوا الالتفاف الاسرئيلي على التمثيل الفلسطيني.