عملياً، اقدم ارييل شارون، من خلال اوامره واشرافه شخصيا على اغتيال الشيخ احمد ياسين، على الخطوة الكبيرة التي تنهي عملية السلام مع الفلسطينيين، كما رسمت منذ اتفاقات اوسلو. وفي الوقت نفسه، بدأ بعملية فك الارتباط بكل ما له علاقة بالقيادة السياسية الفلسطينية، داخل السلطة وخارجها، وليس فك الارتباط من جانب واحد في قطاع غزة. شارون الذي فرض قرارا في مجلس الوزراء الاسرائيلي، الاسبوع الماضي، لاغتيال الشيخ ياسين، يعرف في الوقت نفسه ان هذه الجريمة ستكون منعطفا كبيرا في الوضع. وهو استهدف الشيخ الخارج من الصلاة ليدفع بالتوتر الى اقصاه، والمواجهة الى ذروتها مع الفصائل الاسلامية، مما يشل قدرة السلطة على اي تحرك لاحق، سواء على مستوى المعالجات في غزة او سواء الاستمرار في عملية سياسية مع الحكومة الاسرائيلية الحالية. وليس من دون دلالة ذلك التعليق الصادر عن احد مستشاري شارون، بعيد استشهاد الشيخ ياسين، والذي يصف الرئيس عرفات بانه"أخطر"من مؤسس"حماس". مما لا يمنع ان يكون هدفا مقبلا، في حال انفجرت الاوضاع. كما انه ليس من دون دلالة، في ظل التنديد والاستنكار في العالم بالجريمة الاسرائيلية، لم تر واشنطن ما يمكن قوله سوى دعوة الاطراف الى ضبط النفس. فهي عندما تضع القتلة والضحايا على المستوى نفسه تبيح ضمنا منطق القوة الذي لا يعوز شارون واركان حكومته اي تشجيع عليه. وفي الوقت نفسه تجعل من رفضها الثمن التي طالب بها شارون، مقابل بقائه في اطار منطق العملية السلمية، موافقة على طريقته في انهاء هذا المنطق. عندما صرح الشيخ ياسين في حديث صحافي، قبيل استشهاده، بان سياسة الاغتيال الاسرائيلية تعبر عن الافلاس السياسي، قد يكون عنى، وهوالمقتنع اقتناعا مطلقا ان حكومة شارون تبذل كل جهدها لنسف السلام وغير قابلة لاي تنازل للفلسطينيين، ان شارون الذي طرح فك الارتباط في غزة وجد نفسه في اطار آلية جديدة تتطلب منه ضمانات سيسعى للخروج من هذا الاطار عبر الاغتيالات التي تقلب الطاولة على جميع اللاعبين ويتملص مرة اخرى من اي التزام. وفي الواقع لم يستطع شارون ان يأخذ اي التزام مصري كان يفترض الحصول عليه في اطار الانسحاب الآحادي. كما انه فشل في انتزاع اعتراف اميركي باقتصار العملية على غزة ومن غير مفاعيل على الضفة، وفي انتزاع موقف اميركي، من دون اي تفاوض مع الفلسطينيين، من حق العودة ومستقبل كل المستوطنات في الضفة. وزادت هذا التأزم التحفظات التي ابداها وزراء"ليكود"عن الخطة التي يحاول كل منهم استغلالها للتوظيف في مستقبله السياسي، والتي رفضتها الاحزاب اليمينية في الائتلاف مدعومة من لوبي المستوطنين. ولم يعد شارون قادرا على التعويل على حكومة أخرى بتحالف مع حزب العمل من دون المغامرة بمستقبله على رأس"ليكود". وحتى لو اتخذ القرار الحكومي تصفية الشيخ ياسين، وزيادة وتيرة القتل للفلسطينيين، بعد العملية المزدوجة في اشدود، فان ذلك لا يجعل الجريمة مجرد انتقام لهجوم انتحاري. فهو جاء في سياق تصعيد شارون لسياسة التصلب والتوتير، وصولا الى دفع الوضع الى حال جديدة تنهي كل مفاعيل اعتبار وجود شريك فلسطيني في السلام، والوصول الى مرحلة فك الارتباط مع العملية السلمية كلها.